أرشيف

المبادرة الخليجية والانتخابات الشكلية! د. محمد البنا

 رفض نظام صالح المبادرة الخليجية وتعديلاتها واعلنت احزاب المشترك وفاتها, معتقدين بان كل منهم يمتلك القوة العسكرية والقبلية والدينية التي تمكنهم من فرض شروطهم.

دخل الطرفان في عدة مواجهات عسكرية وامنية مسلحة لامتحان قدرات بعضهما في الحسم, مقدمين العديد من الضحايا الابرياء. بعد تلك التجارب المريرة توصل الطرفان الى قناعة بان الحسم العسكري والامني غير ممكن في الفترة الحالية.

 لذلك اتفق الطرفان على خوض معركة سياسية تحت عباءة المبادرة الخليجية واليتها في خرق فاضح للدستور واستبداله باتفاق سياسي غير ملزم للشعب الذي لم يستفتى فيه. في خضم المعركة التوافقية اثبت المؤتمر يدعمه رعاة المبادرة, قدرة كبيرة على المناورة لفرض شروطه ونجح فيها, في حين عجزت احزاب المشترك عن تحقيق أي تقدم في موقفها واضعة نفسها في زاوية ضيقة, مكتفية بالترويح عن نفسها بانها نجحت في تحقيق ابعاد صالح, مثبتة فشلها السياسي في التكتيك والمناورة وحسابات الربح والخسارة اوصلها الى تجييش كل امكاناتها السياسية والقبلية والدينية في مصلحة حليفها التوافقي.

 لقد دخلت احزاب المشترك في سلطة التوافق السياسي على اساس المناصفة بهدف استعادت ثقة حلفائها السابقين وفقا لحسابات قديمة على اساس حزبي وقبلي, تتجاهل عن عمد كل المتغيرات في الواقع اليمني وخصوصا شباب الثورة.

قبلت احزاب المشترك بنصف المقاعد الوزارية, متنازلة عن شرط الالية التنفيذية عن ضرورة خلو صفحة من يرشح للمنصب الوزاري من اية انتهاكات لحقوق الانسان. قبلت احزاب المشترك بان تقتصر المناصفة على المقاعد الوزارية فقط, تاركة لحليفها التوافقي الاحتفاظ بالمناصب التنفيذية في الوزارات والمحافظات.

 قبلت احزاب المشترك ان يبقي وزرائها بدون صلاحيات حقيقية في وزاراتهم. قبلت احزاب المشترك بخرق المبادرة الخليجية واليتها, في تاخير تشكيل اللجنة العسكرية, وعدم تشكيل لجان هامة مثل لجنة تفسير المبادرة ولجنة شرح بنود المبادرة لشباب الساحات.

مع اقتراب اليوم المحدد لانتخاب الرئيس التوافقي الوحيد, شعرت الاطراف السياسية بعزلتها الشعبية واستهتارها بحقوق الشعب, فكشفت عن طبيعة علاقتها الاستراتيجية, مستغلة العملية الانتخابية الشكلية لتحميل الشعب تبعات اجراءاتها غير الشرعية وحرف الثورة عن مسارها.

 اوعزت الاحزاب المتوافقة لعناصرها بالترويج للانتخابات وحشد اكبر مشاركة شعبية فيها حتى تستخدم تلك المشاركة كغطاء شرعي على انه استفتاء على المبادرة الخليجية ونتائجها.

 نجحت احزاب المشترك في اقناع عناصرها المسيطرة على لجان الساحات الشبابية بالتخلص من الشعارات المزعجة في رفض المبادرة والانتخابات. وحتى نكون منصفين سناخذ بعض مما قامت السلطة بالترويج له عن الانتخابات وتحليله لنرى ما اذا كان تفسيرنا صحيحا وعلى النحو التالي:

 لدى افتتاحه اعمال الندوة الفكرية التي تنظمها وزارة الثقافة تحت شعار”الانتخابات الرئاسية العبور الآمن الى مستقبل أفضل”، اعتبر رئيس الوزراء باسندوه (المشاركة في الانتخابات الرئاسية المبكرة تأكيد بما لا يدع مجالا للشك تاييد التغيير, مشيرا إلى ان الانتخابات الرئاسية المبكرة نصت عليها المبادة الخليجية واليتها التنفيذية المزمنة باعتبارها الوسيلة الامثل للانتقال السلمي والسلس للسلطة والمدخل الى تحقيق التغيير).

 لاحظوا هنا ان الانتخابات تاييد للتغيير الذي تمثله المبادرة الخليجية, أي تاييد للمبادرة واستفتاء شعبي لشرعيتها. أكد المحلل السياسي محمد الغابري في الندوة: (إن يوم 21 فبراير 2012م ليس مجرد انتخاب رئيس جديد للبلاد بل في الواقع هو آلية استفتاء لإنهاء نظام صالح. معتبرا أن الدعوات لمقاطعة الانتخابات إثبات ولاء لصالح).

 هنا الامر اكثر وضوحا بان الانتخابات الية استفتاء.

اعتبر الخبير القانوني وعضو مجلس النواب محمد الحاج الصالحي، إن مشاركة الشعب في الانتخابات بمثابة .. إظهار الوفاء للدول التي وقفت مع مطالب الشعب حتى تحققت.

وممارسة هذا الحق بشكل ملفت يؤكد ذلك الوفاء مع التأكيد على صحة وسلامة كل الإجراءات التي تمت او قيد التنفيذ أو المطلوب القيام بها. لقد قالها الخبير القانوني المشاركة الشعبية في الانتخابات تاكيد الوفاء أي قبول المبادرة (والتاكيد على صحة وسلامة كل الاجراءات التي تمت والتي قيد التنفيذ والتي ينتظر تنفيذها).

 وفي موضوع للنائب شوقي القاضي منشور على صفحته في الفيس بوك حول المشاركة في الانتخابات يقول في نهاية موضوعه: (أما إذا كنت قد وقعت في فخ أصحاب المشاريع الصغيرة والأحلام الرجعية, فاعلم إنك أنت من تخون دماء الشهداء، وتتنكر لأهداف ثورتنا العظيمة، ولن تغفر لنفسك يوماً تكتشف فيه أنك كنت ساذجاً يوم أن امتطى على ظهرك أعداء اليمن وخصوم الدولة المدنية الديمقراطية).

 هذا نموذج بسيط للتوجه الهستيري للحشد المحقق للهدف السياسي المتخفي بالانتخابات, وصل حد استنفار الهيئات الدينية والقبلية والاعلامية التابعة لاحزاب السلطة التوافقية لاستخدام الدين في ارهاب الشعب بالفتاوى السياسية والتخوين ومخالفة الشرع.

 ان المشاركة في الانتخابات او مقاطعتها شانا يتعلق بالقناعات الشخصية ومن ابسط المبادئ الديمقراطية, وتنحصر وسائل الاقناع بالبرامج والوعود وماشاكلها من دعاية وشراء للذمم وفتاوى الدين السياسي واستغلال حاجات الناس.

فاذا كان من قرر عدم المشاركة عن قناعة او خوف او عدم وجود مصلحة او لاي سبب كان خائنا وعميلا لاعداء الوطن, فكيف نتوقع ان يكون شكل الدولة المدنية الديمقراطية الموعودة دولة الحق والعدل والقانون, مع هذا الكم الهائل من الارهاب الفكري والديني والسياسي؟

زر الذهاب إلى الأعلى