أرشيف

حقيقة حروب صعده ومآسي الشعب اليمني مخاض لإطماع ومصالح صهيونية (5)

هنا فصل آخر ومهم في تبديد الصورة الهلامية عن أهم الأحداث التي شهدها اليمن مؤخراً, وبالتحديد تطورات الأحداث التي في أقصى الشمال اليمني والتي تحولت إلى  موجة عنف دموية كان محورها محافظة صعده . لم تكن بداياتها الحقيقية كما يظن البعض منتصف العام 2004م , وإنما كانت نتاج لسياسات المراحل السابقة ضمن أهداف الفريق الحاكم بالعقلية التقليدية لمناهضة أي صوت مستقل عن النظرية القبلية المتحكمة في القرار الوطني المؤطر ضمن مقاسات ومصالح شخصية وفئوية.

المرحلة هذه وما شهدتها من حروب على جزء غالي وعزيز من بلادنا اليمنية هي محافظة صعده, إنما مثلت إمتداد طبيعي لحرب صيف 94م من حيث النمط والأهداف . فبعد نجاح الرئيس في تصفية خصمه الجنوبي في 7/7 /94م  تمددت الإستراتيجية القبلية بنكهتها السعودية على كل شبر في الجنوب , ولم يعد بعدها من خطر يهدد بقائها هنالك . وبعد نجاح السيناريو الرئاسي في إجهاض طموح أبناء الزيدية الممثل بحزب الحق المتوقع تناميه في منافسة شعبية ضد الحزب الحاكم , صار هو الآخر في خبر (كان), بعد إنشقاقه وإختراق قيادته وقواعده . تمت الأمور على أحسن وجه في نظر الحاكم وعاد ليحكم الجميع نخبة الثمانينات بطمأنينة تامة شمالاً وجنوباً تجلت في أزهى صورها العام 97م عقب الإنتخابات المؤكدة لنجاح المجموعة القبلية  في تخطي كل ما يهددهم كأوصياء للرياض على حكم الشعب.

من قطع قبل أن يزهد كان مقطعه شيزا ْ مثل عربي قد يصدق على حاكمنا اليمني , فنتيجة لتباهيه على قهر خصومه أثار عند الأحرار منهم الجرءة في الكفاح . لقد كانت النتيجة الحتمية لإذلال من طالتهم سياساته في الشمال والجنوب , بروز قضيتين عادلتين رغم الظروف الصعبة التي أحاطت بهما , هما قضية صعده ممثلةً في حركة السيد/حسين الحوثي , وقضية الجنوب ممثلةً بالحراك الشعبي الجنوبي.

من هو السيد/ حسين بدرالدين الحوثي

  طالما ونحن بصدد الحديث عن الحروب في صعده , كان لزاماً أن نتحدث عن أبرز شخصياتها وهو السيد/ حسين بدرالدين الحوثي. فهو ينحدر من أسرة هاشمية معروف عنها العلم والورع والتقوى, الكبير منهم والصغير على حال واحد مولعين بطلب العلم والنفع والإنتفاع به كما هو حال أسلافهم وآبائهم الذين مثلوا صورة العالم الرباني والفقيه القرآني والمصلح الإجتماعي . وهوالنجل الأكبر للسيد العلامة الكبير/ بدرالدين بن أميرالدين الحوثي من أكبر علماء الزيدية في عصره ومعروف عنه الشجاعة في قول الحق والوقوف في وجه الباطل دون خوف أو وجل, يلتمس قضايا الناس ويحاول إصلاحها ومتفاني في حرصه على الأمة وتحصينها فكراً وسلوكاً وعقيدة وله المؤلفات الواسعة في ذلك والتي كانت السبب الرئيسي لكل متاعبه وآلامه, فلم يكن محل الرضا من النظام وأصحاب النفوذ كما هو حال البعض من أقرانه , لإنه مباين للظالمين ويصدع بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم , شيخ ثوري ورجل مجاهد قضى معظم عمره على ذلك النحو.   كانت هذه من صفات آبائه وأهله وأسرته في مجتمع هو الآخر يتحلى بكل القيم والأعراف والتقاليد العربية والإسلامية البعيدة عن تشوهات الثقافات الغربية و الغريبة والمريبة التي غزت معظم المجتمعات العربية والإسلامية وخاصة حواضر المدن وعواصم الدول وفي طريقها لإستهداف المجتمعات الريفية.

