أخبار وتقارير

الحوثي يقض مضاجع أكبر قاعدة إصلاحية في اليمن

 كانت مغادرة مسلحي الحوثيين مدينة ريدة الأسبوع الفائت على بعد (45) كم من العصمة صنعاء سريعة جدا، اتت بعد ان قضوا مضاجع أكبر قاعدة تنظيمية يمتلكها خصمهم حزب الإصلاح في اليمن، ومع ذلك لم يمنعهم ضيق الوقت من بعث أكثر من رسائل لأطراف الصراع على الحكم في صنعاء.

جاءت أحداث المعارك المسلحة بين الحوثيين وعناصر قبلية موالية للإصلاح "الإخوان المسلمين في اليمن" كما نقلت بعض وسائل الإعلام, على خلفية منع عناصر إصلاحية لأنصار الحوثي من تنظيم مسيرة غاضبة احتجاجاً على الإساءة التي تعرض لها الرسول "صلى الله عليه وسلم" بحجة أنها مسلحة.

عصام الذيفاني

وتقول المصادر الإعلامية إن الاحتدام بين موقفي أنصار الطرفين والذي أدى إلى مقتل خطيب جامع عويدين بالمدينة لم يكن سوى مقدمة بشرت بلهب المواجهات المسلحة التي استعرت لمدة ثلاثة ايام وحصدت 16 قتيلاً من الجانبين ولم توقفها سوى وساطة قبلية ليست لها علاقة بأجهزة الدولة العليا أو أي تحركات موازية في الجانب الرسمي الأدنى.

 

مقدمات العاصفة

ملابسات تلك الأحداث لم تكن وليدة اللحظة كما يسوق لها البعض وإنما كانت نتيجة محتومة لتصاعد التوتر بين الجانبين منذ ان نجح الحوثي في الايقاع بقبيلة عذر الحاشدية من شباك نفوذ ابناء الأحمر حلفاء الاصلاح والقائد المنشق علي محسن الأيام الماضية إلى تحت نفوذه, بالإضافة إلى تحركات حوثية مستمرة في المناطق المجاورة لها.

وجاء تعيين القيادي الاخواني والموالي لأبناء الاحمر محمد حسن دماج محافظا لعمران ومحافظين إصلاحيين لمحافظتي الجوف ومأرب، إضافة إلى حجة حيث يخوض الجانبان صراعات دامية في منطقة والتي تأتي بمثابة صب الزيت على النار, اذ شعر الحوثيون أنهم المستهدفون من تلك القرارات الجمهورية التي دعمت نفوذ الاصلاح لمواجهتهم. فتسليم السلطات المحلية في تلك المحافظات للإصلاح لم تثر حفيظة الحوثيين فقط، بل أشعلت مخاوف كادت تتوقد على نار هادئة لدى القوى الاجتماعية المنتمية للمؤتمر الشعبي،  تحسباً أن تستغل لتقويض مصالحها السياسية ومكانتها القبلية لصالح خصومهم في الإصلاح وحلفائه أبناء الأحمر وعلي محسن، الذين يسعون لإعادة سيطرتهم على قبائل حاشد وأخرى في حجة. ويدلل اختيار مجاميع قبلية رمزية من مديريات خارف "حاشد" وعيال سريح "بكيل" وقيادات قبلية تدين بالولاء للحوثي الاحتشاد قبل يوم واحد فقط من المواجهة وفي منطقة مجاورة لريدة احتجاجاً على تعيين دماج محافظاً لعمران وموقف الأجهزة الحكومية الصامت- ان الصراع بين شركاء ما يسمى بالثورة الشبابية سابقا يحظي بمزيد من التشجيع الرسمي والشعبي.

ويتضح ذلك من خلال مشاهد جولات الحروب المنتشرة في شمال البلد وبالذات تلك التي جرت بين مسلحي أنصار الإصلاح والحوثيين في قبيلة عذر أهم الأربعة الفروع القبلية لحاشد المكونة من العصيمات وبني صريم وخارف.

 

واللافت ان تمثيل نائب رئيس البرلمان "حمير الأحمر" لدائرة عذر لم يشفع لها لدى صانع القرار السياسي في صنعاء، وأوضح عجزه عن تحريك السكون المميت لأركان الدولة لمواجهة تلك الأحداث المتراكمة وما تمثله من خطورة على النسيج الاجتماعي وتهديد محتمل قد يؤدي إلى تفويض الاستقرار السياسي لمنظومة الحكم في البلاد برمتها.

