أرشيف

ثورة المؤسسات ( المجتمعية ) .. وداعا للمؤتمر

الانتخابات الرئاسية هل تكون آخر تحديات الإطاحة بصالح ؟

 

 

غني عن البيان القول بأن الثورة الشعبية (الشبابية) أطاحت بصالح ومشروعه في التوريث ، على الرغم من كونه يقبع في القصر الرئاسي كرئيس فخري لا يخجل من مزاولة اغرب وأتفه مهنة ارتضاها لنفسه على أمل أن تبقيه مشدودا لكرسي الحكم متصدرا نشرات الأخبار الرسمية المملة.

 

 

لن نجادل كثيرا في مسألة إذا كان صالح وعائلاته ما يزالون قادرين على حكم اليمن؛ فتلك قضية منتهية, ليس فقط من وجهة نظر الثوار « بل ومن جل اليمنيين.

 

 

فعائلة صالح أخذت تتحضر – بحسب مصادر صحفية – لمغادرة البلاد إلى الإمارات المتحدة حيث سيستقربها المقام عقب عودته من رحلته العلاجية في الولايات المتحدة، فيما صالح نفسه بات وحيدا كسيرا، شريدا طريدا، منبوذا من المجتمع الدولي، ومن كل اليمنيين وفي مقدمتهم قواعد وأعضاء حزبه المؤتمر الحاكم سابقا، بدليل ما تشهده مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية من انتفاضة شاملة في وجه رموز ومسئولي حزبه الفاسدين الذين استعان بهم صالح وعائلته لتوطيد دعائم حكمهم الأسري انتفاضة المؤسسات هي الموجه الثانية من الثورة الشعبية السلميه التي ستقتلع نظام صالح من جذوره وستفضي إلى نظام سياسي جديد، لكن بقايا النظام مع ذلك مابرحوا يحاولون وقف عجلة الثورة. بل واختراقها وحرف مسارها، وربما هم يؤملونالمستبد.بح جماحها وتقليل خسائرهم وحسب، بل وفي اختطافها من أيدي الثوار وأخذها بعيدا عن أهدافها من أيدي الثوار وأخذها بعيدا عن بعيدا عن أهدافهم كما سنرى لاحقا.

            

 ثورة المؤسسات وتداعياتها

 

الشعب اليمني ضاق ذرعا بصالح ونظامه الفاسد المستبد .. هذا باختصار ما يمكن قوله إزاء ما نشهده اليوم من ثوره عاصفة في مختلف مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وقد ساعدت عوامل عدة في نشوء ظاهرة ثورة المؤسسات هذه، ومن بينها ترقب اليمنيين قرب مغادرة صالح البلاد، وخروجه بشكل نهائي من المسرح السياسي، وانتهاء دوره وعائلته في حكم اليمن، علاوة على أن مثل هذا الأمر مثل أيضا مطلبا دوليا ملحا، وهو ما عزز الشعور لدى اليمنيين بأفول دولة علي صالح عفاش وعائلته.

 

 

كما أن تراجع قبضة بقايا النظام على السلطة وخفوت دور المؤتمر، وصعود دور المعارضة  والرئيس المفوض ، كل ذلك كان بمثابة عامل تحفيز إضافي لانطلاق ثورة المؤسسات، إضافة إلى الدور الفاعل الذي لعبته – بالطبع – الثورة الشعبية في كسر هيبة صالح ونظامه وتمريغها في الوحل ، ولا ننسى كذلك أن الشعور بالغبن والظلم كان احد أهم الدوافع لدى أولئك الثائرين في المؤسسات .

 

 

احد ابرز ثورة المؤسسات المدنية والعسكرية أنها مثلت انهيارا للبنية التحتية ( الشعبية ) للمؤتمر، بما يهدد بتقويضه واندثاره تاليا، ويمكن القول تبعا لذلك، أن المؤتمر شارف على خسارة أهم ركائزه الأساسية ومقومات وجوده كحزب حاكم، وكحزب سياسي حتى، ونحن نعلم أن المؤتمر لم يكن حزبا حاكما بقدر ما كان حزبا للحاكم، وقد اتكأ في نشأته وبقائه على 3 ركائز أساسية هي أولا: سلطة الرئيس صالح ونفوذه، ثانيا : موارد ألدوله التي أخذت مؤخرا بالانحسار والتسرب من تحت يده بشكل تدريجي، وأخيرا : القاعدة الجماهيرية المتمثلة بشكل أساس بموظفي الدولة ( من المفترض أن غالبيتهم مؤتمر) الذين دانوا له بالولاء جريا وراء مصالحهم بحكم تسلطه على مقدرات البلاد.

 

 

وهذه القاعدة الشعبية أن صح التعبير، لم تقت بالأساس على تقاليد حزبيه معروفة كما في أحزاب المعارضة، ولم يجمعها سوى رابط المصلحة، وبالتالي حينما اخذ المؤتمر يخسر مواقعه مع صعود حكومة الوفاق ، وخروج صالح نفسه بمجيء عبد ربه مسنودا بغطاء دولي، أيقنت قاعدته الشعبية ( الوظيفية ) بدنو اجله وقرب لحظة رحيله، ووجدتها فرصه سانحة للانخراط في الثورة الشعبية، واستعادة دورها في تلك المؤسسات، وإعادة ترتيب أوضاعها في ضل الوضع السياسي الجديد، بمعزل عن هيمنة قادة الحزب وتسلطهم وفسادهم الذي لم يستثني حتى أعضاء المؤتمر أنفسهم، نقول ذلك على اعتبار أن معظم منتسبي وموظفي مؤسسات الدولة المختلفة يفترض أن يكونوا أعضاء في المؤتمر أو من الموالين له على اقل تقدير، بحكم أن المؤتمر كان حريصا بالطبع على تقريب أعضائه وتسليمهم مقاليد إدارة البلاد بما في ذلك الوظيفة العامة، ومهما يكن، وسواء كان أغلبية المنتفضين في مؤسسات الدولة أعضاء في المؤتمر أو جزءا مهما من قاعدته الجماهيرية ؛ حيث أن من المفترض أن الجهاز الإداري للدولة هو العمود الفقري لقاعدة الحزب، وهو من يقود أنشطته وبرامجه الحزبية، وتأسيسا عليه، فالمؤتمر الشعبي العام سيخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة – بعد عامين – ربما بدون كادر وضيفي كما في السابق، أو بكادر ضعيف لن يمكنه من إحراز نتائج مشرفه، وإذا ما أخذنا في الاعتبار الانتخابات الرئاسية المقبلة في 21 فبراير القادم، التي ستطيح بصالح بشكل نهائي، وستأتي برئيس جديد لليمن فالأمر سيغدو أكثر صعوبة في أن يحرز المؤتمر أية نتائج مرضيه على صعيد الانتخابات النيابية، وربما تكون آخر انتخابات يخوضها ليودع من خلالها الحياة السياسية بالمرة، وبالتالي تغدو الانتخابات الرئاسية المقبلة كابوسا فظيعا ليس لصالح وحده، بل وللمؤتمر كذلك فهل ستسير الأمور باتجاه الانتخابات الرئاسية أم ستعترضها الكثيرون المشكلات والصعاب ؟.

 

 

في الطريق إلى الانتخابات الرئاسية

 

من حيث المبدأ، لن يتوقف تأثير ثورة المؤسسات المجتمعية على تحجيم دور المؤتمر وانحسار تأثيره في مؤسسات ألدوله وفي أوساط الحياة السياسية بصفه عامه، بل سيمتد تأثيرها إلى داخل أروقة المؤتمر على هيأة خلافات وانقسامات وربما صراعا ت قد تعجل بتشرذمه وتفككه، وكمؤشر على ذلك، تحدثت أنباء عن خلافات داخل المؤتمر مع النائب عبد ربه منصور حول قرارات الإقالة لمسئولي الحزب الذين يطالب العاملون بمؤسسات الدولة بإقالتهم، وهو ما أدى بالتالي إلى تزايد الخلافات بينه وبين صالح، حتى قيل بأن هذا الأخير ينوي إنشاء حزب سياسي جديد بدلا عن المؤتمر ليعاود العمل السياسي مجددا، وهو أمر من المرجح ألا تساعده عليه ظروفه الصحية، والأوضاع السياسية الجديدة التي ستفرز واقعا مختلفا بالكلية عما هو عليه الآن، أن صالح سينشغل حتما عن تأسيس الحزب الجديد بصد محاولات الثوار تقديمه للمحاكمة في الداخل أو الخارج، وهي محاولات لن تهدأ أبدا وإن قرار العيش خارج البلاد، أضف إلى ذلك، فصالح الذي جمع ثروته من حلها وحرامها طوال 3 عقود، وحرم الشعب منها مفضلا أن يعيش حياه البؤس والحرمان، لن يفرط بثروته تلك من احل حزب سياسي لا طائل منه.

