فضاء حر

الإرهاب .. سلسلة سياسة تدميرية طويلة دأبت عليها كثير من الجهات منذ عقود

يمنات

 صلاح السقلدي

مرة أخرى يعود موضوع الحرب على الإرهاب إلى الواجهة بقوة، ليشعل معه حرباً موازية إعلامياً بين كثير من القوى السياسية والحزبية والثورية فيما بينها البين، في الجنوب وفي اليمن عموماً، وبين هذه القوى ودول «التحالف»، وبالذات الإمارات.

فالحملات العسكرية التي قامتْ وتقوم بها الوحدات العسكرية «قوات النُخب العسكرية الجنوبية» في محافظتَي حضرموت وشبوة، وبإسناد من الإمارات، ضد الجماعات المتطرفة في وادي حضرموت وبعض مديريات شبوة، وقبل ذلك، في محافظة أبين وعدن، كانت كافية لتسخين صفيح المشهد السياسي حتى الإشتعال، بين السلطة المعترف بها دولياً «الشرعية»، وحزب الإصلاح تحديداً، ومعه بعض القوى الأخرى وجزء من النخب السياسية الخليجية، وبالذات السعودية والقطرية، التي تناصب المشروع الجنوبي التحرري الخصومة من جهة، وبين الطرف الجنوبي، وبالتحديد المجلس الإنتقالي الجنوبي والإمارات من جهة أخرى. فبرغم أن الكل يؤكد بالظاهر على ضرورة محاربة الإرهاب والتصدي له، وضرورة تجفيف مناهله، إلا أن هذا الموضوع قد صار في حسابات كثير من القوى اليمنية والإقليمية، ورقة سياسية أكثر منها أمنية، وبات الكل يتخذ منه سلاحاً ضد الكل، بحسب المكان والزمان.

وعلى كل حال، فنحن إزاء حلقة من سلسلة سياسة تدميرية طويلة دأبت عليها كثير من الجهات، داخلية وخارجية منذ عقود، حين اتخذتْ من الجماعات المتطرفة العائدة مطلع العقد الأخير من القرن الماضي من أفغانستان إلى اليمن والخليج ومنطقة الشرق الأوسط عموماً، قفازات سياسية. بعض تلك القوى الحزبية اليمنية التي استخدمت تلك الجماعات ضد خصومها السياسيين والجنوبيين على وجه الخصوص، وتوّجتها بحرب شاملة عام 94، لعبت فيها تلك الجماعات رأس الحربة، ما تزال لاعباً قوياً اليوم في الساحة، حزب الاصلاح «إخوان اليمن» مثالاً، فهذا الحزب من خلال جناحه الأيدلوجي ذات الفكر الهجين (الإخواني – السلفي الجهادي)، ما يزال يرى في ورقة هذه الجماعات، وسيلة متاحة لتحقيق مكاسب سياسية حزبية، وبالذات في الجنوب، في مواجهة كل من الحراك الجنوبي ومجلسه الإنتقالي الجنوبي والإمارات.

في الوقت الذي لا يستطيع أحد أن يجادل فيه أن الإمارات أتت إلى اليمن، وإلى الجنوب بالذات، لحماية مصالحها والاستئثار بمصالح جديدة، وطمعاً بالتمدد الجغرافي بأداة عسكرية، من أقصى شرق البلاد في المهرة، وصولاً إلى الساحل الغربي التعزي، والجزر الأرتيرية التي تحت حمايتها، مروراً بعدن وسقطرى، ناهيك عن وجودها الفعلي في الضفة الغربية للبحر الأحمر وخليج عدن، ونقصد هنا جيبوتي والصومال، ونعرف أيضاً أن ثمة تفاهمات وإن لم تكن معلنة، قد تمت بين تلك الجماعات وما سُمّىَ بـ «مجلس علماء أهل السنة والجماعة» في حضرموت، و«المجلس الأهلي الحضرمي»، وبين دول «التحالف» وألوية «الشرعية» العسكرية، وبالذات في المكلا حين سلّم «التحالف» عبر وجاهات دينية قبيلة المدينة، وبعض المناطق في حضرموت، لعناصر يعرف أنها متشددة، ولكن كان الجامع بينه وبينها عدواتها المذهبية للحركة الحوثية، وهي العداوة التي استثمرها «التحالف» و«الشرعية» بذكاء، بقيت المكلا أكثر من عام بيد تلك الجماعات من دون أن يحرك «التحالف» ساكناً قبل أن يتم إخراجها باتجاه الوادي في أبريل 2016، بطريقة دراماتيكية سريعة وغامضة، وبقي الحال بين الطرفين يراوح مكانه من الغموض بالعلاقة إلى أن انقضت المصلحة بينهما، وظهرت الدعاوة بدلاً عنها كما تتجلى اليوم -ولو ظاهرياً على الأقل- نقول إن كل هذا لا يمكن أن يجادل بحقيقته أحد أو ينكر من واقعيته على الأرض حتى أكثر المتعصبين من الجنوبيين مع الإمارات، بل حتى من قِبلِ الإماراتيين أنفسهم، ولكن في المقابل، لا بد من الإقرار أن العمليات التي تقوم بها اليوم القوى الأمنية المدعومة إماراتياً في حضرموت وشبوة وأبين وعدن، تنفذها بشجاعة وبتضحيات حقيقة كبيرة في مجابهة تلك العناصر، وقد حققت انتصارات بينة، ووجهتْ ضربات قاصمة لتلك الجماعات وشلّتْ من فاعليتها على الأرض، والأدلة بهذا الشأن كثيرة وواضحة، لعل أبرزها الردود الهستيرية التي اعترت تصرفات تلك الجماعات في حضرموت وصعيد شبوة وتواهي عدن، وبسط نفوذ تلك القوات النخبوية جنباً إلى جنب مع مواطن المناطق المستهدفة وجودها على مناطق كانت خارج السيطرة، طفقت «الجماعات الإرهابية» على إثر ذلك القيام بعمليات تفجيرية انتحارية كردود أفعال مرتبكة وفاشلة.

