حوارات

أرملة الشهيد عيسى محمد سيف: إعدام الشهيد عيسى، كارثة لي وللوطن، وسوف يحاكم قاتله

 المستقلة خاص ليمنات

علي عبد الله صالح الرئيس الرابع لليمن تولى الرئاسة في 17 يوليو 1978م، واستمرت فترة حكمه ثلاثة أشهر فقط، حيث وضعت حركة انقلابية ليلة 15 أكتوبر من نفس العام حداً لفترة حكمه القصيرة.. كانت الأجيال المتعاقبة لأبناء اليمن ستظل تتداول المعلومة السابقة وتنقلها جيلاً بعد جيل، غير أن الحظ العاثر الذي واجهته الحركة جعل فترة حكم صالح تمتد من ثلاثة أشهر إلى ثلاثة وثلاثين عاماً..عيسى محمد سيف .. قائد أول انقلاب على الرئيس صالح

< أقرب الناس إلى الرجل (أي رجل) وأعرفهم بحياته، هي شريكة العمر ورفيقة الدرب نصفه الآخر وأم الأولاد.. لكن.. ماذا لو اقتصر عمر الشراكة إلى ثلاث سنوات لا أكثر.. ثلاث سنوات ألقت بظلالها على عمرٍ كامل وحياة وافية؟!!

< تلك هي خلاصة قصة حياة “منيرة عبده محمد راشد” أرملة القيادي الراحل- افتراضاً- عيسى محمد سيف، والتي حرمت منه بعد ثلاث سنوات من الزواج فقط، وما زالت بعد مرور 34 عاماً على الفراق والوداع الأخير لا تعلم ما إذا كان حياً أم ميتاً وفي أي بقعة توارى..

منيرة تفتخر بأنها زوجة الراحل عيسى وقد رفضت الزواج من بعده وحين تقدم مغترب بالسعودية يطلب الزواج منها ضغط عليها والدها كي توافق لكنها رفضت بشدة وقالت لأبيها: مو أطرح فوق الدجر!

بتنهيدة طافحة بالوجع والقهر استهلت منيرة أرملة الشهيد عيسى قائد حركة 15 أكتوبر 1978 حديثها مع المستقلة بقولها :

“لم أتوقع يوماً أنني سأخسر زوجي الذي احببته كثيراً”..  “إعدام الشهيد عيسى، كارثة لي وللوطن، وسوف يحاكم قاتله إن لم يكن في الدنيا فسيحاكم أمام الله في الآخرة”.. تلك هي قناعة الفتاة التي اغتالوا حبها البريء في المهد، وقناعة المرأة الأرملة التي مازالت تجهل مصير زوجها بعد 34 عاماً من الحكم عليه بالإعدام “لا أدري ماذا حصل لهم بالضبط، يعلم الله أين ذهب علي عبدالله صالح بهم، لا نعلم هل هم أحياء أم أموات.. هل سنظل نبحث عنه بقية حياتنا يكفينا عذاب ومعاناة دامت 34 عاماً.. نريد أن نعرف الحقيقة”.. فقاطعت تنهداتها وحسراتها بقولي لها: يا خالة كل الشعب اليمني يريد أن يعرف الحقيقة وجئنا إليك ونحن على أعتاب الذكرى الـــ35 لذلك اليوم المشؤوم الذي غيبت فيه سلطة صالح خيرة رجال ورموز الدولة المدنية الحديثة ونرجو منك أن تجيبي على أسئلتنا لعلك تستطيعين أن تروي ظمأنا وظمأ كل محبي عيسى الذين يريدون أن يعرفوا أسرار العظمة في حياة قائدهم الملهم…

لقاء/ حمدي ردمان

علي عبد الله صالح عرض علينا منزل  و200 ألف  فرفضتها واستلمها المشائخ

شقيقه اختفى من الوجود ووالدته ماتت حزناً وگمداً

 اغتيال وطن

القوى الظلامية النافذة تضررت منافعها الخاصة من الانتعاش الذي حدث في البلاد بين (1974- 1977) وساءها ما يحدث من تطور ووجدت أن دولة المؤسسات التي تفرض نفسها خطر على مصالحها الضيقة، فقررت وضع حدٍ لإزدهارٍ غير مسبوق وتنمية شاملة وتحديث ورخاء غير متوقع لكل أبناء اليمن، قامت باغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، ومعه اغتالت حلم شعب ومشروع وطنٍ مزدهر..

