حوارات

الفنان نجيب عبدالقاهر..الألماس الذي دفنته قسوة الظروف في رمال النسيان

المستقلة خاص ليمنات

(كرَّع زبيبه سفال درجي الركب.. ودن يلقِّط ومزن الله سكب).. بهذه الكلمات التراثية المجنحة وبنبرة الحزن المعطرة بلواعج الحنين ثمة صوت يتهادى من بعيد.. من خلف جبال الجاح وجالس والكوكب.. من قلب القبيطة وبالتحديد من أحضان وادي الركب يأخذنا على أجنحة الشجن المسافر ويطوف بأرواحنا سماوات العشق والهيام ويفتح لأعمارنا نافذة الذكريات المطلة على مسرى عبق السحر والجمال..

في صوته رنة حزن تذيب الصخور وفي ترنيمات ألحانه لوعة عاشق نقش حكاية عشقه لوحة على صدر الزمان.. رافق الحرمان طفلاً ويوم أن شب وخفق قلبه للحب وجد طريقه موصداً وقد وقفت في وجهه خيبة الحظ وقسوة الظروف.. ورغم ذلك لم يزل يحلم وما زال يبتسم رغم الألم.. على خيال الحبيب يعيش مآسي ليل غربته وحيداً يسامر الوجد ويشكو حالته للنجوم.. يبكي بصمت ويخط بدموعه ما يخفيه عن الناس من مواجع وآحات حتى إذا ما أضناه الأنين مد يمناه بحنان المستهام المتيم ليحتضن عوده ورفيقه الدائم مترجماً بنغمات أوتاره أسرار ما يعتمل في صدره من عواطف وأحاسيس.. باختصار هذا هو الفنان الشاب نجيب عبدالقاهر التنهيدة التي شقت سكون مهجة الليل والدمعة التي غسلت وجه الصباح وقد فرقتنا عنه مشاغل الأيام وجمعتنا به محاسن الصدف فكانت لنا معه هذه الدردشة الخاطفة..

< لاشك أن لكل فنان مرحلة بداية يتأثر فيها بفنان أو لون غنائي معين.. ماذا تعني هذه المرحلة لفناننا الشاب نجيب عبدالقاهر وفي أي من ألوان الغناء اليمني وجدت نفسك؟

– بالطبع البداية الأولى كانت في القرية وكان سني حينها لا يتجاوز الثمان سنوات وقد تأثرت في بداياتي بأغاني السمة وأيوب وعبدالباسط العبسي وبالنسبة لألوان الغناء أحب كل الألوان لكن أقربها إلى قلبي بلا شك اللون التعزي..

< حدثنا عن بدايتك مع الفن.. صعوبات مواقف ذكريات تحتفظ بها في هذا الخصوص..

– في الواقع هذه المرحلة كانت تعني لي الكثير فقد كنت أحمل في مخيلتي حلم كبير رغم صغر سني كنت أريد أن أغني وأصبح فنان له طريقته وأسلوبه الخاص في الغناء، لكن حلمي حينها لم يساعدني حتى على أن أمتلك آلة العود لكي أتدرب على العزف وقد كانت معاناة كبيرة بالنسبة لي ومع ذلك كان هناك من يشجعني ويقول لي (صوتك حلو) من زملاء الدراسة الذين هم أكبر مني سناً فقد كنت في الصفوف الأولى بالمدرسة وكانوا هم في الأعدادي والثانوي وكان تشجيعهم الحافز الأول لمواصلتي المشوار..

< إلى أي مدى أثرت طبيعة المكان في تشكيل ملامح إحساسك الفني وهل هناك أشخاص معنيين ألهموا روحك لعشق الكلمة والنغمة؟

– بالتأكيد أثرت فيَّ طبيعة المكان بشكل كبير وتخيل القرية بتضاريسها وبيئتها الريفية التي لا وجود ولو لطفرة للمدينة فيها.. عندما يسدل الليل ستاره على القرية ويخيم السكون كنت أنتظر بفارغ الصبر تلك اللحظات كل يوم لأغني ويسمعني الناس دون أن يراني منهم أحد..  كانت لحظات جميلة لا يمكن أن تنسى شكلت براعم الإلهام في أحضان الليل الساكن الهادئ كما أحتفظ بالكثير من الذكريات كالأرض والزراعة والصباح النقي وأيام الدراسة والأصدقاء.. أما بالنسبة للأشخاص الذين ألهموني فهم كثير لكن في اللحظات الأولى أذكر منهم الأخ شفيق هاشم الذي كان يثني عليَّ ويشجعني كثيراً وكذلك الأخ خليل محمد عبدالله الذي كان يجيد العزف على العود ويمتلكه أيضاً..

< رغم أن عمر تجربتك الفنية قد تجاوز العقد والنصف إلا أننا لم نلحظ لك أي ظهور على مستوى القنوات التلفزيونية ووسائل الإعلام الأخرى.. ترى ما السر وراء اختفائك وهل لك أي رؤى أو تحفظات؟

– من ناحية الظهور للأسف هناك عدة عوامل حالت دونه وأولها الظروف التي لم تساعدني وكذلك الحظ فأنا لا أتحفظ والمسألة باختصار مسألة حظ فقد أضحى كل شيء بالوساطة في هذه البلاد حتى في الغناء وهنا أخجل أن أقول مثل هذا الكلام ولكنه واقع للأسف فلا حياة لمن تنادي ولا توجد قنوات تلفزيونية ولا وسائل إعلام بالشكل الصحيح وحتى إن وجدت فهي لا تريد أن تعمل لك شيء ولا تريدك أنت أن تعمل شيء..