إنعكس كل ذلك على شخصية السيد/حسين بدرالدين الحوثي وتمحورت فيه خصال النبلاء , وعكسها هو بدوره على شكل سلوك ملموس في تعامله مع محيطه الإجتماعي ليكون محل إجلال وإكبار كل من تعرف عليه . نشأ مستقيماً في سلوكه وأخلاقه وأرتوى من معين والده الفياض بالعطاء والتضحية ونهل العلم من منهل صافي مع ما وهبه الله من حس عالي وفهم لأغوار الأمور يتوق لإصلاح حال الأمة وينظر إلى دوره فيها من منظار القرآن الكريم الذي أوجب عليه مواجهة الأخطار والصدوع بالحق قولاً وعملاً . فرض إحترامه حتى لدى خصومه ليقفوا عاجزين عن تشويه شخصيته الفذة والسوية . بنى علاقاته مع أسرته ومجتمعه وأصدقائه على نحو يبدو فيه وكأنه مكلف لترسيخ قيم الدين الإسلامي فيهم فلم تبدو أي علاقة منها بشئ ولو يسير من الريبة , مجلسه فيه الوقار وتنتهي عند حضوره العبارات الجانبية والجمل المزحية إلا حين يأذن من بعضهم على سبيل الفكاهة النزيهة فتبدو على قسمات وجهه الإبتسامة الجميلة لتكون لحظات فاصلة في ملامح رجل مثقل بهموم ليست من نوع ما يحمله الآخرون من هموم شخصية, فجل وقته كان يفكر في ما تعانيه الأمة من أعباء المشاريع الصهيونية , والتي تبدو وكأنها نار في حطيم غابة لا تستثني أحداً من المجتمعات الإسلامية ولو كان صغيراً نائياً في بلد فقير. إلى جانب علمه وفهمه وثقافته المتنوعة فقد إرتقى بتعليمه الرسمي لينال شهادة الباكلوريوس من كلية الشريعة والقانون قسم الدراسات الإسلامية بجامعة صنعاء العام 91م, ثم ليبتعث بعدها إلى الخرطوم لتحضير رسالة الماجستير . وفي العام 93م ترشح للإنتخابات في دائرته عن حزب الحق بتزكية العلامة الحجة السيد/مجدالدين المؤيدي رحمه الله رئيس الحزب , منافساً للشيخ/عبدالله حسين روكان مرشح المؤتمر الحاكم آنذاك, ففاز بها السيد/حسين على منافسه بأغلبية ساحقة رغم ما شابها من مغالطات لصالح منافسه . مثل دائرته في البرلمان التمثيل الحقيقي للنائب الحريص على مصلحة جماهيره , وترأس الكتلة البرلمانية للمحافظة وأسهم كعضو بارز في البرلمان لحل كثير من القضايا السياسية والإجتماعية بعضها بتكليف الرئيس نفسه . وخلال تلك الفترة تعرف على الكثير من المسئولين والسياسيين والمثقفين , وتفهم عن قرب ماهية النظام الحاكم وطريقة القرار فيه , حاول كما يقول إصلاح الوضع من الداخل إلا أنه وصل إلى طريق مسدود , وفي أثناء ذلك كان يرقب الوضع السياسي والإجتماعي والتطورات في مسار الأحداث الداخلية مؤكداً على ربطها بما يحدث في المحيط العربي والدولي . وفي مضمار ما تعرض له حزبه من مؤامرات كان يحاول لملمة الأمور وتجاوز المشاكل الطارئة بالتدخلات الخارجية , إلا أنه إصطدم بمعوقات ثقافية وسياسية غير ناضجة على مستوى بعض قيادات الحزب وقواعده فرضت النتيجة المؤسفة في إنشقاق الحزب . وهكذا حال المفكرين كل ما تعثر نهض فلم تكن تلك الظروف لتعيقه عن مواصلة كفاحه , فعاد بعدها إلى منطقته في مران لينكب على تقديم عطاءاته الخدمية فأنشأ جمعية مران الخيرية , وكان يشيد بطلاب العلم ويقدم لهم النصائح والمحاضرات في محاولة منه لتوسيع مداركهم والإرتقاء بوعيهم في ما يؤهلهم لخدمة الأمة , ويحضهم على تحصيل شتى أنواع العلوم الشرعية والتطبيقية . إرتضاه أبناء مديريته حكماً عدلاً في حل كل خلافاتهم وقضاياهم الإجتماعية فكان نعم الحكم العدل . ومع ذلك كله كان نعم الحليف لكتاب الله , يقرأه بتأمل عميق ويستوحي منه النظريات والرؤى والأفكار الكفيلة برفع المعاناة عن الأمة فكان يرى ضرورة تحمل الجميع لمسئولياتهم التي عنها سيسألون أمام الله مبتدأ بذلك تكليف نفسه.

برزت شخصية ذلك الرجل على كل المجتمع الصعدي بشكل خاص والمجتمع الزيدي بشكل عام. في غضون ذلك كان المجتمع يرى نفسه تائهاً يبحث عن ضالته في قيادة لكيان طالما تعرض لصنوف الإمتهان والإبتزاز للقيم والمبادئ , فكان السيد/حسين بدرالدين الحوثي هو الضالة المنشودة منذو زمن خاصة وقد كان جامعاً لمواصفات القائد الفذ والشجاع الواعي والرجل المستنير صاحب الرؤية الثاقبة والبصيرة النافذة والهمة العالية . فأنشدت إليه الجموع الغفيرة عن قناعة وإيمان كقائداً يستوحون منه التوجيهات ويمتثلون له الأمر ويقتبسون منه العلم والوعي , في حين لم يخرجهم من تعاليم القرآن الكريم ولم يبعدهم عن سيرة وسلوك سيد الأولين والآخرين الرسول محمد (ص). 

 كان ذلك بعيد إنقسام المجتمع إلى فريقين , ليظهر السيد على رأس فريق أخذت قاعدته الجماهيرية تتعاظم يوماً بعد آخر على حساب قاعدة الفريق الآخر وقاعدة الحزب الحاكم . فأصبحت الجماهير تتخطى كل العوائق التي إصطنعها النظام عبر حلفائه النافذين في المجتمع , ليتعزز لديهم الجرأة والشجاعة وينكسر عندهم حاجز الخوف وتتلاشى حينها القاعدة الشهيرة ’’ الولاء مقابل السلام ’’ التي طالما إعتمد عليها حلفاء النظام في تطويع الجماهير للحزب الحاكم . فأصبح المواطنون لا يعبئون نهائياً بتهديدات المشائخ وما يقومون به من إغراءات للنظام ضدهم وضد مصالحهم بغية إعادتهم إلى حضائرهم ,إلا أنهم أي المواطنون يزدادون إصراراً وقناعة بالولاء لقيادتهم القرآنية ولو غيبوا في السجون طويلاً دون أن يلوذوا بالمشائخ في تجاهل وتهميش وتحدِ كان محل إنزعاج النظام وحلفائه. ولهم الحق في ذلك أن يكونوا خلف قيادة لكيانهم كما بقية الكيانات الأخرى.

رؤية السيد/الحوثي ونشاطه بعد الحادي عشر من سبتمبر

 بعد العام 2001م وبالتحديد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر , ولأن السيد/ الحوثي كان متابع حكيم لكل الأحداث السياسية ,  رأى أن الجميع داخلون إلى مرحلة إستثنائية خطيرة جداً , تتطلب تظافر الجهود المخلصة وشحذ الهمم العالية لمواجهة الأخطار والسياسات الأمريكية والغربية المزمع توجيهها ضد الأمة العربية والإسلامية ولا بد أن تكون من منطلقات كتاب الله الكريم فهو الكفيل بكشف كل مخططاتهم وأدواتهم المدمرة , وهو أيضاً المعني بتوضيح الطرق والآليات الحقيقية لمواجهتها , فيعد القرآن الرائد أمنياً وإستخباراتياً وغير ذلك من أجهزة الإستخبارات الصهيونية  حد وصفه . في حين أن تعليقه على ذلك الحدث في وقته بأنه خدعة وكذبة أمريكية وإسرائيلية وأن القاعدة وهم وإنما يريدون تنفيذ مخططاتهم ضد الأمة الإسلامية تحت هذه الذرائع التي كانت من صنائعهم وألاعيبهم وخداعهم.