تولى رئاسة الدولة أحمد الغشمي لعدة أشهر كانت خلالها القوى التقليدية والقبلية، وقوى الظلام والنفوذ تعيد ترتيب أوضاعها، تنتشر في مؤسسات الدولة انتشار النار في الهشيم في سعي حثيث لإجهاض مشروع الدولة المؤسسية الحديثة مفاجئاً تمثل باغتيال الرئيس الغشمي عقد عقد الأمور وأحدث ارتباكاً واضحاً، غير أنه لم يلغ مشروع حركة رفاق الحمدي وخصوصاً المنتمين للتنظيم الناصري..

الناصريون هم القوة التي كان يستند إليها الحمدي أختاروا شاباً مفعماً بالنشاط والحيوية والشجاعة والحنكة السياسية لرئاسة التنظيم، وكان هذا الشاب هو “عيسى محمد سيف”، أحد ابرز الاعضاء والقيادات الناشطة في صفوف التنظيم فأخذ الشاب على عاتقه مسئولية إدارة مهمة انقاذ مشروع الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي..

المهمة المستحيلة

أخذ عيسى محمد سيف على عاتقه المهمة شبه المستحيلة، تسارعت وتيرة الأحداث بعد تولي علي عبدالله صالح مقاليد السلطة، وقبل أن ينتهي الشهر الثالث من حكم علي عبدالله صالح كان على رفاق الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي، قيادات حركة 15 أكتوبر اتخاذ القرار الصعب.. وفي الليلة المحددة بدأ التحرك، وكان عيسى محمد سيف يدير مجريات الأحداث من غرفة عمليات.. حيث بدأ أعضاء الحركة مدنيين وعسكريين عملهم.. تمت السيطرة على مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة، وغرفة العمليات العسكرية والاتصالات المدنية والعسكرية ومطار صنعاء الدولي والإذاعة والتلفزيون ومداخل العاصمة منذ منتصف الليل حتى الصباح كان علي عبدالله صالح في زيارة للحديدة، لكن كان له قادة ونافذون موالون.. استجمعوا قواهم ورتبوا أنفسهم وبدءوا مواجهة الحركة وبدأت الاشتباكات وإطلاق النار.. كان قائد الحركة يرغب في انقلاب أبيض، وبدون إسالة أي قطرة دم، ومع بداية الاشتباكات أعطى أوامره الحاسمة بإلغاء العملية.. لأن حياة المواطن ودمه أغلى وأهم.. وفشلت الحركة نتيجة خطأ تكتيكي أتخذه الرائد نصار الجرباني رئيس المجلس العسكري للحركة حيث أعطى أوامره للمجلس العسكري بالتحرك دون تنسيق كامل ومسبق مع  القيادات الأخرى..

بعد ساعات من إلغاء المهمة رفض عيسى محمد سيف جميع محاولات رفاقه لإقناعه بالهروب وفضل البقاء ومواجهة الأمر الواقع، فر بعض قيادات الحركة بأنفسهم أما هو فقد تم إلقاء القبض عليه مع 21 شخصاً من قيادات الحركة 10 عسكريين، 11 مدنياً كان هو أحدهم وأيضاً الشهيد عبدالسلام مقبل، وسالم السقاف وغيرهم، حيث تمت محاكمتهم علنياً وأذيعت جلسات المحكمة في الإذاعة والتلفزيون وهو أمر غير مسبوق في اليمن ولم يحدث بعد ذلك.. وتم صدور  الأحكام المستعجلة بالإعدام 26في  أكتوبر على عيسى ورفاقه ليسدل الستار على حركة 15 أكتوبر 1978م، ومعها حلم استعادة دولة الشهيد الحمدي.