 

 

من خلال المؤشرات المتاحة، يمكن التنبؤ بأن ثمة توجد لدى صالح وحزبه للعمل على تفويض الجهود المتعلقة بإجراء الانتخابات الرئاسية في 21 فبراير المقبل، وذلك كمخرج وحيد للأزمة التي يعيشها الاثنان، فصالح يريد الاحتفاظ أطول وقت ممكن بلقب الرئيس الفخري كونه يبقيه قريبا من السلطة، كما أن عدم إجراء الانتخابات في موعدها يؤخر وصول خصومه إلى الحكم، ويعيق في الوقت نفسه محاولات إي طرف تقديمه للمحاكمة، ويفتح الباب مجددا أمام احتمال نشوء اضطرابات جديدة، بما يفشل حكومة الوفاق، ويقدم قراءه مغلوطة للمجتمع الدولي بأن صالح كان عامل استقرار في البلاد، في حين يتخوف المؤتمر من مستقبل مجهول بعد رحيل صالح قد يفضي إلى انحلاله ، وهو ما يعني بالتالي خسارة مصالح متراكمة ظل الحزب يستفيد منها طيلة 3 عقود، وعلى هذا الأساس يبقى تعطيل العملية الإنتخابيه المقبلة أفضل الحلول بالنسبة لصالح وحزبه .. ومن تلك المؤشرات التي توحي بأن الأمور تتجه في هذا المسار، إعلان صالح بأنه يريد مغادرة البلاد ليتيح الفرصة لنجاح الانتخابات الرئاسية ! وقد وردت في سياق حديثه – في مؤتمره الصحفي الأخيرة – عبارة توحي بسوء النية ؛ حيث قال في معنى كلامه : أن الانتخابات إذا امتحقت (فشلت ) فسيقولون ن هو الرئيس ! وهي عبارة توحي بأنه يضمر شيئا، وكما قال احدهم : ما أسر احد سريره إلا أبداها الله في صفحات وجهه وفلتات لسانه، فقد فلتت على صالح تلك الكلمة (امتحقت).

 

 

ومن هذه الزاوية ربما يكون سفر صالح خطوه استباقيه لنتائج الإنتخابات الرئاسية وتداعياتها المتوقعة: فهو من جهة سيرقب الأمر من بعيد وسيترك مهمة إفشال الانتخابات لحزبه وبقايا العائلة وبعض مقربيه ؛ فإن نجحوا في إفشالها فيها ونعمت، وإن خابت مساعيهم فقد احتاط لنفسه، الإمارات من جانبها منحت صالح مكافأة نهاية الخدمة بموافقتها على منحه حق الإقامة في أراضيها (إمتنانا منها لحصولها منه على ميناء عدن على طبق من ذهب وبثمن بخس، لتعمل على تحطيمه فينتعش ميناء دبي ) وكان من المفترض أن تكون المكافأة من السعودية، لكن يبدو أن هذه الأخيرة شعرت بأنها قدمت لصالح أكثر مما يستحق عبر المبادرة الخليجية التي منحته حصانه وضمانات بعدم الملاحقة هو وأركان حكمه، وبالتالي سيعد استقباله مره أخرى على أراضيها استفزازا غير مقبول لمشاعر اليمنيين، وخاصة إذا تذكرنا أن السعودية كانت قد استقبلت من سابق أسرة بيت حميد الدين التي لفضتها ثورة 26 سبتمبر62م. فمن غير المعقول أن كل من طرده الشعب اليمني تستضيفه المملكة !

 

 

