فضاء حر

إلى أطراف الحوار الوطني القادم (4)

يمنات 

فليكن حل القضية الجنوبية ومشكل صعده وغيرها مدخلا لبناء دولتنا المدنية الموحدة والمتنوعة

الثورة الشبابية الشعبية السلمية مثلت منعطفا تاريخيا مهما في مراجعة قضايانا ومشاكلنا الوطنية المؤجلة لقرون هروبا من وضعها على المحك وحلها تاريخيا بما يظمن إستمرار الشراكة في الوطن وفي صنع مستقبله وإستغلال خيراته على اساس التكافؤ والعداله في توزيع الثروة ومزاولة الحكم. عدم الثقة وشراسة الصراع السياسي بين قوى المجتمع المدني الحديث والقوى التقليدية التي قاومت قيام الدولة المعاصرة وفرضت نموذج ما قبل الدولة قد أفضى إلى ضعف الشعور الوحدوي بل وتلاشيه تماما عند بعض القوى مما قد يؤدي إلى إنهيار الدولة الموحدة وقيام دويلات شطرية أو جهوية على أنقاض المشروع الوطني الوحدوي الذي حلم به كل اليمنيون في الماضي ولا يزالون يحلمون به اليوم.

 

ومن أجل إنقاذ الحلم الوطني من الإنهيار لا بد من تناول أهم المشاكل الساخنة في عموم الساحة بشفافية تامة وبقدرا عال من المصارحة والمكاشفة وعدم الإستقوى أو الإستغباء لأي من أطراف العملية السياسية مهما كان المشروع الذي يحمله والعمل على الوصول إلى صيغة وطنية شاملة تنقذ الوطن والشعب من التشرذم وتفتح افاق المستقبل في قيام الدولة المدنية الحديثة التي تشبع رغبات وتظمن مصالح الغالبية من أطراف العملية الساسية الوطنية وطبقات الشعب وفئاته الإجتماعية الممثلة فيها. ولعل الأهم من القضايا الوطنية الساخنة والتي تحتل أولوية في حوارنا الوطني القادم هي القضية الجنوبية ومشكل صعده ومطالب إقليم تهامة والإقليم الأوسط (كما بداء يطرح في الوقت الراهن).  ومن أجل الحفاظ على اليمن موحدا ومتنوعا يجب أن تراعى خصوصيات كل إقليم وجعل تلك الخصوصيات مصدر قوة وتوحد لا ضعف وتمزق وتسخيرها لخدمة الإنسان اليمني وعزته وعيشه الكريم لا لإذلاله وتكدير عيشه.

 

4.الإقليم الأوسط:

           الإقليم الأوسط هو المنطقة الجغرافية التي تتوسط اليمن جيوسياسيا ويتمثل بشكل أساسي بمحافظات تعز و إب و البيضاء وغرب محافظة ذمار. هذا الإقليم يمثل أكثر مناطق اليمن إزدحاما بالسكان وهوا إقليم زراعي بالدرجة الأولى وتضاريسه جبليه معتدلة الحراره و ماطرة تخترقها الكثير من الوديان التي تصب في البحرين الأحمر والعربي وفي جباله وشعابه توجد الكثير من الخامات المعدنية المختلفة الواعدة. يقع هذا الإقليم بين ما كان يسمى اليمن الجنوبي واليمن الشمالي ولذلك هويته مشتركه ولأبنائه إسهام كبير في إعمار اليمن شماله وجنوبه وفي المشاركة الفعالة في كل الثوراة القديم منها والجديد على مستوى الإقليم حيث لا توجد ساحة ثورية إلا وأبنائه (أبناء تعز بالذات) متواجدين فيها.