عيسى محمد سيف.. سطور حياة

سيرة قصيرة الزمن صاخبة بالأحداث.. تلك خلاصة قصة حياة عيسى محمد سيف، منذ ميلاده في قرية الاشروح عزلة قدس في محافظة تعز عام 1943حتى مزاعم اعدامه في 5 نوفمبر 1978م على خلفية قيادته لحركة 15 أكتوبر 78..

تعلم أبجدية اللغة في كتاتيب القرية، درس الابتدائية والإعدادية في عدن، وكان أثناء دراسته يجوب شوارعها وأزقتها بائعاً للماء البارد والصحف في شوارعها الملتهبة ثم عمل في تحصيل تذاكر الحافلات لتوفير مصاريف الدراسة ولأن الوطنية تجري في دمه فقد كان في كثير من الأحيان يقذف بمصدر رزقه ويترك حصص الدراسة ليلتحق بمقدمة المظاهرات الثورية التي تطالب برحيل الاستعمار البريطاني وبعد 26سبتمبر 62م انتقل إلى تعز ودرس المرحلة الثانوية في مدرسة الثورة وهناك تفتح وعيه النضالي، ودعى إلى قيام إتحاد طلابي بتعز وتم إنتخابه رئيساً للإتحاد فذاع صيته كرمز قيادي للتيار الناصري في قطاع الطلاب ورمزاً وطنياً للتيار الثوري الوحدوي وذلك قبل أن يحصل على الشهادة الثانوية وبعد تخرجه من الثانوية  سافر إلى القاهرة للدراسة الجامعية وحصل على بكلوريوس اقتصاد وعلوم سياسية كان أثناء دراسته الجامعية ناشطاً سياسياً في إطار التنظيم الناصري، بعد عودته من القاهرة تم تعيينه موظفاً في الدائرة الاقتصادية لمجلس الوزراء وفي 1 مايو 1977م اختير أميناً عاماً للتنظيم الناصري وقاد حركة انقلابية بعد تولي علي عبدالله صالح الرئاسة بثلاثة أشهر وألقي القبض عليه يوم 15 أكتوبر وحكم عليه بالإعدام في 26 أكتوبر 1978..


> أين كنتِ في يوم 15 أكتوبر 1978؟ وكيف عرفت بخبر إعتقال عيسى؟

 أنا كنت يوم اعتقال عيسى في القرية  وقد عرفت بخبر إعتقاله عندما داهمت القرية في وقت متأخر من الليل أربعة أطقم عسكرية يبحثون عن عيسى فعرفت أنهم سيعتقلونه وبعد ذلك سمعنا من الاذاعة أنه اعتقل في صنعاء وقد تلقيت الخبر بخوف ورعب كبير خوفاً على حياة عيسى وخوفاً على أطفاله.. فقد كان أصحابه يقولون (إن العسكر شيجوا يسلخوا الجهال سلخ).

> هل تم إعدامه في 26 أكتوبر أم في 6 فبراير وكيف تلقيت أنت وأسرته ذلك الخبر الحزين؟

تاريخ إعدامه ورفاقه لا أدري بالضبط هل يوم 26 أكتوبر أو 6 فبراير  وقيل لي أن الإذاعة سوف تنقل لنا أخبار عيسى  الساعة الثانية بعد الظهر وجلست منتظرة إلى الوقت المحدد وعرفت إعدامه ورفاقه من الاذاعة كان الخبر في اعدامه هو وعبد السلام مقبل وسالم السقاف وآخرين لم أعد أذكرهم لم أكن أتوقع أنني يوماً ما سوف أخسر  زوجي الذي أحببته كثيراً حزنت عليه جداً وحتى اليوم ما زلت حزينة عليه..  كان إعدام عيسى كارثة لي وللوطن ولكنني مؤمنة بقضاء الله وقدره وسوف يحاكم قاتله وإن لم يحاكم في الدنيا فسوف يحاكم أمام الله تعالى.