< ما هي المعايير التي يتبعها الفنان نجيب عبدالقاهر في اختيار الكلمات التي يغنيها ومن هم الشعراء الذين فضلت الارتباط معهم؟

– المعايير التي أتبعها في اختياري للكلمات تتمثل في كوني أختار الكلام الذي أرى بأني أعايشه ويعبر عما بداخلي.. والشعراء الذين أرتبطت بهم الأستاذ عبده الرجاني والأستاذ عبدالملك الحاج والشاعر محمد الشعبي والأستاذ عبدالله بشر وكذا أخي وصديقي صفوان القباطي الذي أحب أن أشكل ثنائياً معه وأريد كثيراً أن يكون لي نصيب الأسد من قصائده.

< أدهشني وأنا أستمع إليك امتلاكك لموهبة نادرة في العزف والأداء تخبر عن فنان عاشق للتميز وصاحب ملكة حقيقية فلماذا إلى الآن لم تقم بتسجيل أغانيك بشكل يبرزك للجمهور ويمكنهم من التعرف عليك من خلاله؟

– قلت لك في البداية أنت تتعامل مع مؤسسات لا تريدك أن تعمل شيء تحبه ولا ترغب في أن تكون صادقاً في العمل الذي ستقدمه بل على العكس تفرض عليك أشياء لا تحب أن تقدمها أصلاً لأنها بعيدة منك وأنا بصراحة لا أحب أن أسجل شيء لا أحبه لأنني إذا فعلت ذلك أشعر أنني أكذب على نفسي وعلى الناس وباختصار لهذا السبب لا يهمني الظهور بقدر ما يهمني أن أظهر بالشكل اللائق وأكون صادقاً في التعامل مع العمل الذي سأقدمه..

< الفن رسالة سامية يجب تظافر جهود الجميع للمحافظة على أصالته وتنوعه.. ولكن ما نراه اليوم يبعث على الغثيان.. ما رأيك بالمستوى الذي هبطت إليه الأغنية في الوقت الراهن؟

– يا عزيزي أنت تتحدث عن شيء مستهلك.. منتج له تاريخ إنتاج وله تاريخ انتهاء  والأغنية اليوم للأسف أضحت مثلها مثل أي سلعة قد نرميها قبل أن نستخدمها أو نستفيد منها ولا لشيء سوى  أنها منتهية الصلاحية.. يا صديقي أين نحن اليوم وما نستمع إليه من حقيقة الفن الرسالة السامية والثقافة والكلمة المعبرة التي تبقى عبر الزمن ولا تنتهي حتى وإن انتهينا نحن كبشر بل تظل تؤتى أكلها وتلبس كل يوم ثوب جديد.

< على المستوى الشخصي هل هناك أشخاص دعموك وأخذوا بيدك في مشوارك الفني وهل أنت راض عن الدور الذي يجب أن تلعبه وزارة الثقافة ووسائل الإعلام الرسمية كجهات اختصاص؟

– بالتأكيد هناك من شجعني ودعمني معنوياً ولا أريد أن أذكر أسماء حتى لا يزعل البعض أما بخصوص الدور الذي يجب أن تقوم به وزارة الثقافة ووسائل الإعلام الرسمية كجهات مسئولة فلا وجود له على الواقع وهذه الجهات لم تعد أكثر من مجرد تسميات لا أكثر..

< الأغنية.. هذه المفردة الرائعة (الآحة والابتسامة).. هل بلا شك نتاج لحس مرهف تصنعه روح الفنان الشفافة.. عزيزي نجيب ماذا صنعت روحك لهذه المفردة طيلة سنوات عشقك الحالم لها؟ وما الذي يلهم إحساسك للتلحين؟

– لدي مجموعة من الألحان التي انتهيت من وضع اللمسات الأخيرة عليها وأنتظر الفرصة لأقوم بتسجيلها وتوثيقها.. وعمَّا يلهمني للتلحين فأعتقد لا شيء يحرك مشاعري ويهز كياني أكثر من الكلمة وقد سبق أن ذكرت ما هي الكلمة التي أريد (الغير مستهلكة)..

< هل هناك موقف معين أو ذكرى حركت أوتار إحساسك لعزف سيمفونية (فرح/ أسى/ نشوة) وشعرت لحظتها بأن قلبك يشاركك العزف والغناء؟

– المواقف التي حركت أوتار إحساسي كثيرة وأغلبها أسى ودموع ولا أتحفظ أو أخجل عن البوح بما أتذكره منها وفي صدراتها حكاية وقوعي في علاقة حب ببداية شبابي وقد فشلت لكوني لم أستطع إيصال مشاعري للطرف الآخر بسبب التقاليد البالية في القرية ورغم أنها أثرت فيني بعض الشيء إلا أنني اعتبرتها نزوة بعكس قصة الحب الثانية التي لا أزال أعيشها بكل جوانحي ووصلنا فيها إلى قمة الود والانسجام ومع أني أعتبرها ملهمتي في ابتكار الألحان إلا أنها تؤرقني كثيراً فأنا أخاف أن أخسرها كما خسرت الأولى وهناك لا أكذب أن قلت بأني أحتضر في الوقت الراهن حيث والظروف مهيئة لأن أفقدها.. ولهذا كلما فكرت باحتمال حدوث الفراق تغرقني تيارات الدموع وتجتاحني عواصف الحسرة والألم..

< ماذا تعني لك هذه المفردات؟

– العود: إحساسي/ التراث: الماضي والحاضر والمستقبل/ الأنثى: الحياة/ الفراق: الموت..

< أخي نجيب ماذا تريد أن تقول في مسك ختام لقائنا الشيق معك..

– أتمنى أن أرى السعادة مرسومة على وجوه كل الناس.. لا أريد أن أرى محروم أو تعيس أو مظلوم.

زر الذهاب إلى الأعلى