فضاء حر

تعليم الجنوب .. بين الأمس واليوم

يمنات

يقف المرء متألماً إذا ما عقد مقارنةً بين الأمس واليوم ليقيس من خلالها مستوى الاهتمام بالتعليم في جنوب اليمن قبل التسعين وبعده، ويصل بعدها إلى حقيقة صادمة مفادها أن المدنية لم تنتقل من عدن إلى صنعاء بل العكس ما حصل فالشمال هو من أصاب الجنوب بعدوى القبيلة التي لم ترحم حتى مفاصله التعليمية.

فالتعليم نهضة امة وسيادة وطن والعجلة الدافعة نحو تطور الشعوب ورفاتها والنظام السابق نجح بضرب الجنوب في مقتل من خلال استراتيجية التجهيل الممنهج التي أصابت شباب الجنوب لينتج جيلا ضعيفاً مقارنةً بجيل ما قبل الوحدة، جيل لا يحلل الواقع ولا يمعن التفكير بالمستقبل إنما ينجر وراء الحاجة والمطالب السطحية في أحيان كثيرة. أما جيل ما قبل الوحدة فقد حضي بكثير من (التدليل) -إن جاز لنا التعبير- حيث كانت الدولة آنذاك تهتم كثيرا بالطالب ماديا واقتصاديا ما ينعكس على استقرار الطالب النفسي، فتامين المناهج المجانية والدخل الشهري والمواصلات ومقاعد الدراسة كان كفيلا بخلق استقرار نفسي يدفع الطالب صوب مزيد من التحصيل العلمي. أما النظام الدراسي وآلية الانتقال من سنة دراسية إلى أخرى فقد كانت محكمة للغاية ولم يسدها الهرج والمرج كما هو حاصل اليوم، والصف السادس كان مرحلة مهمة ووزارية، واللغة الانجليزية جزء هام من التعليم الابتدائي ومحور هام في تنشئة عقلية الطالب، أما اليوم فهي مجرد كتاب يمنح في الصف السابع لمجرد إسقاط الواجب. وفور تخرج الطالب الجنوبي سابقا لم يكن يحتاج لوساطة قوية أو مبلغ محترم كي يحظى بمنحة دراسية إلى أي دولة أجنبية، فتفوقه يكفي ليكفل له ذلك وكانت الدولة تحترم مسؤولياتها تجاه رعاياها في الخارج بعكس ما يعانيه الطلاب اليوم من الجوع والبرد خارج البلاد.

وحتى وان لم يحظى الطالب بمنحة خارجة فهناك العديد من الجامعات الداخلية يمكنه أن يتلقى تعليمه فيها بقوة ويتخرج منها إنسان مؤهل ليخدم نفسه ومجتمعه، وبالإضافة إلى التعليم الجامعي القوي هناك تأهيل مهني وتدريب فني يهتم بمن لم يكمل تعليمه الأساسي والثانوي، بل قد يوفق هؤلاء الطلاب بمنح خارجية في تخصصاتهم المهنية اغلبها كان إلى كوبا.

إذن فقد عاش الجنوب في ظل نظام تعليمي قوي ومحكم يدعم الطالب ليبني الوطن، أما اليوم فنحن نرثي الماضي الجميل لما نشهده من واقع مؤلم حول عدن إلى مدينة بيوتها من الجهل وأسوارها من الغش وشابها يحمل شهادة دون علم.

وفي ظل الوضع الاقتصادي الصعب يصبح ضرباً من المستحيل تلقى جميع أبناء الجنوب بل الشمال أيضا تعليمهم بسلاسة وسهولة، وأصبح التعليم كأيام العصور الوسطى حكراً على أولاد النبلاء والأمراء.

وانتقلت الجامعات والمدارس إلى العاصمة لتمثل إحدى صور اللامركزية، مما اضطر أبناء العديد من المناطق الأخرى للانتقال إلى العاصمة، فأضيف إلى مشاكلهم الاقتصادية مشاكل اجتماعية جمة بسبب اختلاف التركيبة الاجتماعية هنا وهناك وسيادة ثقافة القبيلة واللانظام ما يعقد المعاملات وينغص من إمكانية سير الأمور على قدم الوثاق كما اعتاد عليها في مدينته الأم.

ويبدو أن الجنوبيون لم يخطئوا في مطالبهم الرامية إلى الانفصال واستعادة الدولة، فمجرد التفكير بالتعليم وعقد مقارنة موضوعية بين الحاضر والماضي يجعلنا نصاب بالضغط ويتسبب بأزمة قلبية وليس المطالبة بالانفصال. لقد كان الجميع يأمل أن تجلب الوحدة الرخاء والقوة إلا أنها منحتنا الجهل والفقر والمرض، وأصبح من الصعب أن نتعلم بل أن نعيش.. وصارت المقارنة بين الأمس واليوم إحدى الأسباب الرئيسية إلى جانب التدخين للإصابة بأمراض القلب والسرطان.

زر الذهاب إلى الأعلى