> ولماذا كنت في القرية ولم تكوني في صنعاء في تلك الفترة؟

قادة الحركة زادوا علينا (وتقصد أنهم خدعوهن).. قالوا لنا إنهم سوف يسافرون إلى القاهرة ونحن صدقناهم وسافرنا جميع عائلات قادة الحركة إلى قرانا قبل شهرين من اعتقالهم، لقد خافوا علينا ولم يخافوا على أنفسهم وظلينا ننتظر عودتهم وتفاجأنا بخبر الحركة.

> هل كنتِ تعلمين أن عيسى ورفاقه يخططون لحركة 15 أكتوبر؟

لم أكن أعلم بما يخططون له ابداً ولكن عيسى ورفاقه كانوا يجتمعون بشكل مستمر وبسرية تامة  ولست أنا فقط التي كنت لا أعلم بل جميع نساء شهداء الحركة لم يكن يعلمن بشيء عن حركتهم  ولم نعلم بها إلاّ بعد حدوثها.

> هل تعرض عيسى للإعتقال قبل قيامه بالحركة؟

كان  معه عسكري من الجنوب اسمه عبدالقوي ينقل لعيسى كل الأخبار وكان يحذره ويقول له يختفي إذا شعر بشيء ضده وفي مرة قال لي عيسى أن العسكر سيأخذونه الساعة 12 ليلاً وقال لا تخافي فقمت جمعت الأوراق وأخرجتها إلى عند جارنا المطاع والباقي حرقت بها والساعة 10 بالليل جاءوا العسكر واعتقلوه وفتشوا البيت وخبأت المسدس تحت حمدان بحضني وجلس عيسى في السجن أربعة أيام.

> هل كنت تتوقعين له مصيراً ما نتيجة نشاطه السياسي؟

بعد أن سافروا بنا إلى القرية جاء عيسى يزورنا قبل 20 يوماً من الحركة وأني كنت قد رأيت في منامي أنه روح عرطوط وكنت أجري بعده وضاع وعندما قلت له بما رأيت في منامي بكى وهي المرة الوحيدة التي رأيته يبكي فيها..

> من الشخص الذي كان على علاقة قوية مع عيسى وكان برفقته دائماً؟

الشهيد عبدالسلام مقبل والشهيد سالم السقاف  والشهيد محمد عبدالرب  والشهيد محمد سعيد طاهر وآخرون لم أعد اتذكرهم و الأستاذ عبدالله سلام الحكيمي الذي نجى من الموت وما زال يعيش لليوم  .

> وكيف كانت علاقته بالرئيس إبراهيم الحمدي؟ وهل كان يزوركم الرئيس إلى منزلكم؟

كانت علاقته جيدة  وقوية بالرئيس الحمدي.. أما بخصوص الزيارة لمنزلنا من قبل الرئيس الحمدي لم يزرنا ولم نقم نحن بزيارته وحتى الآن أنا لم أتعرف على أسرة الحمدي .

> أين كان مقر منزلكم في صنعاء وهل كان ملكاً أم إيجاراً؟

كنا نسكن بمنزل بالايجار  في باب البلقة ونحن إلى الآن لا نمتلك منزلاً وهذه الشقة التي أنت فيها إيجار.

> أعدم عيسى وأنتِ في القرية.. متى عدتي إلى صنعاء؟

 أعدم وأنا في القرية وجلست في القرية بعد إعدامه 20 سنة وبعد أن عاد حمدان من العراق وطلوع ابنتي مريم للدراسة هنا بصنعاء طلعت معهم واستأجرنا لنا شقة هنا بصنعاء و كان هذا بعد 2006م.

> هل قمتم بالمطالبة بتسليم جثمان الشهيد عيسى أو معرفة مكان قبره؟

أكيد طالبنا وقام حمدان بمطالبة علي عبد الله صالح ليعرف أين مكان قبر والده وكان الرد من  صالح بأن أباك مدفون في أطراف مقبرة خزيمة.