فاذا كان استيلاء الحوثيين على عذر يمثل ضربة موجعة لأبناء الاحمر وقد تقذف بهم على الهامش بعيداً عن مربع الفعل السياسي وادواته مستقبلاً فإن ما جرى في ريدة ينذر بكارثة يمكن ان تودي بالجميع الى مزلق الهاوية.

فمن المؤكد ان الحوثيين سيستخدمون مديرية قفلة نقطة متقدمة لمد نفوذهم الى مناطق حاشد الأخرى, يدفعهم إلى العصيمات بصورة أكثر القضاء على الثقل القبلي لـ"آل الأحمر" الحلفاء التقليديين للنظام السعودي العدو اللدود للتحركات السياسية للمذهب الزيدي الشيعي المرتبط بالمشروع الايراني في شمال اليمن.

 

تسهيلات وذاكرة

وتتفاقم الاوضاع سوءاً عند أن يتذكر الحوثيون الأدوار البارزة لمقاتلي العصيمات في الحروب الست التي خاضتها الدولة ضدهم بقيادة المنشق اللواء علي محسن الأحمر الذي أصبح استمراره كلاعب سياسي وعسكري ينذر بسقوطها الوشيك خارج نطاق سيطرة الدولة.

فمدير مديرية قفلة عذر الشيخ" مصلح الوروري" يقول إن سقوط المديرية بأيدي الحوثيين نتيجة طبيعية، يقول: إن سقوط المديرية بأيدي الحوثيين نتيجة طبيعية لاحتجاز اللواء "علي محسن الأحمر" لمرتبات الكثير من المقاتلين القبليين المنتمين لعذر وغيرها من مناطق حاشد التي حاربت الحوثيين الى جانب طيلة الحروب الستة الماضية في صعدة.

 

ورغم أنه – أي اللواء محسن – مكلف رسمياً من الحكومة ومدعوم سعودياً إلى جانب ابناء الأحمر بمجابهة التوسع الحوثي المتسارع, إلا أن هناك مؤشرات عن تورطه المباشر في تسهيل مهمة الحوثيين في مد نفوذهم بالمناطق القبلية شمال صنعاء.

ويدلل على ذلك بالإشارة إلى موقف اللواء 125 مشاه التابع لقيادته والمتمثل في عدم التدخل لإيقاف جولات الحروب التي وقعت بين مسلحي الإصلاح والحوثيين بالقرب من مواقفة العسكرية في عذر الفترة الماضية.

يؤكد "الوروري" ان سبب قطع "محسن" لمرتباتهم المتعمدة من الدولة منذ ما يقارب سنة ونصف نتيجة رفضهم الانضمام إلى ما يسمى بالثورة الشبابية ووقفهم الى جانب ما اسماها بالشرعية الدستورية, إذ انه يعتبر ذلك عقاباً لأبناء عذر وحاشد الذين تولوا حماية وزارة الكهرباء والمؤسسة اثناء اشتعال في الحصبة.

فالأسباب التي سهلت تمدد الحوثيين مازالت نفسها إن لم تكن قد ازدادت تشابكا وتعقيداً بعد أحداث ريدة التي كانت في الماضي ملتقى لإنتاج وصناعة الأحداث القبلية المؤثرة.

 

  الاختبار الأصعب

لا تستمد المدينة مكانتها في الحروب على السلطة قديماً وحديثاً من مكونها النقطة الفاصلة بين نفوذ أكبر قبائل اليمن المسيسة حاشد وبكيل فقط أو ما تزخر به من صولات وجولات في سلم الأحداث المتجددة بالمخزون الفكري الزيدي حول الصراع على الحكم الديني المتجذر منذ ما يقارب 1200 سنة, بل لأنها أصبحت مؤخراً محصورة بين أشد القواعد الدينية تصلباً في الصراع على السطلة. حيث تحتضن قواعد الإصلاح التنظيمية عالية الكثافة والمنتشرة في قبائل عيال سريح وجبل عيال يزيد وارحب ومدينة عمران وعلى مرمى حجر من صناع الفعل السياسي بالعاصمة صنعاء، وهو ما يضع الحوثيين هذه المرة في اختيار صعب جداً خاصة اذا صدقت ما نمت به الأحداث من معلومات تفيد إنهم تلقوا صرعة قوية وأن غالبية القتلى والجرحى كانت في صفوفهم.