 

نسبة التعليم فية هي الأعلى في الإقليم كله وخاصة في محافظة تعز الذين أعطوا التعليم إهتمام خاص حتى أنهم بنوا أول مدرسة ثانوية في الريف  في بداية السبعينات من القرن الماضي على حسابهم الخاص (في الأعبوس) في الوقت الذي  لا توجد فيه ولا مدرسه ثانويه في عواصم بعض المحافظات الشماليه كصعدة والجوف وعمران وحجه آنها, حيث كان  زعماء القبائل في هذه المناطق يستلمون مئات الملايين شهريا من الدولة ومن الخارج  لكنهم يمنعون التعليم على مواطنيهم خوفا من تمردهم عليهم وعلى نمط الحياه القبلي المتعصب الملئ بالثأرات والحروب اللا منتهية. و نتيجة للتأهيل وحب الكسب المشروع تجد أبناءالإقليم الأوسط يخدمون في كل مناطق اليمن من صعدة إلى المهرة.

 

قدم هذا الإقليم قوافل من الشهداء في ثورتي سبتمبر وإكتوبروما تلاهما من مراحل ا لصراع بين النظامين في الشمال والجنوب ,وظل لفترة طويله ولا يزال ساحة للصراع بين القوى الرافضة للدولة  الحديثة والقوى المنادية بها . كل أطراف الصراع رأة في هذا الإقليم ميدان لمعركتهم المصيرية ودفعوا بكل قواهم إليه مما سبب لمواطنيه الكثير من المعاناة التي لا نرجوا أن تتكرر في اليمن الجديد- بمن  ثورة ال 11 من فبراير 2011م.

 

سكان الإقليم متشابهون إلى حد بعيد بعاداتهم وتقاليدهم ولهاجاتهم ونمط حياتهم الفلاحي بدرجة أولى والذي يتميز بالإستقرار وحب العمل والأرض ورفض للفوضى في الحياة العامة المتمثلة بالثأرات والحروب القبلية وقطع الطرقات وإبتزاز الدولة التي يمارسها سكان المناطق الأكثر ولاء للقبيلة وعاداتها التي تشكل مظهرا من مظاهر اللا دولة أو ما قبل الدولة. وهذا لا يعني بأن الإقليم خال من الظواهر القبلية والإجتماعية المتخلفة (للقبيله جوانب إيجابية كثيره لم يتم الأخذ بها بصورة متعمدة من قبل أصحاب المصالح  الغير مشروعة التي تكفلها الفوضى والفوضى الشاملة فقط) بل مورست سياسة متعمده لإعادتة إلى مرحلة ما قبل الدولة, لكنها لم تلقى تجاوبا تاما من غالبية السكان الذين أعتادوا على الإستقرار وإحترام شكل الدولة  أي كان نوعه, حتى أن السكان كانوا يتبادلون مقولة " لا تدوس على الدولة ولو كانت رماد".

 

في العصور القديمة أحتضن الإقليم الكثير من الحضارات والتي كان من أهمها الحضارة الحميرية وعاصمتها ظفار في  منطقة يريم, ويحوي الكثير من معالم تلك الحضارات التي تشكل متاحف طبيعية يمكن الإستفادة منها علميا وماديا وسياحيا كما هوا الحال في جبال العود ويريم وجبن والتعكر وحب وصبر ومذيخره وشخب  والمقاطرة وغيرها,وشكل الإقليم منطقة جذب لكل الحكام الإصلاحيين في العصور الحديته الذين ارادوا للدولة المناخ الإجتماعي والإقتصادي والسياسي المناسب من أجل تأدية وضائفها الأمنية والتنموية بشكل أنجع بعيدا عن الإبتزاز  المادي والإقلاق الأمني. العديد من تلك الدول الإصلاحية والتي أهتمت بالتنمية الإقتصادية والبشرية و كان لها بصمات واضحة في تطوير البنية التحتية و الزراعة والتجارة وتشجيع التعليم وتوفير الخدمات العامة للمواطنين ,وكانت هي الدول التي مدة نفوذها إلى معظم مناطق اليمن الكبرى بشكل لا مركزي أتخذة من تعز(الرسوليون) وجبلة ( الصليحيون) ورداع  (الطاهريون)عواصما لها.