وعندما شاركت قبل أسبوع في المسيرة المطالبة بمحاكمة قتلة الحمدي والتي اتجهت إلى  مقبرة الشهداء لزيارة ضريح الرئيس الحمدي قلت لمن حولي هذا ضريح الرئيس الحمدي .. فأين قبر عيسى؟ لكنني سمعت  ناساً كانوا بحولي قالوا أن هذا القبر ليس قبر الرئيس الحمدي ..أصبحنا لا نعلم ماذا حصل بالضبط.. يعلم الله أين ذهب بهم على عبدالله صالح ومعاونوه وهل هم أحياء أم أموات وأين أضرحتهم ؟ نريد أن نعرف الحقيقة ؟ هذا السؤال موجه إلى علي عبد الله صالح  أولاً  المتهم الرئيسي أمامنا ثم لمعاونيه من نظامه ثانياً هم المعنيون بالرد علينا .. ويجب على  رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي ورئيس الوزراء  الوقوف بجدية والضغط على صالح ومعاونيه  أمام هذه القضية الإنسانية والكشف عن الحقيقة .

> ماذا تطلبِين من السلطة الجديدة بعد مرور 34 عاماً على إعدام الشهيد عيسى؟

أطالب الرئيس عبدربه منصور هادي أن ينهي معاناتنا لمعرفة أين جثمان عيسى وقبره وأملنا به كبير.. هل سنظل نبحث عنه بقية حياتنا؟ يكفينا عذاب ومعاناة لمدة 34عاماً.

> نعود إلى بداية حياة الشهيد عيسى.. ماذا تذكرين من طفولته وشبابه؟

عيسى كان أكبر مني بكثير وسكن في منزل أبي الذي هو خاله شقيق والدته ودرس الجامعة في مِصر وجلس هناك أكثر من 7 سنوات وكان عمر عيسى 35 سنة وأنا 15 سنة عندما تزوجنا.

> كيف تعرفتي على عيسى وكيف تمت عملية زواجك به؟ ومتى؟

أولاً : الشهيد عيسى محمد سيف هو قريبي وابن عمتي جوهرة محمد راشد وكما قلت لك كان يعيش في بيت والدي ووالدي هو من قام في تدريسه وبعث به إلى مصر للدراسة.


أما زواجي منه في البداية كان أبي يريد أن يزوجه بنتاً متعلمة تناسب عمله وثقافته لكنه رفض و أصر على أن يتزوج بي  وتزوجنا أيام الرئيس الحمدي في عام 1975م وبعد عام أنجبت حمدان وفي العام الثاني مريم..

 > هل تزوجتما عن قصة حب؟

كان يرسل لي بأشرطة ورسائل وهدايا عندما كان في القاهرة واستمررنا في حبنا لمدة ثلاث سنوات .. وكان عندما يرسل لي الرسائل أعطيها لأخي يقرأها لي وأحياناً كان يرسل لي بشروط مسجلة (تقصد كاست) يسجل عليه كلاماً لي والعتواني كان يفعل مثله مع واحدة اسمها صفية وقد تزوجها بعد ذلك..

> كيف قضيتِ السنوات التي تلت إعدام الشهيد عيسى؟

عشتها بحزن على عيسى ومازلت إلى الآن حزينة وأصبت بمرض السكر والضغط أما من ناحية المأكل والمشرب والمصاريف تحملها والدي رحمة الله عليه ولم يتركني وأولادي حمدان ومريم بحاجة أي أحد.

> هل كانت السلطة تصرف لكم مرتبه؟ وهل ما زالوا يصرفونه حتى الآن؟

 مرتب عيسى تم توقيفه بعد إعدامه لفترة طويلة جداً وبعد أن قمنا بالمتابعة و المعاملة لاسترجاع مرتبه اعتمدوا له مرتباً قدره  500 ريال  فقط  وبعدها بسنوات عاملنا واعتمدوا له مرتب (6 ألف ريال) والآن نستلم مرتبا (30 ألف ريال) بعد أن قام حمدان بالمتابعة قبل سنة أو أكثر من الآن .