وعلى ما تقدم، يكون من الحكمة والمنطق أن يكون هذا الجهد مدعوماً من الجميع، وبالذات الحريصون على سيادة أمن البلاد واستقراره وخلوه من هذا الفكر التدميري. كما يكون من الواجب أخلاقياً ووطنياً تحييد الخلافات السياسية جانباً وتناسيها في مثل هكذا ضرورة كالمتعلقة بمحاربة الإرهاب والتطرف.

هناك يقول إن الإمارات تعلن عن محاربتها للإرهاب بأماكن وتدعم بعض رموزه بأماكن أخرى، وأنها تحاول استكمال سيطرتها على الأرض من بوابة الحرب على الإرهاب. معظم هذا الكلام صحيحاً دون شك. فمن ينكر أن «التحالف» ككل وليس الإمارات فقط قد استعان بجماعات متطرفة منذ أول يوم بهذه الحرب في مجابهة حركة الحوثيين وقوات صالح، وعزف هذا التحالف وما زال على نغمة الطائفية لاستثارة حُمية تلك الجماعات لتدعمه وتعاضده بحربه؟ وكانت البداية كما نعرف من الجنوب حين تحالف مع تلك الجماعات، بل حتى المقاومة الجنوبية ذاتها تحالفت مع تلك الجماعات المتطرفة، وإن كان تحالفاً فُرض عليها عنوة. واليوم في تعز، نفس حال الجنوب بالأمس… وعلى ذات السياق، فثمة حقيقة أخرى لا يمكن نكرانها، وهي أن نسبة من القوات التي تقاتل في الساحل الغربي ذو صبغة طائفية بعناصر متطرفة، وكذلك الحال في مدينة تعز وما حولها من المناطق التي فيها اليد الطولى لتلك الجماعات، جماعة أبو العباس مثالاً.

كل هذه الحقائق وغيرها لا جدال فيها، ويعرفها الجميع بمن فيهم حزب الإصلاح، الذي لم يبد أي اعتراض على ذلك حين كانت علاقته جيدة مع الإمارات بداية الحرب. ولكن الإمارات بحكم كونها اليوم القوة الفعلية المسيطرة على الأرض وخصوصاً في الجنوب، وبعد أن صار الطلاق بينها وبين هذه الجماعات واضحاً، فمن مصلحتها محاربة هذه الجماعات على الأقل من منطق رغبتها بالتفرد بالسيطرة على الأرض دون مشاركة قوى أخرى، وبالتالي يكون من مصلحة الجنوبيين الاصطفاف معها ومع النخب العسكرية لمحاربة هذه الآفة الإرهابية، مع احتفاظ الجميع بحقهم في رفض تصرفاتها _أي الإمارات_ حالما تنتهي العمليات العسكرية على الإرهاب، إن كان هناك من يرى سوء تصرف إماراتي. فطالما معظمنا يؤمن بمقوله «حيثما تكون المصالح تتكون التحالفات السياسية»، فإن ذلك يتسق مع مصلحة التخلص من الإرهاب أو على الأقل تقويضه وإضعافه والاستفادة من الرغبة الامارتية في هذا الوقت، من دون أن يكون ذلك على حساب قناعات الناس السياسية أو على حساب حقهم في رفض أي مشاريع سياسية تتصادم مع قناعاتهم وإرادتهم المشروعة بما فيها بالتأكيد المشاريع والتصرفات الإماراتية وغير الإمارتية.

• محور الخلاف بهذا الشأن بين حزب الإصلاح والإمارات… فرفض حزب الإصلاح للخطوات الإماراتية في الجنوب لا علاقة له بحقوق الإنسان، وهو الحزب الذي يغض طرفه على الضربات الجوية للتحالف التي تقتل الآلاف بالشمال، كما أن هذا الخلاف لا علاقة له بالسيادة الوطنية، لا من بعيد ولا من قريب، كما يزعم هذا الحزب، فكيف لحزب أيد وبقوة فرض الباب السابع على بلاده وطالب دول الخليج بشن حرب على وطنه لاستعادة سلطته من الحوثيين أن يكون حريصاً على شيء اسمه سيادة ووطن أو يرفض احتلال؟ ثم لماذا لم تكن الإمارات دولة احتلال حين كانت علاقته بها جيدة، ولماذا رحب بقواتها حين دخلت؟ ثم ماذا نسمي الوجود الإمارتي في مأرب؟ ولماذا ليس احتلالاً؟

فلا شك أن التنافس من أجل السيطرة على الجنوب هو ما يفجر مثل هذه الحروب الإعلامية بين الطرفين الإمارتي والإصلاحي، يكون هذا دائماً من وحي الخلاف لتاريخي العميق بين حزب الإصلاح كممثل لحركة الإخوان المسلمين في اليمن وبين الإمارات التي تناصب الحركة الإخوانية العداء منذ سنوات، فما أرض الجنوب إلا ساحة مفتوحة لحربهما القديمة الجديدة هذه، ما الإرهاب إلا أحد تجلياته وأدواته… ومن بين كل هذا الركام ينهض السؤال الكبير: هل يستفيد الجنوب مما يجري هذه المرة؟

المصدر: العربي

زر الذهاب إلى الأعلى