كانت محاضرات السيد/الحوثي لها دوي وتحكي بالتفصيل نظرياته وبرامجه سياسياً وإقتصادياً وثقافياً وإجتماعياً وبشكل جلي وواضح ومفند , كما أنها لم تخرج عن مبادئ وقيم ومعتقدات الإمام زيد (ع) , بل كان يعد بالنسبة له مدرسة إلى جوار أئمة أهل البيت عليهم السلام . إلا أن ما تميزت به أنها تحمل مشروع مناهض للسياسات الأمريكية والإسرائيلية . فبدأ في العام 2002م شعاره المشهور ( الله أكبر الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسلام ) وهذا الشعار هو ما تميز به كل متابعيه , وأخذ ت الجماهير تتوسع مداركها ووعيها وحضورها بشكل لافت جداً . بينما نرى في الجانب الآخر وهم النافذين الذين تربطهم بالرئيس المصالح الشخصية, نراهم وقد فقدوا معظم أنصارهم وأتباعهم الذين كانوا يراهنون عليهم في بقاء تحالفهم مع الرئيس والحزب الحاكم , ولأن أي شخصية ليس لها حضور جماهيري لا يستطيع أن يدخل في أي تحالفات سواءً عامة أو شخصية , ولأن شعبيتهم قلة وبشكل ملفت لحساب السيد / الحوثي فقد شكوى كثيراً إلى رئيس الجمهورية بضرورة عمل أي شئ من شأنه أن يعيد الجماهير إلى حضيرتهم. هذا كان قبل الإنتخابات البرلمانية للعام 2003م , طبعا محاولة إغتياله كانت ضمن الخطط إلا أنها لم تنجح لما أولاه أنصاره من عناية أمنية به . في حين أن كل تحركه كان ضمن الدستور والقانون الذي يخول لأي مواطن التعبير عن رأيه , فهو تخاطب مع مجتمعه وقواعده من خلال محاضراته التي لم يسئ فيها إلى أحد وإنما تضمنت الشعار المعروف كنتيجة لجرائم الصهاينة في كل من فلسطين والعراق وأفغانستان , كما صاحبه الدعوة إلى ضرورة مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية , وأي منظمة لهما تعمل في الساحة على أساس ثقافي أو خدمي كمنظمة ( إدرأ ) لتعليم الفتاه الريفية والتي يرأسها شخص يهودي , وتقوم بتشجيع الفتيات وإغراء ذويهم بالرواتب العالية للسماح لهن للدخول في دورات تدريبية في الخارج على حساب المنظمة لتعود بعدها بالعمل في الساحة النسائية تحت غطاء تعليم الفتاة الريفية . ثلاث خطوات , رفع شعار ينمي العداء والسخط ضد أمريكا وإسرائيل ويتهما بالوقوف خلف المآسي التي تجرعها العرب والمسلمون بأشكالها المتنوعة , والدعوة المستمرة للمقاطعة الإقتصادية من خلال مقاطعة منتجاتهما , والثالثة الدعوة للحذر من التعامل مع أي منظمة صهيونية مهما حملت من عناوين . كان السيد منفتح على الجميع كما كان يأمل أن تصل محاضراته القاصي والداني وتنشر في كل مكان , جعلت كل مقتنع به أن يرفع الشعار في كل مكان ومن ضمن ذلك عقب صلاة الجمعة وهذا ما حمل البعض رفعه في الجامع الكبير بصنعاء وفي حد علمي لم يكن بأمر السيد/ نفسه في البداية إلا أنه بارك مواصلته طالما وقد بدأوا بذلك.

 يحتاج الباحث في هذا المجال الكثير من الجهد والوقت لتوضيح ما تضمنته محاضراته من برامج ونظريات , إلا إن من أهمها رؤيته بأن المسلمون لا يجوز عليهم الإختلاف كون ذلك يتقاطع مع توجهات القرآن الكريم حيث يقول ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا وأختلفوا من بعد ما جائتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ) وهم اليهود والنصارى وبذلك يكون حديث (إختلاف أمتي رحمة ) محل تناقض مع مثل هذه الآية وغيرها التي تدعو إلى الإعتصام والتوحد تحت راية القرآن الكريم الكفيل برسم هوية المسلم الحقيقي , كما كان يرى أنه والجميع مسئولون أمام الله في ما يحدث في فلسطين , فقال نحن سنسأل غداً عن تلك الدماء التي سالت في فلسطين ولم نعمل حيال ذلك شئ , لأننا مجتمع مسلم واحد . كان يرى أن الحكومات المسئولة عن السياسات المعادية للأمة من خلال شرعنة عمل المنظمات الصهيونية , إلا أن المجتمع عليه أن يعمل ما في وسعه لإحباطها كونه المستهدف ومقاطعتها والتحذير منها على الدوام والتنبه من خداعها أمراً واجباً على كل مسلم في حين أنه يسنجم مع النظام والقانون .( نظام القسط) كنظرية للحكم من منظور القرآن الكريم كانت إحدى النظريات السياسية التي تحدث عنها في محاضراته, ويقول ’’وإن الأمة لأحوج ما تكون إلى أن تفهم ما هي ولاية الأمر في دينها ما هي ولاية الأمر في إسلامها ما هي ولاية الأمر في قرآنها يجب أن تفهم وإذا لم نتفهم فسيفهمنا الأمريكيون وعملائهم ليقولوا لنا هكذا ولاية الأمر وهكذا يكون ولي الأمر وستراه يهودياً أمامك يلي أمرك’’ وذهب إلى أن الأمة لا ينقصها في القرآن نظرية للحكم لأنه نظام غير ناقص وهو واضح المعالم في هذا الشأن , بدلاً من التسكع للبحث عن نظام حكم في النظرية الشيوعية أو الرأس مالية , لأن ذلك إساءة لنظام القرآن الكريم ووصفه بأنه نظام ناقص وحاشا لله أن يهتم بصغائر الأمور ولا يهتم في أكبر المواضيع المتعلقة بإصلاح حال الأمة . كل نظرياته وبرامجه واضحة في سلسلة محاضراته القرآنية  إلا أن ما تقدم كان شرحاً بسيطاً حول شخصيته وحركته وأنشطته لكي يكون عند القارئ بعض الخلفيات عن ما يسمونهم اليوم بالحوثيين  وكيف كان تأثيرهم في الحياة السياسية والثقافية والإجتماعية , وماذا كانت ردة خصومهم.

السيد/الحوثي و التأثيرالسلبي على الإستراتيجية القبلية

وهكذا برز في الساحة السياسية والإجتماعية تكتل شعبي مستقل عن توجهات المنظومة القبلية الحاكمة و له تأثير فاعل في مسار الحياة العامة . توجيهات السيد/الحوثي سياسياً وثقافياً كان لها إستجابة واسعة في الساحة مما جعل المحسوبين على النظام يشعرون بقلق متزايد من إنخفاض شعبيتهم ونفوذهم حتى مع إستخدام وسائل الضغط عبر المؤسسة الأمنية والعسكرية , وبذلك تتعرض كلاً من مصالحهم الشخصية والنظرية القبلية المعتمدة لدى النظام للخطر رغم ان عمل الحوثي لا يشوبه شك بأنه ضمن الدستور والقانون ولم يخرج قيد أنملة عن ذلك . المتضررين من حركة السيد/ الحوثي لم يقفوا موقف المتفرج بل قاموا بمحاولات لتشوية الحركة والإغراء بهم عن طريق بعض العلماء الذين يمكن وصفهم (بالنمطيين ) و الذين تربطهم بهم علاقات لمحاولت حشد الشكوك لتكون عائقاً أمام البعض حتى لا يخرج الجميع عن نفوذهم وطاعتهم . ولقد تقدموا بالشكاوي إلى رئيس الجمهورية كونه المعني بتآكل قواعدهم الجماهيرية.