> لماذا والدك لم يطالب بمرتب عيسى الذي أوقفوه عدة سنوات؟

والدي تألم كثيراً لإعدام  عيسى وكان يقول لا يريد منهم أي شيء أنا سوف أصرف عليكم .

> بحكم أنكم لم تستلموا جثمانه هل كان عندكم أمل أن عيسى لم يعدم؟

 كان عندنا أمل ولكن بعد مرور هذه السنوات الكثيرة  ضعف الأمل ..ما أريده الآن هو معرفه أين تم دفنه أو أين جثمانه ؟ كي يرتاح قلبي ويرتاح أولادي من السؤال عن والدهم .

> كيف كان يتعامل عيسى معك ومع أسرته ومع الناس عامة؟

تعامله مع أسرته كانت طيبة جداً حنوناً وصادقاً لا يقصر مع أحد من أفراد أسرته كانت أخلاقه عالية سواءً معي أو مع أسرته أو مع الناس فلم يجرحني يوماً ما.. كان زوجاً مثالياً.

كان يقف مع المساكين والمحتاجين حتى أن البيت  كانت تمتلئ بالطلاب ويقوم في توفير المأكل والمشرب ومصاريف الجيب  وكان اهتمامه بالطلاب كبيراً جداً  وكان عندما يحصل على مبلغ من المال يذهب يوزعه على الطلاب ليتمكنوا من شراء الكتب أو الملازم والأقلام . وكان يساعد الأرامل ويصرف عليهن . الشهيد عيسى  يختلف تماماً عن الناس في أخلاقه ومعاملته ومروءته وكرمه وكان فصيحاً وبليغاً في الخطاب .

> الكل يتذكر باعتزاز أن الشهيد عيسى محمد سيف كان شخصية شجاعة جداً وبحكم قربكِ منه.. هل لمست هذه الشجاعة ؟ وهل تذكرين موقف يدل على ذلك؟

الناس تقول إنه كان شجاعاً وما يثبت أنه شجاع  حركة 15 أكتوبر التي قادها، وعدم هروبه وتحمله المسؤولية حيث كانوا قد طلب موانه أن يعتذر فرفض ولم يوجه التهمة لأصحابه وعند محاكمته قال: أنا مسؤول عن كل شيء فهذه شجاعة نادرة ووفاء واخلاص لزملائه.

> كان آخر شخص في جوار عيسى ليلة اعتقاله هو عبد الله سلام الحكيمي فكيف نجا الحكيمي ووقع عيسى بأيادي السلطة؟

وقع عيسى في يد السلطة لأنه رفض أن يهرب وقال عيسى حينها أنه لن يضحي بأسر رفاقه ولا بأسر الناس  وهذا أيضاً دليل  على شجاعة عيسى.. أما الحكيمي فقد نجا من أيادي السلطة لهروبه من البيت ونزوله عبر حبال من الجهة الخلفية .

>  هل جاء يوم وعرض على عبد الله صالح شيئاً ما على حمدان؟ أو على أحد من أفراد أسرته؟

في عام 2006 م أيام الانتخابات الرئاسية نزل علي عبد الله صالح بموكب مكون من 15 سيارة إلى القرية.

وعرض لي بيتاً وأعطاني مبلغ “200 ألف ريال “ وقابلت عرضه بالرفض التام وقلت لرسوله لا أريد منه لا بيتاً ولا مالاً ورديت له المبلغ كاملاً  فترك المبلغ “ ومشى بموكبه .. فأخذه مشائخ البلاد المستقبلون له فهمً كصاحبهم أخذوا المبلغ لهم  أما أنا رفضت المبلغ من أصله.

> هل نزول صالح إليكم ومحاولة عرضه لكم بيتاً و 200 ألف هو شعور بالذنب؟

لا يستطيع أي إنسان أن يعرف ما في قلب أي شخص ولكن قد يكون شعر بالذنب في بعض اللحظات فقط.. وقد سمعت من  بعض الناس أن علي عبدالله صالح قال إنه ارتكب أكبر غلطة عندما قتل عيسى ورفاقه.

