فضاء حر

رحم الله سبتمبر وأكتوبر ومايو و……!

قامت ثورة الـ26 من سبتمبر لتقضي على النظام الامامي الذي كنا ننعته بالكهنوتي والظلامي والفردي والمتسلط والطبقي والفئوي..إلخ وقلنا "رحل اليأس وجاء الأمل".

انتصرت ثورة الـ14 من اكتوبر ضد المستعمر الإنجليزي الباغي الذي دنس أرضنا ومزقها وغير هويتها وأصبحنا موحدين واحرار وعاد الحق لأهله ولم يتبقى إلا توحيد الوطن كاملا وقلنا " يا ويل الظالم والمستعمر".

وجاء الـ22 من مايو ووحدنا نظامي سبتمبر واكتوبر والأرض والإنسان وحشدنا الطاقات والخبرات والثروات وأتينا بالتعددية السياسية والديمقراطية والمواطنة المتساوية والتوزيع العادل للسلطة والثروة كما تخيلنا وقلنا "لا رحم الله التمزق والتسلط واللادولة".

لم نكن نعطي القوى التقليدية التقدير الذي تستحقه من حيث تأثيرها في المجتمع ومقاومتها لمشروع الدولة منذ نهاية أربعينيات القرن الماضي. هي نفسها التي أفتت بأن دستور 1948م" قرآن بديل" وبأن الجمهورية "أنثى" والوحدة "إلحاد" والدولة المدنية التي تنادي بها الثورة الشبابية السلمية "علمانية وكفر".

بعد مرور خمسون عاما على قيام ثورة الـ26 من سبتمبر وجدنا انفسنا في مرحلة ما قبلها, كان الإمام قد فرض سلطة الدولة على كل المناطق اليمنية وبعده لا توجد إلا دولة الجباية وسلطتها من "يريم ومنزل" وبدل من إمام واحد أصبح لدينا أكثر من شيخ ومتسلط ولكل واحد منهم من القصور والحسابات البنكية في الداخل والخارج والسلطة المطلقة أكثر بكثير مما كان لدى الإمام وحاشيته.

وبدل ما كان الإمام يعتز بسيادة اليمن وسلامة اراضيه إذ بالحكام من بعده باعوا الأرض والكرامة بحفنة من الدولارات والريالات ويفاخرون بالرواتب والميزانيات التي يستلمونها من الخارج وكأنها ميزة لهم لا عيبا عليهم.

كان الإمام يورث العرش لكن من اتى بعده ورث المناصب في الجيش وفي السلطة المدنية وورث الارض والثروة دون وجه حق واراد توريث العرش لولا ثورة الشباب السلمية منعت ذلك.

كانت هناك استثناءات تبعث على الأمل عند قيام الثورة وفي سنوات حكم الشهيد الحمدي رحمه الله القصيرة التي لم تستطع إنقاذ الثورة وأهدافها لأن "المتربصون" كانوا أكثر حذرا وإقداما.

وهكذا أصبح سبتمبر فريسة لهم أي "القوى التقليدية" ألتهموه بشراسة ووحشية ولم يبقى لنا إلا أن نترحم عليه كل ما حلت علينا ذكراه.

وفي الذكرى الـ49 لثورة الـ14 من اكتوبر التي تميزت بتحرير الجنوب اليمني من الاستعمار البريطاني وأهدت للعرب نصرا في انتزاع الاستقلال في الـ 30 من نوفمبر 67م ردا على النكسة العربية في يونيو 67م وضياع ارض سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس الشريف وغزة, وحققت أول وحدة وطنية بتوحيدها لأكثر من عشرين سلطنة وإمارة ومشيخة في دولة واحده وأصبح الحكم بيد الفئات الشعبية الواسعة, إلا انها عانت من الأمراض المناطقية والقبلية والشمولية حكم الحزب الواحد وضعف التنمية والأخطاء الاقتصادية التي مورست عند الإفراط في التأميم, مما أضعف انجازاتها في المجالات المختلفة وهوا الأمر الذي قاد إلى البحث عن مخرج من هذه الحالة غير المرضية ولو بالتوحد مع القوى التقليدية على أمل تنويرها وجرها إلى العصر الراهن ومتطلباته.

واقع الحال أثبت بأن القوى التقليدية هيا التي فرضت مشروعها – مشروع اللادولة والفيد والفساد – مما ولد ردة فعل سلبية في الجنوب بعضها فقدت الثقة بالهوية اليمنية والبعض الآخر بالوحدة وبدأة السلطنات والمشيخات تنبعث من جديد وكأنك يا "بو زيد ما غزيت" وهنا دفنا اكتوبر وما تبقى منه ووجدنا أنفسنا نترحم عليه.

أما 22 مليو فحدث ولا حرج, ابتهجنا وهللنا وكبرنا للوحدة "حلمنا السرمدي" وقلنا هنا لقد انجزنا دستورا عصريا واتفقنا أن نأخذ من النظامين الشطريين أفضل ما عندهما وترك المساوئ, والتسامح سيحكم سلوكنا الوحدوي وسنبني دولة مدنية قوية تأخذ بالأفضل وتحشد الطاقات وترشد الإنفاق وتنشر العدالة الاجتماعية وتكون نبراسا لكل شعوب المنطقة وتعبيرا عن انتصار ثورتي سبتمبر واكتوبر الت هي تخليدا للشهداء وخدمة للأحياء الفقراء منهم والأغنياء, وإذ بالقوى التقليدية تحشد قواها وتدمر مشروع الوحدة والدولة وتشن حربا شعواء في 1994م أكلت الأخضر واليابس وقتلت الوحدة في النفوس عبر استباحتها للجنوب ارضا وإنسان كما أستباحت الشمال من قبل وفرضت علينا حكم العصابات البربري اللاإنساني وغابت فيه الدولة نهائيا وتبخر حلم الجماهير بالثورة والوحدة وأصبحنا نترحم على أيام زمان.

أنبعث الأمل لدينا من جديد مع قيام الحراك الثوري السلمي والثورة الشبابية الشعبية السلمية وخروج الملايين إلى الشوارع بصدور عارية على خلاف الثورات السابقة التي قامت بها النخب.

هذه الثورة جاءت  من القاعد الشعبية وهي التي يجب أن تحميها وتحافظ على مسارها من الانحراف. إلا أن ركوب الثورة من قبل تلك القوى التقليدية وامتداداتها وهيمنتها على قيادتها مع عدم رغبتها في قيام الدولة المدنية الموحدة اللامركزية يجعلنا في قلق شديد حول مصير ثورة فبراير 2011م, هل حاق بها نفس المصير؟ أم أن هناك بارقة أمل لإنقاذها قبل فوات الأوان؟ الإجابة لدى شباب وجماهير الساحات السلمية المعنيين أكثر من غيرهم بمستقبلهم ومستقبل الأجيال من بعدهم كونهم أصحاب براءة الاختراع في هذه الثورة.

زر الذهاب إلى الأعلى