ومع ذلك من الخطأ مشاركة بعض عناصر الإصلاح الاعتقاد بأنهم حققوا نصراً محرزاً على خصومهم الحوثيين، فمدينة ريدة ليست ضمن نطاق نفوذهم او قريبة من مراكز سيطرتهم في صعدة ومديريتي سفيان وعذر بعمران، بل أنها منطقة إصلاحية بامتياز إن لم تكن بمثابة الخاصرة لقواعدها السياسية.

فالصلح القبلي الذي اقفل الستار على المشهد الختامي لأحداث ريدة مبتور لم يضع حداً نهائياً لعود المواجهة المسلحة بين الطرفين على الاقل في المستقبل المنظور يتفق أيضاً مع الاستراتيجية العسكرية التوسعية في اسقاط المناطق القبلية بعد تقسيمها الى مربعات صغيرة وعزلها عن محيطها الجغرافي والقبلي حتى يسهل قضمها واحدة تلو الأخرى.

فالعادة التي درجت عليها ادبياتهم القتالية عند مد نفوذهم الى مناطق جديدة تكمن في ان البداية تستهل بغزوة محدودة وبصورة مفاجئة على نحو مشابه لما حدث في ريده ولذلك فان مغادرة مسلحي الحوثيين الوشيكة لها، لم تكن مستبعدة في قاموسهم العسكري.

فالخطة الأولية لها لم تكن مستبعدة في قاموسهم العسكري, فالخطة الأولية تقضي بمباغتة الخصوم المحتملين بهدف جس النبض وعلى ضوئها يتم الاعداد لخطة حربية جس النبض، وعلى ضوئها يتم الاعداد لخطةٍ حربية مستقبلية اكثر نجاعة يسبق تنفيذها واقعياً عمليات تسوية مكوكية لاستقطاب ولاءات محتملة وتحييد أخرى وإثارة النعرات المسلحة بين أكثر من خصم تؤدي في النهاية على اضعافهم جميعاً وتحويلهم إلى لقمة سائغة لن يعجز الحوثي عن مضغها.

 

أهداف ورسائل

خروج مسلحي الحوثي من ريدة بعد تواجدهم فيها لمدة يومين لا يعني أنهم لن يعودوا إليها لخوض الحرب مجدداً فالإصلاح ومناصروه مازالوا مشغولين  بمهاجمة شركائهم السياسيين في المؤتمر وبعض أحزاب اللقاء المشترك غير مكترثين بالمخاطر التي تحدق بالبلد ومازال لعابهم يسيل على المناصب السيادية في اروقة الدولة.

يهدف الحوثي من خلال احداث ريدة على الاحتكاك العسكري المباشر مع ابرز القواعد القبلية التابعة للإصلاح التي وقد تمثل تحديا كبيراً يمنعه من الوصول الى صنعاء وجس نبضها لمعرفة مراكز قوتها ونقاط ضعفها، فضلاً عن منعها من التدخل مستقبلا حينما يتفرغ لإسقاط بقية قبائل حاشد واحد تلو الأخرى.

ويرجع ان هناك أهدافاً ورسائل عدة كان يريد تحقيقها من خلال الزج بالمئات من مقاتليه في شوارع ريدة وافتعال المناوشات المسلحة مع خصومه الإصلاحيين في ذلك التوقيت وتلك الظروف لعل ابرزها اشعار صانع القرار أن هناك ردة فعل قوية ستواجه بها القرارات الجمهورية التي مكنت الإصلاح من السيطرة على قيادة السلطة المحلية في عمران وغيرها من مناطق التماس بين الجانبين، بالإضافة إلى سعيه لتأكيد أن منطقة ريدة باتت هي النقطة الفاصلة بين نفوذه والحد النهائي لمساحة سيطرة الدولة شمالا وأنها لم تعد تلك الاسود الوقع بين العصيمات وسفيان.

كما أنه يشعر بها اطراف الصراع في الساحة أنه يزداد قوة من يوم الى آخر فلا سبيل أمامها لتهميشه سياسياً او مواجهته عسكرياً وحتى القرارات الرئاسية التي وضعته في مواجهة مع الإصلاح لن تغير شيئاً في أراض الواقع.

ويسعى من الوقوف وراء غزوة ريدة على تأكيد فرض سيادته على المناطق الشمالية لمحافظة عمران إلى جانب صعدة وأخرى في حجة والجوف وما على بقية الأطراف سوى الاعتراف به والتعامل معه أثناء مؤتمر الحوار ممثلاً رئيسا إن لم يكن وحيداً للمحافظات الشمالية وليس صعدة فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى