أرشيف

اليمن الجديد .. فقر وظمأ وجوع وشعب بين مجنون أو مصاب بالحالات النفسية..!!

“ليس الفقـر عيبا” هكذا يقول الرجال بينما عنـد النساء لا يعيب الرجل إلا جيبه، وإذا دخل الفقـر من الباب هـرب الحـب من النافذة بل ربما لا يقف الأمر عنــد هـذا الحد.. وإلى جانب ذلك فقد أكدت دراسات طبيبة أن الفقر قد يصيب الإنسان بالعاهات النفسية .. فهل ذلك حقيقي فعلا؟ أم أن المرض النفسي لا يفرق بين فقير وغني ؟  هذا ما ستجدونه طي هذا التحقيق .

تحقيق / آمنة هندي

وأخيراً عرفنا  المرض النفسي

البداية كانت مع ( يوسف ) 43سنة حيث قال: في بداية حياتي عنــدما كانت ظروفي جيدة  لم أكن أعاني من أي مشاكل بل كنت لا أعترف بوجـود شيء أسمه المرض النفسي وكنت أظن أن العلاج في العيادات النفسـية مجرد ضحك على الذقون وكل من يقول لي أنه مريض نفسيا أحاول إفهامه أنه مسحور لكن بعــد أن سـاء الحال، وشعرت بالعـوز والحـاجـة وبـدأت أعجـــز عن تحقيق كثير من المتطلبات الحيـاتية لـي ولأســـرتـي أصبت بالقلق والاكتئاب فـي البـداية حـاولت أن أتماسك وأن أجـد حلا لكن دون فائـدة وعنـدما لم أحتمـل ذهبت للعيادة النفسـية بعـد أن حـاولت زوجتي معـي لكونها لم تعـد قـادرة على تحمــل حالتي وحقيقة لم أعـرف معنى العذاب إلا عنــدما مررت بهذه التجـربة وللعلم فالمرض النفسي متعب ومؤلم وهـو أصعب بكثير من المرض الجسـدي ومن ينـكر أن الحالة النفسـية واستقـرارها مرتبط بالوضع الاقتصادي عليه أن يقـارن بين حالته حين يأخـذ مرتبه وحالته عنــد منتصف الشهر حيث يبدأ التوتر والقلق والاكتئاب.

ما فيش يمني صاحي

أما (صالح محمد ) فقال : بدون مقدمات معـروف أن الفقر يجلب المرض النفسي والشيخوخة المبكرة والموت البطيء وأعتقد أنه لا يوجد أحد في اليمن ألا وهو مريض نفسيا لأن الفقر تقريبا دخل كل بيت وأصاب كل شخص , وإذا  كانت هناك إحصائيات عن المرضى النفسين في اليمن فهـذه الإحصائيات لا تتعلق إلا بمن زار العيادات والمستشفيات النفسية فقط والعـدد الحقيقي هو عـدد الفقــراء  فأنا شخصيا أعتبر نفســي مريضاً نفسيا لكنني لم أذهب إلى عيادة أو مستشفي للعلاج لكوني متأكد أن بلع الحـبوب لن يقدم لي شيئاً طالما السبب موجود وهذا هو الجواب لمن يسأل لماذا لا يشفى المرضي؟ أعـرف أشخاصاً كثر تعالجون منذ عشرة سنوات وبعضهم أكثر لكن وضعهم النفسي كما هو أن لم نقل إزداد سوءً ومعـروف عن المرض النفسـي أنه لا يزول إلا بزوال العوامل المسببة له .

الإنشغال بتوفير لقمة العيش

الشاعرة (منى الحجري) قالت: إذا نظـرنا للأسر الفقيرة في مجتمعنا فسنلاحظ بأنها تعاني من التفكك الأسري وضعف الروابـط الاجتماعية .. الأب منشغل بتوفير لقمـة العيش ولا يعطي الأبنـاء ما يستحقـون من الحـب والحنان مما يجعــلهم يشعرون بأنهم غير محبوبين وغير مرغوب بهم , ومن هنا يبدأ خيط  المرض النفسي فهو عبارة عن تراكمـات إذ أنه ليس صـدمة واحــدة أو شـعور مؤقـت أو معاناة سـاعة..  والأب الذي يعاني من مرض نفسي يخلق لأبنائه الكثير مـن العقـــد وهناك كثير من الأمـراض النفسـية والعصبية تنتقـل بالـوراثة وبسبب الفقـــر وغلاء سـعر الدواء كثيرا ما يترك ألمرضى بدون عـلاج الأمـر الذي يجعـــل وضعهم  يتفاقم والأب إذا كانت هــذه حالته حتما سيمارس العنف ضـد أبنائه وزوجته وبالتالي أســرة بهذه التركيبة هي بالتأكيد بيئة غير صحية وباختصار هناك عـلاقة وثيـقة  بين الحرمان العاطفـي والمادي والانحــراف بصوره المختلفة فالفقــــر مشكلة تجر وراءها طابوراً من المشكلات الخطيرة ليس أقلها مثل المرض النفسي والانتحار .

تعودنا على المرض

وقالت ( أم مازن ) 29سنة : زوجـي لا يعترف أنه مريض نفسي بينما هـو بالفعل ومنذ سنوات يعاني مـن حالة اكتئاب بسبب الوضـع الاقتصادي فمزاجـه دائـما سيئ وحياتنا باردة وجافة  فقـد أنتشر الشعر الأبيض في رأسـه وشاربه وأصبح يرى أكبر من عمـره بعقـد والمثير أن كثيرات ممن أعـرف أيضاً يؤكـدن لي أن أزواجـهن مرضى نفسـين فالمرض النفسـي أصبح منتشراً  وبشكل ملفت للنظـر بسبب الوضع الاقتصادي المنهار الذي حرم الناس من الاستمتاع بالحياة فالكل جالس يفكـــر والكل أصبح همه بطنه وبطن من يعول حتى الزيارات بين الأهـل والمعارف انتهت خصوصا في هــذه الأيام التي أصبحت الدبة الديزل بخمسة آلاف ريال، بصراحة نحـن نعيش في بيئة كل شـيء فيها يجعـلك عرضة للمرض النفسـي ولهـذا لم يعـد  الأمر  غريباً أو نادر الحدوث بل على العكس هو شيء طبيعي ومألوف عنـدنا.

  الرجال أكثر من النساء

(خالد عمر) قال : أصدقائـي معظمهم مرضى أخـي مثلاً مريض زوج أختي وزمـلاء لي في العمــــل وكذا جاري أينما ذهبت يوجد مريض نفسـي حتى إمام الجامع مريض نفسي واتحـدى أي شخص يقــول أنه لا يعــرف على الأقـل خمسة مرضى نفسـين وهـم متزوجون ويعملون ولديهم أبناء وتوكل إليهم  الكثير من المهام في العمـل وفيـهم مبدعـون وعباقــرة والمشكلة ليست فيـهم وإنمـا فـي البيـئة المهينة والجالبة للمرض وأعتقــد أن الرجـال أكثر من النساء عرضة  للمرض لأن الضغوط على الرجـال أكثر فتربية الولد من وجهة النظر اليمنية تنص على أن يعـامـل بقسوة, وبشكل عام مع وجود صعوبة في بناء المستقبل وتأخر الحصول على فرصة عمـــل من الطبيعي جـدا أن يصاب الشاب بالمرض النفسي لذلك معظم المرضي هم من الشباب.

الأغنياء أكثر عرضة

أما ( عفاف ) طالبة جامعية فقالت: الفقر وحده لا يمكن أن يكون سببا في الإصابة بالمرض النفسي لأن هناك أثرياء مصابون بكثير من الأمـراض النفسـية المعقـدة وحتى العقـلية فالإنـسان سواء كان فقيـر أم غنـي عرضة  للمرض ,  بل على العكـس تماما فمن وجـهة نظــري الشخصية أعتقــد أن الأغـنياء هم أكثر عـرضـة للإصـابة بالأمـراض النفسـية لإن من يمتـلك كل شـيء لا  يشعر في الغالب بقيمة الأشياء التي يمتلكها .

  مصنع لإنتاج  العقد

أما (فؤاد عبد الله) فقال:  تستهويني القراءة عبر الانترنت ودائما ما أقـرأ عن أسـباب المشاكل التي تدفع الشباب إلى (المخـدرات ,المثلية, العنف, الانحراف الأخلاقي , الانتحار) ودائما أجــد الفقــر من أهم الأسباب وكما قيل (العقـل السليم في الجسم السليم) فالفقير الذي لا يستـطيـع أن يتنـاول الطعـام الجيـد لابـد أن يتعرض للمرض وبلادنا بيئة خصبة لتوالد وتكاثر الأميين حيث أثبتت الإحصائيات أن نسبة الأمية ترتفع عنـد الفقراء فالأب يحرص على أن يعمــل أبناءه وبشكل غير مباشر يشجعهم على ترك المدرسـة من خـلال زرع الإحبـاط في نفـوسـهم فيبدأ بتلقينهم أن العلم لم يعــد جالبا للوظيفة وأن أخــرته الجلوس على رصيف البطالة (وصنعة فـي اليد خير من شهادة على الحائط) وهكـذا حتى يأتي قـرار ترك المدرسة من الطفــل نفسه، ثم تأتي بعــد ذلك المباركة سريعة من الأب ومن هنا تولد عمـالة الأطفــال التي قد تقود الطفل إلى الانحراف والجريمة بعد أن  يتعرض الطفـل  للكثير من المواقف السلبية التي تؤدي بدورها إلى حـدوث مشاكل وأزمات نفسـية غير معلنة ولهــذا فإن ما ينطبق على المعـدة ينطبق على الفقــر فإذا كانت المعــدة بيت الداء فإن الفقــر مصنع لإنتاج المشاكل والعقـد والأزمات النفسية.

الاستعداد النفسي

وقال ( ماجد ) 24سنة : الفقر على أي حال لا يمكن اعتباره عيبا ولا سببا مباشرا للمرض النفسي أو الانحـراف فكل شيء يعود لشخصية الإنسان وما يحمل من أفكار ومعتقدات وأعتقد أن الطريقة التي يفكر بها الشخص هي السبب في تعرضه للمرض النفسـي أو حتى العقلي ومن ناحية أخـري هناك فئة معينة من الناس يكون لديها الاستعـداد النفسي المسبق للمرض بغض النظر عن الفقر أو الغنى .

   رأي علم الاجتماع

 أكدت لنا الطبيبة والباحثة الاجتماعية /مني الكوكباني أخصائية بمستشفي دار السلام.. الشاب الفقير العاطـل أكثر عرضه للاضطـرابات النفسية فهـو في مرحـلة حماس وطاقات هائلة ولا يجــد  فرصة عمــل يستثـمر فيـها طاقـاته المتدفقة فيسعى تحـت تأثير الملل واليأس والحـزن إلى شـغل وقته بالنوم ساعـات طويلة  ممـا قـد يؤدي إلى إصابته بالاكتئاب والتوتـر والقلق والاضطـرابات النفسـية واليأس والإحبـاط وأمثـال هـؤلاء الشباب تكـون لديـهم الرغـبة في الانتقام من المجتمع ، حيث يعتقدون بأنه قصر في حقهم ومن هذا المنطلق تتوالد لديهم أفكار عدوانية ضده .

وبالنسبة للمرضي الذين نستقبلهم عندنا في الدار فإن نسبة كبيرة منهم  من أسر فقيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى