فضاء حر

مشاريع جديدة للتصالح الوطني

أثبتت الثورات التي رسمت ملامح الورود والياسمين في الوطن العربي كحُلم قادم عن هشاشة الأنظمة التي كانت قائمة والتي سقطت سقوط مدوي بالرغم من عدم امتلاك الجماهير الغاضبة أي أيدلوجيات ومشاريع وطنية لإحداث التغيير .

ورغم التضحيات التي قدمها الشباب في كل قُطر عربي لنسف العقليات التي استوطنت على أوطانها تحت المبررات التي تمثل الجهات والأشخاص الذين عبثوا بحلم هذه الأمة وهذه الأوطان إلا أن هذه التضحيات لم تكن لديها أي رؤية مستقبلية للتغيير بل أن الوضع كان شبة ضبابي . ومن هذا المنحى تغيرت أيدلوجية التساقط السريع للأنظمة ومؤسسات الدولة بشكل خطير وعشوائي إلى سقوط شكلي وظلت بطانة هذه الأنظمة تضرب مفهوم هذه الثورات واجتياحها من الداخل وبكل قوة .

ومن الإشكاليات الخطيرة التي ما برحت تفتِك بالشعوب هي الصدام الجماهيري مع الطبقة الفكرية والمثقفة تحت مبررات ضيقة وعنصرية ومذهبية بحجة قول الحقيقة في وجه الأنظمة والثورات فأنقلب السحر على الساحر وتحول التغيير إلى عملية فرز حقيقي للنخب الفكرية والدينية مدعومة من أنظمة الاستخبارات الغربية لإضعاف الحركة الجماهيرية وتفكيكها بشكل منظم وإجهاض هذه الثورات من الداخل وتحويلها إلى حالة صراع دائم بين الأنظمة القديمة والجديدة وتفتيت الأنظمة التي لم تستطع الترسانات الغربية تفكيكها بقوة السلاح .

وللأسف فإن الحملات الإعلامية التي يتعرض لها بعض المثقفين العرب كـ محمد حسنين هيكل بسبب مواقفه من ثورة اليمن ومصر والكتاب والشاعر والمفكر السوري أدو نيس واتهامه بأنه معادي للثورة السورية ومعادي للطريقة التي يُزهق الدم السوري في طرقات وحارات الشام ونهر بردى الذي صدحت مع جريانة صوت فيروز إلى نهر تتدفق منه جماجم السوريين دون أي مبرر فمشروع القتل كما يقول أدو نيس لا يمكن أن يُبنى عليه أي مشروع فكري واقتصادي وسياسي بغض النظر عن التبريرات التي يمكن طرحها في هذا الصدد .

فهذا العلوي أدو نيس كما تسميه بعض القوى السورية والذي تم محاربته من قبل النظام سابقا وخروجه بلدة سوريا بسبب مواقفه الوطنية هو اليوم تُشن عليه الحُروب النفسية والأكاذيب الباطلة والملفقة من بعض القوى الثورية السورية بسبب مواقفه المشرفة والتي من أبرزها هي عملية الاندماج الجماهيري في إحداث التغيير وتذويب الخلافات الوطنية وتحويل الساحة إلى مفهوم وطني للجميع دون اتخاذ للتجمع الجماهيري والخروج منه للمظاهرات والاحتجاجات مع إيجاد مشروع وطني للتغيير .

هذا بالإضافة إلى الكُتاب والمفكرين اليمنيين والعرب والذي يتعرضون كل يوم للضرب والقتل والحرب الإعلامية بسبب مواقفهم الجريئة من شكلية التغيير الحاصلة والتي تصب في صالح الأحزاب والجماعات المتطرفة والتي كانت في الغالب في تحالفات الأنظمة القديمة .

وهذه تُعد مشاريع إنتقاصية للشعوب في إحداث التغيير واختزال هذه الحركة الجماهيرية في الجماعات والأحزاب المشهود لها بعدم الكفاءة والفساد .

فإن لم يكن هنالك مشاريع للتصالح الوطني في هذه البلدان التي قامت فيها الثورات وتصالح مع الحركة النخبوية والمثقفة والجماهيرية وإعادة اعتبار لدورها في صمام أمان هذه الشعوب فإننا على موعد خطير من الانزلاقات السياسية والنكسات والصراعات المتواصلة .

ومن الضرورة اليوم كمتطلب تحويل المفهوم الجماهيري المطالب بالتغيير إلى مفهوم فكري حقيقي تسير عليه الشعوب لبناء آليات وطنية مستقبلية في جميع مناحي الحياة دون انتقاص .

زر الذهاب إلى الأعلى