> هل يمكن أن تغفري لعلي عبد الله صالح بعد هذه السنوات الطويلة ؟

الله لا ستره أني أطالب بمحاكمته على جرائمه.

> علي محسن الأحمر قال في آخر مقابلة له مع صحيفة الجمهورية بأنه الرجل الأول في السلطة هل له علاقة في إعدام عيسى؟

قِيل لي أن علي محسن هو شريك لعلي عبد الله صالح وأيضاً محمد خميس كلهم متهمون في إعدام عيسى ورفاقه وأيضاً الاخفاء القسري لبعض الذين الآن يتم رسم  صورهم في جدار جسر مذبح .

> كيف كانت علاقة  الشهيد عيسى بالشهيد عبدالسلام مقبل؟ وعلاقتكم بأسرته؟

كانت علاقته جيدة  بالشهيد عبد السلام مقبل أما علاقتي بأسرة الشهيد عبدالسلام فهي علاقة جيدة ونتبادل الزيارات وآخر زيارة إلى أم زياد زوجة  الشهيد كانت قبل شهر من الآن .

> كيف كانت حياة الشهيد عيسى.. بمعنى هل كانت معيشته جيدة أو معه مال ويصرف على نفسه وعليكم دون معاناة؟

كانت حياته بسيطة جداً وكان يصرف علينا من مرتبه ولكنني لم أشعر بالمعاناة في حياته.. وفي مرة كان معه فلوس حق التنظيم فأخذت منه ألفين وسافرت القرية فسافر بعدي وأخذ الألفين وقال هذه حق التنظيم..

> ماذا ورث لكِ عيسى؟

لم يورث لي شيئاً غير حمدان ومريم ولم يورث لأولاده غير سمعته الطيبة بين الناس .

> كلمة أخيرة تودين أن تقوليها ؟

أطالب بمساءلة ومحاكمة علي عبد الله صالح ومعاونيه الذين قاموا بإعدام شهداء حركة 15 أكتوبر وعلى رأسهم الشهيد عيسى محمد سيف والشهيد عبد السلام مقبل وجميع رفاقهم الشهداء .. إضافة إلى مطالبتي بالكشف عن جثامينهم ومعرفة أماكن أضرحتهم.  

مأساة أم

كانت أم الشهيد عيسى محمد سيف أضعف من احتمال هول الفاجعة، عندما علمت باعتقال ولدها ومحاكمته، حملت شتات ضعفها وأخذت ابنتها شقيقة الشهيد وصعدت إلى صنعاء، كانت تظن أن عاطفة الأمومة يمكن لها أن تؤثر في نفوس الحكام وتدغدغ عواطف قلوبهم فيصدرون عفواً عليه.. لكن لم يتجاوب معها أحد، لم يرحم أمومتها أحد.. وحسب قول منيرة كانت صنعاء معصودة عصد، فأخذت ما تبقى من صبر وتحمل وعادت خائبة.. كان الحزن أكبر من قدرتها على مواجهته.. استسلمت للقهر، ورحلت.. ماتت حزناً وكمداً على مصير قرة عينها وفلذة كبدها ونبض قلبها الذي أودى به العسكر..

إختفاء شقيقه

عبدالله محمد سيف الشقيق الأصغر لعيسى، رحل معه إلى القاهرة درس فيها الثانوية وبعد عودة عيسى ظل عبدالله يدرس الطب في جامعة القاهرة، وعندما حدثت حركة 15 أكتوبر كان عبد الله في سنته الدراسية الأخيرة.. لكنه اختفى بعد الحركة بأيام، كان يتصف بالحنكة والذكاء والتفوق الدراسي.. خرج من سكنه مع زملائه ولم يعد حتى الآن..

وحسب قول منيرة زوجة عيسى أنه بعد اعدام عيسى جاء شخصان من القاهرة من زملائه وقاما بتسجيل صوتي لحمدان ومريم وتصويرهما وقالا أنهما سيعطوها لعمهما عبد الله ولا ندري هل وصلت أم لا فقد أختفى ولم نعلم مصيره وعبركم أطالب الحكومتين اليمنية والمصرية بالكشف عن مصير عبدالله ووضع حدٍ لمأساة أسرة عانت أكثر مما يحتمل..

من أقوال الشهيد:

إننا لا نحقد على أحد .. كما لا نستهدف من قرارنا أي أشخاص ولكننا من منطلق إيماننا بأن الوسائل والاساليب لا بد أن تتكافأ شرفاً مع الأهداف التي نؤمن بها، ونناضل في سبيل انتصارها، قد عقدنا العزم على إحداث التغيير الثوري لواقعنا الوطني وصولاً إلى تجسيد طموحات قوى شعبنا العامل على هدى أهداف ثورته المجيدة … مهما كلفنا ذلك من تضحيات جسام وليكن شعارنا (اللهم ارزقنا إحدى الحسنيين الشهادة أو النصر)..


قالوا عن عيسى:


> حسن العديني: عيسى وفي، إنسان، ذو عقل إستراتيجي، مبادر، حنون وعطوف، أفكاره تسيل كالنهر، شفاف وواضح قوي الحجة، شجاع، يفكر بعمق ويتخذ القرار بروية وهدوء ولديه الإستعداد لتحمل المسؤولية.

> في مقال بعنوان شهقة الفجر.. أين عيسى محمد سيف؟نشرته صحيفة «الجمهورية» للإستاذ عبدالرحمن بجاش قال: حين هممت برفع قدمي اليسرى للدخول إلى ردهة إدارة جامعة صنعاء القديمة سمعت صوته لأول وآخر مرة كيفك يا ابن الشيخ؟ تولاني الوجل، كان يجلس على المصطبة وأنا كنت لا أزال أتلمس خطاي، كان هو عيسى محمد سيف لم أره بعدها إلا في الشاشة يردد بشجاعة: أنا مسؤول عن كل شيء، نادر من يقولها لكنه قالها وذهب.. ويضيف بجاش في مقاله: أوحى لي سؤاله بالتواضع وبأنه إنسان عادي من ذلك النوع الذي تألفه سريعاً.. قلت احدث نفسي: هل هذا عيسى الذي كان صوته يهدر في شارع 26 سبتمبر يوم إن كان الشارع فضاء اليمن كله.

> كتب عبدالكريم الخيواني: القائد الشهيد عيسى محمد سيف الشاب الذي تحمل مسؤولية شعب وهبّ لإنقاذه مبكراً، الثائر الحر، القائد الحقيقي الذي ضحى بنفسه وتحمل مسؤولية كل شيء لإنقاذ رفاقه الابطال.

> الرئيس إبراهيم الحمدي حين شاهد نبوغته وذكائه قال له ذات يوم: لا تخرج في الليل ولا تمشي في الغدرة ولا بين الأزغاط..

نجل الشهيد: لن يسلموا من العقاب

حمدان نجل الشهيد عيسى قال أنه آن الأوان لمطالبنا بمحاكمة كافة المتورطين  بإعدام  شهداء حركة 15 أكتوبر وكذلك قضية المخفيين قسراً وفي مقدمتهم المجرم علي عبد الله صالح وأعوانه المنفذين لتلك العمليات غير الانسانية والكشف عن مصيرهم المجهول حتى هذه اللحظة أما المسئولين الفعليين على تنفيذ ذلك الجرم  لن يسلموا من العقاب الرادع مهما احتموا تحت مظلة الحصانة المقدمة بمبادرة من الرجعية السعودية العفنة.

والخطوة القادمة ستكون رفع دعوة قضائية للنائب العام وفقاً لاختصاصه لتحديد مصير الضحايا وتحديد المسئولين عن تلك الجرائم وتقديمهم للمحاكمة العادلة وفي حالة عدم تجاوب المتورطين فإننا سنقدم دعوتنا وهذه القضية الإنسانية الى المحكمة الجنائية  الدولية وصولاً الى محاكمة القتلة والكشف عن مصير الشهيد عيسى ورفاقه وكذا مصير المخفيين قسراً  منذ ما يقارب 35 عاماً.

زر الذهاب إلى الأعلى