فضاء حر

الثقافة الاسطورية ومخرجاتها الخُرافية

يمنات
تتحفنا الصحف اليومية والمواقع الألكترونية، والقنوات التلفزيونية، بسيل وافر من المواضيع، التي تنم عن خصوبة الخيال ، والشطحات الفنتازية الهابطة، والتي اذا ما اجرينا مقارنة بينها وبين حكايات الف ليلة وليلة، والشاطر حسن والسندباد، وغيرها من القصص والروايات الخرافية ، فاقتها اضعاف مُضاعفة في التمادي والتحليق في سماء الوهم المريض والضحل، والتي تشير في مُجملها ان منطقتنا ولادة خصبة للخرافة، وبمعدلات عالية ايضا، وان الثقافة الأسطورية تغلغلت في كُل خلايا وانسجة المجتمع الممتد من الماء الى الماء، وان المنطقة لم تغادر المرحلة التاريخية الماضية الا قليلا، وان الأغلبية ما زالوا اسرى ابنية فكرية اكلها الصداء…. وفي هذة الاجواء تزدهر تجارة التنجيم، وهتك اسرار الغيب، وضرب الودع، وغيرها من المسائل التي تنم عن فقدان القدرة على التحليل، والفحص، واعمال النقد، وتشريح الأفكار والمقولات، والتفكير المنطقي الخلاق، والطلب من السماء التدخل في شؤون الارض والحياة اليومية للإنسان صغيرها وكبيرها، مع ان المعجزات في هذا الزمن معدومة، مع توالى وتسارع الاكتشافات العلمية على كافة الصعد، و بشكل يومي في الارض وفي الفضاء حيث بدت اكتشاف مجاهلة المتواصلة كاكتشاف مغارات في قرى نائية ،ونحن لم نتزحزح قيد انملة من عصر الظلام ، والمجاعة، والخُطب المُعلبة، التي تغترف من مخزون ايديولوجي لايقبل مُسألة، بفضل احاطته من قبل القوى المستفيدة من تقُدسية وتعالية، وتشبثها بالماضي بوصفة الطريق الاوحد لامتلاك الحاضر.
وخير دليل على ذلك، تلك الهلوسات والأحلام التي ترددها وسائل تضليل الجماعات الاسلاموية ،حيث قال احدهم انه حلم بأن النبي طلب من مرسي ان يؤم الناس في الصلاة، وحكايات الحمامات الخضر الثمان، وحكاية جبريل مع معتصمي رابعة، واسلام عدد كبير من المسيحيين تضامنا مع الشريعة والشرعية (هناك مقولة عامية تقول اسلمت سارة، لا كسبوا المسلمين ولا خسروا النصارى), ورؤية الملائكة في ليلة القدر، واكل لحوم الجن، الى غير ذلك من الخزعبلات التي تثير التقيؤ لفسادها وانتهاء صلاحياتها منذ قرون.. (مع ان التقارير المتداولة تشي بان التشدد الديني يقود الى نتائج عكسية، فالسعودية الأولى في نسبة الالحاد بين الدول الإسلامية، تليها ايران، ناهيك عن ان تسخير الدين لأغراض سياسية، يسئ للدين ويفسد السياسة).. .والحقيقة التي لا مراء فيها، اننا مازلنا بعيدين عن منهج التفكير العلمي في مقاربة شؤون الحياة وظواهر الكون، والتحرر من سلطان الاساطير، والقطع المعرفي مع الماضي، والتحكم فيه من خلال حاضرنا، وليس من خلال السماح للموتى بالتحكم فينا وفي حاضرنا ومستقبلنا ايضا، وفي هذا الصدد يمكن الاستئناس بأحد اهم فلاسفة ومنظري المنهج العلمي التجريبي في القرن السادس عشر الفيلسوف فرانيس بيكون حيث قال ان العلم والمجتمع لكي يتطورا يجب ان يتخلصا من اربعة اصنام:
– الصنم الأول هو صنم القبيلة:- وهو مجمل المعتقدات الزائفة المزروعة في الطبيعة الانسانية، فالإنسان جُبل في تفكيره على الاعتماد على الحدس، والأماني، والنزعة نحو التعميم في الاحكام والأسباب دون تمحيص منطقي او عملي، ويؤمن ان معتقدات قبيلته أو عرقة أو جماعته هي الحقيقة..
– الصنم الثاني هو صنم الكهف:- وهو العيوب الناتجة من الطبيعة الشخصية لكل فرد على حدة ومنها تتولد معتقداته الخاصة (وهو مُتقوقع في كهف افكاره) والتي غالبا ما تكون اعتباطية..
– الصنم الثالث هو صنم السوق :- وهي المعتقدات الزائفة الناتجة عن تواصل البشر مع بعضهم وينتج عنة تبادل كلمات ومصطلحات عامة يتم تبنيها رغم زيفها وعموميتها..
– الصنم الرابع صنم المسرح:- وفية يتم تشبيه الناس بالمتفرجين في عرض مسرحي، وهم يتلقون التعليم من خشبة المسرح، والمقصود هنا هو مجمل المنظومة الفكرية، والدوجماتية التي يتم تلقينها للمجتمع ، خالقة عالما مسرحيا زائفا، ومنظومة من الأحكام المسبقة التي تقف عقبة في وجه الحقيقة..
حاصل الأمر وخلاصته لابد من اعلان النقد ضدا على الوعي الزائف بكل اشكاله واعتماد المنهج العلمي في النظر للأحداث والظواهر، وليس قراءة الكف والفجان، وتحرير العقل العلمي من عقاله ومن الولاءات التقليدية بتطوير ملكاته النقدية، والاستقلالية كفرد يختار جماعته بحرية غير قطيعية، وليس كما قال دُريد بن الصمة.. وما انا الا من غزية ان غوت….غويت وان ترشد غزية أرشد..

زر الذهاب إلى الأعلى