الرئيس بدوره كان يعول على  حلفائه بإستخدام الورقة الدينية الزيدية التقليدية , إلا أنه مارس ضغوطه أيضاً على السيد/الحوثي رأساً في محاولة لتطويعه وإغرائه ببعض الوزارات على أن يكون له موقف مساند للحاكم , وأرسل من ضمن من أرسلهم بهذا الخصوص العلامة/ غالب الطويل ومجموعة معه في بداية العام 2003م , إلا أنه وربما بدون إدراك لدى السيد عن حقيقة مخاوف الرئيس على الإستراتيجية القبلية وتشعباتها الداخلية والخارجية , أعرب عن إستغرابه لإنزعاج الرئيس من ذلك وقال في رسالته للرئيس ( أن عليه أن لا يصدق بعض الوشاة الذين يتزلفون له ويقلبون الحقائق , وأنه أي الحوثي أصلحه له من غيره ) وبخصوص العرض فقد رد على الرئيس بأنه لا يسعى للمناصب كما يظن أو التأثير على شكل النظام . من وجهة نظري بأن الحوثي يريد القول بأن المجتمع في هذه المرحلة يجب توعيته بأخطار السياسات الأمريكية وخداعها , وأن تثقيف الأمة على ذلك النحو أمراً فيه مصلحة الجميع , كما أن المواجهة مع الأمريكي أمراً لا محالة قادم مالم نهيئ أنفسنا ومجتمعنا ثقافياً وسياسياً . في حين أن الرئيس كان يريد القول له أنك أصبحت تمزق الإستراتيجية القبلية وأن الجماهير يجب أن تعود إلى أحضان المشائخ على النمط الأول . لقد تعددت محاولات الرئيس في محاولة خلخلة المسيرة القرآنية , فطلب من السيد/ الحوثي بعدها التنازل عن كلمة من شعاره الذي أصبح سمة معروفة لكل مريديه وهي (الموت لأمريكا ) إلا أن السيد رفض ذلك لما لها من مدلول عميق في ثقافة المجتمع , وهذا يشير إلى أن الرئيس تلقى ضغوط من السفارة الأمريكية وأعربت عن قلقها من تصاعد التنديد ضدها وبالأخص عقب صلاة الجمعة. 

تعيين محافظ صعده وملف الحوثي

في العام 2002م كان قد تم تعيين العميد/ يحى علي العمري كمحافظ للمحافظة ومعني بملف السيد/ الحوثي , وفي ذلك يقول الرئيس ( لقد أعطيتكم عيوني ياأهل صعده ) وليته لم يعطيهم . بالفعل لقد ظل الرئيس بعدها من غير نظر . العمري في بداياته لفت أنتباه المواطنيين بصرامة القانون وحرصه على تلمس الأمور بنفسه , كما دق على الوتر الديني الملائم لإبناء المحافظة , فقد أولى جامع الإمام الهادي أهمية , وفي شهر رمضان أرغم أحد الجوامع السلفية في المدينة بالإلتزام في أذان المغرب بتوقيت جامع الإمام الهادي ليكسب تعاطف البعض من الزيدية إلى ذلك لم يكن يخلو مكتبه من بعض العلماء ومناقشة بعض ما يريدون ومن ضمنهم السيد/ محمد عبدالعظيم الحوثي المناوئ الرئيسي للسيد/ حسين الحوثي  من باب أنه الأولى من الأخير في الزعامة الدينية وإن كان يدرك الكثير حبه لإن يرى الجماهير خلفه . لقد كان المحافظ يخطط إلى أبعد من ذلك بكثير وهي الإستفادة من التعاطف الزيدي في توظيفها ضد السيد/ الحوثي , كما كان يراهن على بعض العلماء وإستثارتهم في هذا الشأن.

