فضاء حر

ثقافتنا التاريخية الجامدة بحاجة إلى اعادة صياغة

يمنات
إعادة صياغة ثقافتنا التاريخية الجامدة فكر وسلوكا من أهم أسس إحداث التغيرات الأمثل للمجتمعات العربية الاسلامية.
و أولى خطواته: معلوم أن توافر تشريع ملائم (العقد الاجتماعي ومكملاته القانونية) وآلية إجرائية فاعلة لإنفاذه وتطبيق سيادته، من اهم عوامل بناء المجتمعات وتنميتها الشاملة الدائمة والمستمرة، إلا أن هذا المبدأ والأساس لا يمكن أن ينشأ ويتحقق كفكر وسلوك مجتمعي ما لم يكن ناتجا عن وجود ثقافة سامية ومتأصلة ومتكرسة في فكر وسلوك الأجيال المتعاقبة، تؤسس لقبول وصياغة هذا التشريع وتتناسب معه و تبنى على اعتقادات تحمل الرقي والمكارم الإنسانية والأخلاقية ، وتنبذ الفكر والسلوك الشاذ عن هذه الأصول، وتعطي للعقل والمنطق دورا فعال في صياغة الثقافة المجتمعية واصولها والتطوير والإبداع المعرفي والسلوكي السامي.
فالملاحظ أن المنطقة العربية والمجتمعات المتكونة فيها حاليا، لا تستمد و تتكون ثقافتها بمعزل عن التأثير الإسلامي والقومي العربي، فالدين وأصوله والقومية العربية وثقافتها وتقاليدها وعاداتها هي من اهم المكونات لثقافة وشخصية الفرد والمجتمع سلبا او ايجابا و نظرا لان هذه المؤثرات في اصلها قد تكونت و تحمل حالة سمو ورقي عالي، فالدين الإسلامي قد اعتبر أن الأصل والهدف والغاية منه بجانب توحيد الخالق هو إكمال مكارم الأخلاق، قال الرسول الأعظم (ص ) (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وهذا ما جسدته سلوكيات وأفكار أصول الدين في عهد الرسول وبعض الخلفاء.
وكانت تؤسس لرقي ثقافي وسلوكي مجتمعي لو تم المحافظة عليها في اصلها الا انه وفي إطار مسيرة الدين في إتمام مكارم الأخلاق كرسالة للإنسانية. تزامنت مع هذا الدعوة والمكون صراعات سياسية وتاريخية و جغرافية فاستغلت عنوان الرسالة والطريقة والهيكل (الدين الإسلامي والدعوة) بصورة تدريجية لصراعاتها ومطامعها ومصالحها الأنانية باسم الدين كمقدس موجب وقامت بشكل تدريجي بالتحريف و التوجيه الخاطئ التدريجي عبر مراحل الصراع من خلال استنباط وتفسير ووضع مبادئ وأحكام وسلوكيات منسوبة لرسالة الإسلام وهي في مجملها قد انحرفت تدريجيا عن مقصد الرسالة واصلها ولكنها تكرس فكرا وسلوكا باسم الإسلام، ثم يعقب ذلك حركة تحصين لهذه الأسس التي صاغها وشرعها فعاليات الصراعات ورجالها ومصالحهم القاصرة بل امتد هذا الانتهاك في هذا الفكر والسلوك الى تحويلة الى مقدسات وترويض العقل لتبنية والاستجابة آلية تدريجيا كمسلمات ومحرمات وواجبات أخضعت العقل لحالة من التجمد وتحويلة من وسيلة إنتاج المفاهيم والأفكار الى وسيلة خزن وترديد لأفكار متوارثة فأصبحت هذه ثقافة سلوكية فكرية تمنع العقل من الحرية وتقييده، بأفكار وسلوكيات أجيال الصراع المتخلف فنتج عن ذلك حالة من الجمود الفكري والرهبة من البحث الفكري النقدي وفرض فكر وسلوك يتناقض مع أسس الرقي والسمو والتطور المجتمعي والإنساني فأصبحنا نجد المسلم انتحاري، إرهابي، ينتهك اهم الحقوق الإنسانية للحياة باسم التكفير والدين بخلاف اصل الرسالة خلاصة مختصرة في رأيي انه ما لم يتم التصدي لفكر وسلوك التقليد الجامد للثقافة الإسلامية وإعادة قراءتها بالعقل والمنطق الحر فان المجتمعات لن تشهد تحولات وتطورات مثلى تحقق إنسانية الإنسان وتسمو بالدين الإسلامي الى مكانته كرسالة إنسانية راقية تتم مكارم الأخلاق ولا تنتهكها أو تحاربها أو تقصيها فإننا لن نشهد هذا التغيير مهما بلغت معارفنا وثقافتنا التقليدية المنقولة من عصور الصراعات التي حرفت واستغلت هذه الأصول لخدمة مصالحها الآنية الذاتية القاصرة.

زر الذهاب إلى الأعلى