المؤشر الأخير على تبييت النية بإفشال الإنتخابات الرئاسية المقبلة هو ما ذكرته بعض المصادر من أن صالح شكل لجنه من ستة أشخاص لإدارة شؤون الحزب والبلاد خلال فترة سفره لتلقي العلاج في الولايات المتحدة، وان ” اللجنة السداسية ” ستكون مجلسا رئاسيا غير معلن (رئاسة ظل)، وهو ما يعد خرقا صريحا للمبادرة الخليجية والتسوية السياسية التي رعتها الأطراف الخارجية، فاللجنة السداسية ستقيد صلاحيات الرئيس المفوض، وستضع نفسها حاكما على اليمن بدلا منه، وربما تسعى لوضع العقبات أمام الإنتخابات حتى لا يستفرد النائب بالسلطة التشريعية .. وحتما ستعمل على معارضته في الإجراءات التي ترى أنها ستضر بمصالح المؤتمر.بالإضافة إلى ذلك  وردت أنباء تقول أن أعضاء في ألكتلة البرلمانية للمؤتمر أعلنوا رفضهم لقانوني الضمانات والتصالح، وقالوا بأن قانون المصالحة الذي تقدمت به أحزاب اللقاء المشترك يهدف إلى التستر على المجرمين الذين تورطوا في جريمة تفجير مسجد النهدين في دار الرئاسة، وهو ما يشير بالتالي إلى احتمال رفض كتلة المؤتمر في مجلس النواب منح صالح قانون الحصانة والضمانة بذريعة الكشف أولا على المتورطين في جريمة مسجد الرئاسة، وبهذا الشكل سيبقى الوضع على ما هو عليه، وتتعطل إجراءات العملية الإنتخابيه ، وربما تتأخر عن موعدها المحدد نتيجة للمستجدات الجديدة ، .. وفي هذه الحالة سيضل صالح رئيسا شرفيا للبلاد وستتعثر جهود نقل السلطة إلى نائبه وهو ما يسعى إليه، ويبقى التهديد بالانسحاب من المبادرة والتسوية السياسية – بذريعة خرق المعارضة لها بالتصعيد الشعبي – احد أسلحة المؤتمر المدخرة لإثارة العواصف في وجه حكومة الوفاق وترتيباتها للمضي في طريق الإنتخابات الرئاسية بيد أن الأخطر في ذلك كله هو ما تقوم به الأجهزة الأمنية من محاولات إثارة الفوضى والصراعات السياسية في أوساط شباب ساحات التغيير بصنعاء، متوسلة بذلك بحلفائها القدامى من الحوثيين الذين يضعون قدمهم مع الثورة والأخرى مع النظام، فالمصالح المشتركة والخوف من المصير نفسه يجمعهما في معاداة أحزاب المشترك، لإفشال المبادرة وحكومة الوفاق ، وهو ما سينسحب بالتالي على الإنتخابات الرئاسية ويؤدي إلى إفشالها. فالحوثيون – وحلفاؤهم في السلطة – يحاولون سرقة الثورة وتحويل مسارها بعيدا عن أهدافها المتمثلة في إزاحة صالح ونظامه من طريق اليمنيين لسبب بسيط، وهو أن أفول النظام سيؤذن بأفول الجماعات التي نمت  وترعرعت بين جنبيه مثل جماعة الحوثي والقاعدة وغيرها.

 

 

لذا فقد تجدد تحالف الشريكين لمواجهة العدو المشترك (أحزاب اللقاء المشترك) التي تسير بخطوات مدروسة لاجتثاث صالح وعائلته كشرط ضروري للبدء في معالجة المشكلات التي اختلقها للبلد شمالا وجنوبا، لكن وبرغم ذلك كله، فالمتوقع أن تمارس الدول الراعية للمبادرة ضغوطا قوية على صالح وحزبه ، للحيلولة دون تعثر التسوية وجهود نقل السلطة في اليمن.

 

 

وتدرك تلك الأطراف أنها تخوض صراعا غير معلن مع إيران التي تعارض المبادرة الخليجية كونها – من جهة نظرها – تكرس مصالح الرياض وواشنطن ، وتقلص دورها عبر استبعاد حلفائها الحوثيين، لذا لجأت إيران لمغازلة بعض قادة الحراك الانفصالي في الخارج  لضمان بقاء دورها وتأثيرها في المجال السياسي اليمني كخطوه احترازية لمواجهة احتمالات تراجع دور الحوثيين مستقبلا، لكن الحوثيين لا يريدون خسارة حليفهم الثري في طهران والذي ينفق بسخاء ، لذا فهم يستميتون لتعزيز مواقعهم وان تحالفهم مع أركان النظام ، الذي يلتقي معهم في العداء الشديد للمعارضة وللإصلاح على وجه الخصوص ، ومهما يكن فالحوثيون يلعبون في الوقت الضائع ، فالنظام بات معزولا دوليا وإقليميا ، في حين أن صالح اختار دول الإقليم للمضي ما بقى من حياته ، وهي الدول التي تكن العداء الشديد لإيران، ولن تقبل يستمر بقايا نظامه في دعم جماعة الحوثي، التي تهدد مصالحها من خلال تحالفها الوثيق مع إيران ، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تخلي صالح راغما عن فلول الحوثيه  حرصا على مستقبل أبنائه وأحفاده إذا كانوا قرروا بالفعل العيش في دولة الإمارات واستثمار أموالهم فيها وفي بقية دول الخليج ، وإذا كانوا يطمحون من هؤلاء أن يشملوهم برعايتهم وكرم ضيافتهم.

 

•·         عادل أمين                    عن صحيفة ” اليقين ” العدد 50 السبت 31 ديسمبر2011

زر الذهاب إلى الأعلى