المضايقات لكل أتباع الحوثي في كل من صعده وصنعاء كانت تزداد بشكل لافت ومنها زج المئات منهم داخل سجون الأمن السياسي وإستخدام وسائل التعذيب ضدهم , ورغم أن هذه الخطوة كانت إستفزازية إلى حد بعيد وخالية من أي وجهة شرعية أو قانونية إلا أن السيد حسين بدرالدين كان يؤكد على أتباعه بعدم مقاومة رجال الأمن والصبر على الأذى حتى يقتنع النظام بعدم جدوى مثل تلك الخطوة . النظام من جهته أراد الإستفادة من ذلك وهي دخول مشائخ المحافظة في محاولة التعهد عليهم وإطلاقهم علهم يكسبون ودهم وطاعتهم من جديد إلا أن الحوثيين ومن باب المبادئ كانوا يرفضون التوقيع على التعهدات رغم التلويح لهم من البعض بأنها فقط للتخلص من السجن ومن ثم عليهم إذا أرادوا التوجه مع الحوثي فذلك متاح , غير أنهم أصروا على عدم التوقيع على التعهدات كون ذلك معارض لقيم الإسلام وأنها طريقة خداع وخيانة , ومن جهة أخرى يرون أن ذلك غير شرعي ولا قانوني كونهم لم يرتكبوا خطأً يعاقب عليه القانون.

إنتخابات العام 2003م ودلالتها

  في العام 2003م ومع قرب الإستحقاق الإنتخابي كان للحوثيين من ذلك موقف قانوني مناوئ للحزب الحاكم . إذ قاموا بالطعن في السجلات الإنتخابية وأصروا على إلغاء الأسماء الوهمية في بعض الدوائر , فأستطاعوا أن يحصلوا على الحكم في إلغاء كثير من تلك الأسماء لما لديهم من أدلة دامغة كانت محرجة إلى حد شديد للمحكمة ذات الإختصاص . هذة الخطوة زادت من قلق الرئيس وحلفائه سيما وهي طرق قانونية بل وأكدت ثقلهم في الساحة السياسية والعملية الإنتخابية والتي سيكون لهم دور بارز في كشف حقيقة النظام وشعبيته القهرية . وما دلل أكثر على منافستهم الجدية أن الجميع في تلك الإنتخابات كانوا ينتظرون اللائحة الإنتخابية للمرشحين أو الحاصلين على تزكية السيد/ الحوثي . وبرغم أنهم لم يكونوا مؤطرين ضمن حزب سياسي , إلا أنهم كانوا منظمين بشكل جيد . في مقابل ذلك إستنفرالنظام كل ما بيده من أوراق للحيلوله دون ظهور نتيجة مخزية للمؤتمر, وذلك بحشد مجاميع كبيرة من الجيش والأمن في كل دائرة , مع إستخدام التهديدات والتزوير ما أمكن وتوزيع الأموال الهائلة للوجاهات القبلية والإجتماعية لشراء الأصوات من جهة ومن جهة أخرى لإثارة المواطنيين بدعوا العرف القبلي.

 قبل موعد يوم الإقتراع كانت قد ظهرت بعض الأسماء الحاصلة على تزكية السيد/ الحوثي . ومن أهم تلك الشخصيات والتي صعدت إلى النواب على أكتاف السيد/الحوثي هم السيد/ يحى بدرالدين الحوثي والأستاذ/ عبدالكريم جدبان والأستاذ/ عبدالسلام هشول وجميعهم ما كان لهم أن يفوزوا لولا تزكية السيد/حسين بدرالدين الحوثي وربما لا زالوا يدركون ذلك والذي كان بتوسل منهم . هؤلاء الثلاثة بالطبع فازوا بأغلبية ساحقة على منافسي الحزب الحاكم والذين كانوا من أكابر مشائخ المحافظة ذوو التحالف الوثيق مع النظام القبلي , أما ما يخص الآخرين فقد كادوا أن يفوزوا كذلك لولا ما شاب عمليات الإقتراع والفرز من مغالطات وتزوير وبالأخص أن النظام إفتعل الكثير من المخاوف وأصر على أن تكون عملية الفرزلبعض الدوائرفي مبنى المحافظة . السيد من جهته كان يدرك الأمور وعواقبها وهذا ما حمل المرشحين بقبول الإجراءات الغير قانونية التي رافقت العملية الإنتخابية.

هذه الخطوة هي الأخرى عززت كثيراً من قلق الرئيس وحلفائه والتي حملتهم على ضرورة مواجهة السيد/ الحوثي بإستخدام اللغة التي يظن النظام أنه المتفوق فيها على خصمة والتي ربما تكون حكراً عليه وهي القوة العسكرية , أما المضي بالطرق السلمية والقانونية فلا يمكن أن يجنوا إلا الخسارة المتكررة . الخطاب الديني أو السياسي لا يمكن لأحد مجارات السيد بما يمتلكه من بلاغة وحجج قوية وفهم عميق لكل ذلك ,بالمقابل فإن حلفاء النظام ومن يراهنون عليهم من علماء الدين يفتقرون إلى أبسط القواعد في ذلك وتجاربهم الكثيرة والفاشلة كانت محل التأكيد على عدم تمكنهم ولو من الحد من شعبية السيد/ الحوثي , لذلك كانوا يرجحون التخوين والإتهام الذي يقود إلى المواجهة العسكرية كأقرب الطرق للفتك بالسيد وتصفيته مع بعض المؤثرين بجواره , والتلويح بإستخدام تلك القوة لمعاقبة أنصاره ما لم يلوذوا بالمشائخ والإحتماء بولائهم.

إن العبارات التي حملها النافذون للرئيس بعد هذه الإنتخابات , بأن على المؤتمر وحلفائه مغادرة صعده في الإنتخابات القادمة لأنهم لن يكون لنفوذهم وطئت قدم إذا ما ترك المجال مفتوح للسيد/ حسين بدرالدين الحوثي مهما إستخدم النظام من أساليب لم يكد يكتب لها النجاح في هذه الإنتخابات . بل إن عملية الزج بأنصاره في السجون تحملهم على إصرار أكبر في المضي بهذا المنوال.

من ناحية أخرى كانت الضغوط الأمريكية على الرئيس في الحد من توسع النشاط الثقافي والفكري للسيد/ الحوثي وأنصاره تزداد رغم أن الزج بالكثير منهم داخل السجون ومنع رفع الشعار في الجوامع كانت خطوة لإرضاء السفير الأمريكي , إلا أن تهديد شعبية المؤتمر حملت الرئيس للإصرار على إستخدام القوة العسكرية ضده رغم عدم قانونيتها والتي سنشرحها لاحقاً . لقد ذكر السيد في إحدى محاضراته أن من أراد أن يتكلم في ما هو مفيد للأمة سيتهم بالإمامة , وفي ذلك إدراكه بالنوايا المبيتة له ولأي حر وشريف في المجتمع ومستقل عن أهداف الحاكم.

   في منتصف العام 2004م وما قبله كانت صعده وأهلها وفي مقدمتهم الحوثيون هم مضرب الأمثال في السلم والسلام والأمن والإيمان وإحتمال الأذى وتجرع الأسى ما دام يحتمل , غير أنه وفي فجوة من الزمن لم يصحوا الجميع في يوم 18/6/2004م إلا على أخبار عدوان في أقصى الشمال الغربي للمحافظة وبالتحديد في جبل مران البلدة التي يعيش بها السيد حسين بدرالدين الحوثي , فكانت محل إستغراب الجميع كونها لم يسبقها أي مبررات لذلك وما زاد من حدة الإستغراب عندما عادوا المواطنيين إلى أجهزة التلفاز ليلاً لعلهم يجدون مسوغاً لذلك فإذا بالبيان المشترك لوزارتي الداخلية والدفاع وهي تعزي السبب إلى أن المدعو/ حسين بدرالدين الحوثي إدعى النبوئة والإمامة ’’ وهذا ما زاد من تعجبهم لما لهم من معرفة تامة بالمتهم ولايمكن تقبلها  . وهنا سنتوقف لتكون محل موضوع الحلقة القادمة والتي سنفند كل تلك الإدعاءات ومدى موضوعيتها حتى نسهم في الكشف عن خبايا الأسباب الحقيقية للحروب في صعده ونتائجها السياسية والإجتماعية وتداعياتها العربية والإقليمية والدولية والله من وراء القصد.

نقلا عن – الحدث اليمنية ـ أحمد عبد الله آل أحسن  

زر الذهاب إلى الأعلى