 

للأقليم إسهام كبير لا يقارن في مجال التجارة وتراكم رأس المال الزراعي والصناعي والتجاري ,ولذلك يعتبر أكثر الأقاليم دفعا للضرائب والزكاة وفي تحويلات المهاجرين في  اليمن كله. هذا الإقليم متنوع في سكانه لأنه على مدى قرون شكل إقليم جذب للسكان الوافدين من المناطق الشحيحة الإنتاج والشبه جافة مناخيا وتعاني من حالة الفوضى الدائمة والذين وجدوا فيه أفضل مكان آمن للإثراء والإستقرار الدائم ,حتى أن بعض السلطات التي تشجع نظام القبيلة ونظام الفيد أستخدمة الإقليم وموارده وشؤون إدارته والتعيينات الوظيفية فيه كرشوة لمن يقلقها بمطالبه الماديه أو لمن تريد أن تكسب ولائه السياسي والإجتماعي. هذا التصرف ولد شعورا المهانة والغبن لدى السكان الأمر الذي يدفعهم دائما للبحث عن الدولة الحديثة العادلة والتعطش لإدارة شؤونهم ذاتيا عن طريق الحكم اللا مركزي.  سكان هذا الإقليم مسالمون ومنتجون للكثير من الخيرات المادية و أكثر ولأء للدولة, بل وباحثون جادون عنها عند غيابها لسبب أو لآخر, ولذلك تجد أبناء هذا الإقليم دائما مع أي تغيير يقود إلى قيام الدولة الحديثة التي ترعى شؤون المواطن وتوفر له المناخ الآمن للحياة والعمل والتعليم والإستثمار.

 

نتيجة لظلم السلطات المركزية المتعاقبه في صنعاء وفرض الأتاوات على الإقليم وإذلال سكانه المطالبين ببعض الحقوق المدنية والعدل والشراكة في الحكم ,أتجه الكثير من أبنائه إلى الهجره إلى عدن أثناء الإحتلال الإنجليزي وإلى بقية اقطار الخليج العربي وشرق أفريقيا وإلى عدد من دول العالم المتحضر ما ساعدهم في التعلم والتجاره . ولذلك شكلوا النوات الأولى لفئة المثقفين والتجار في الشمال سابقا.

 

مناخيا يعتبر الإقليم أجمل مناطق شبه الجزيرة العربية مما يؤهله لأن يكون منطقة سياحية من الدرجة الأولى توفر فرص العمل والخير لسكانه وإدخال العملات الصعبة للبلاد التي تساعد في إنعاش الإقتصاد الوطني وتؤمن الرفاهية للوافدين إليه.

 

خلاصة القول: هذا الإقليم غني بموارده البشرية والطبيعية ويتوسط اليمن جغرافيا ويشكل منطقة جذب للسكان من أقاليم أخرى للعمل والإستثمار والعيش فيه, وفيه أمتزج اليمنيون من الشمال والجنوب ومن الشرق والغرب ومن كل الطوائف والمشارب ولذلك سيظل حلقة وصل بين كل أقاليم اليمن وسيظل يمد بقية المناطق بما تحتاج إليه من خبرات بشرية وخيرات مادية وسيكون نموذجا يحتذى به في بقية الأقاليم عندما يدار من قبل أبنائه ذات الكفائه والتواضع والقابلية للتغيير,وسيشكل مصدر جذب للسياح من بقية المناطق ومن دول العالم كافة, وسيكون مصدر قوي للإيرادات المختلفة لصالح  الإدارة المحلية ومركز الدولة الإتحادية معا, وسيساهم بفعالية أكبر في تنشيط الحياة الإقتصادية في عموم اليمن. وستكون أكبر مدنه (مدينة تعز) مركزا إقتصاديا وثقافيا فريدا من نوعه في شبه الجزيرة بفضل همة أبنائها وكفائتهم المهنية وسلوكهم المدني لتشكل مصدر فخر وإعتزاز لكل يمني  .

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى