فضاء حر

لمن لا يعرف عن النائب الحُر القاضي أحمد سيف حاشد

يمنات

مفيد اليماني

يمنيٌّ بسيطٌ وُلِد من رحم المعاناة، مناضلٌ جسورٌ ارتسمت أوجاع وطنه على تجاعيد وجهه كما تبدو اليمن في كل صباحاتها الحزينة..!

في مرافئ أضلاعه تسكن يَمَنٌ مُمَزَّقةٌ تشكو التَّشتُّت والضياع والموت البطئ..!

في حدقات عينيه يعيش وطنٌ ضجَّ من قسوةِ حالِه، ومرارة ما آل إليه، وطنٌ يمضي فيه البُسطاءُ الضُعفاء يحملون أيامَهم البائسة، كثافة أحزانهم، جِراحَهم العنيفة، يأسَهم المُستبد، أحلامهم المُحطَّمةِ طُغياناً وظُلماً، صرخاتهم المكتومة، عويلهم الصامت، وبقيةً باقيةً من رجاء..!

يقطن في قلبه بؤساءٌ احدودبت ظُهورهم من ثقلِ مأساتِهم، مشوا على حدِّ الأذى قسراً حتى تجرَّحت أرواحهم، و لم يكتفي الظالمون بعد..!!

تعتري شفتاه رجفة طفلٍ دمروا منزله و قتلوا أهله، يعلوه حاجباً كقلق عجوزٍ مُسنٍّ يرتعب من أصوات القصف الغادرة، له بُحَّة صوتٍ كأنين كاهلةٍ في أحد بيوت صنعاء الآيلة للسقوط بعد أن نخرت أساساتها سيول الأمطار الجارفة..!

يمنيٌّ أصيلٌ و مثقفٌ مبدعٌ و سياسيٌّ بارعٌ نآى بنفسه عن كل مشاريع الخيانة و العمالة و الإرتزاق و الجهل و الدَّجل و الطائفيَّة و المذهبيَّة و المناطقيَّة قاذفاً إياها في شواطئ الخزي و العار، ليلتحف تراب وطنه الجريح برائحة الصُّمود و عنفوان روحه المتجددة و لسان حاله يقول:

وَلِي وطنٌ آليتُ ألَّا أبيعَهُ

و ألَّا أرَى غَيرِي لهُ الدَّهرَ مَالِكَا

حِميريٌّ شامخٌ خلع عن نفسه رداء الجُبن و الخُنُوع في عُريِّ الزمن، متوشِّحاً لِباس الحرية، رافعاً لواء العدالة و مقارعة الظالمين و المستبدِّين في وطنٍ مُمزَّقٍ مرميٍّ على قارعةِ الزمن، يمرُّ بجواره العابرون، و لكن لا أحد يُنصت لنواحِه، لا أحد يكترث..!!

مدافعٌ شرسٌ في كل معركةٍ يخوضها استجابةً لنداءات المضطهدين و استغاثات المشردين، صادحاً بما تختلجه دموع الثكالى و أنين المكلومين، مستشعراً لمأسآتهم مُعايشاً لها بكل جوارحه..!

مُضحِّياً بوقته و جهده و مآله و سعادته و راحته على حساب واجباته و التزاماته تجاه أسرته و من هم في ذمته و تحت مسؤوليته و رعايته من أجل التفرغ لمساندة المقهورين..!

رافضاً كل الإغراءات التي عُرضت عليه مقابل صمته عن قول الحقيقة و الصدع بكلمة الحق و تطبيق العدالة..!

تاركاً عيش حياة المسؤولية الباذخة مقابل القليل من التطبيل لهذا الطرف أو ذاك، راضياً لنفسه و لأولاده حياة الفقر و البؤس و الحاجة، ثابتاً على أرضه و مبادئه، مقاسماً لأبناء وطنه قسوة معاناتهم و شظف عيشهم و لسان حاله يقول:

بلادٌ ألِفناها على كلِّ حالةٍ 

و قَد يُؤلفُ الشيء الذي ليسَ بالحَسنُ

و تُستعذَبُ الأرضُ التي لا هوا بِها

و لا ماؤُها عَذبٌ و لكنَّها وطنُ

ثائرٌ حُرٌّ اختار لنفسه أن يسلك طريق الكفاح و النضال في سبيل مناصرة المظلومين في كل أرجاء وطنه المكلوم، غير مكترثٍ للعواقب و الأخطار التي تحدق به من هنا أو هناك، متجاهلاً كل التهديدات التي يطلقها العابثون في وطنه و لسان حاله يقول:

يا أيُّها الموتُ ما أحلاكَ من وطنٍ

 لمن أتاكَ شهيداً جرحهُ الوطنُ

أبهَرَنَا في الآونة الأخيرة بكتاباته المثيرة التي تحمل بين طيَّاتها هموم و أوجاع وطنٍ بأكمله، مثَّلت كتاباته تلك خُلاصة هذا الوجع المرير الذي فتك به و بنا جميعاً..!

نقل حقائق الدنيا و أوجاعها و آلامها نقلاً صحيحاً من رحم المعاناة التي عاش كل تفاصيلها لحظةً بلحظةٍ إلى الكتابة و الرواية؛ منتزعاً إيَّاها من ذاكرته انتزاعاً يليق بها في أسلوبها الواقعي حتى أظهرها للحياة في أسلوبٍ آخر حصيفٍ له مذاقه الخاص و طعمه الفريد، فكان ذلك أوفى و أدقَّ و أجمل، و هذا مالم نجده في غيره من عمالقة الكتابة..!!

و مع أنه يكتُبُ مُدركاً أن الكلمات قد لا تتمكن من تفسير حقيقة آلامِه، لكنه بِالكتابةِ يضمنُ استحالةَ نِسيانها أو اندثارها..!

قد يرى البعض أنه قد لجأ مؤخراً إلى الكتابة ليجعلها حُجَّةٌ له للهروب، و حاجةٌ للبوح، و تفريغٌ للمضمور، و تفريجٌ للمطمور، و قد يراها الجميع إبداعاً لقلمه، بينما هي في الحقيقة التياعاً بقلبه، و نزفاً بدمائه، هُم يُبصرون ما بين السطور من حروف؛ لكنهم يجهلون ما بينها من قروح، يُثنون عليها تعجُّباً؛ و تُثنيه هي توجُّعاً، و إنًّي لا أرى أعجَبُ و لا أروعُ و لا أجملُ من جُرحٍ يُثنَى عليه..!!

نعلم جميعاً أن الكتابةُ رفيق من لا رفيق له، و ملجأ من لا ملاذ له، نُضمِّد بها جروحنا، و نسدُّ بها ثغرة نقصنا، نَسقيها بفكرنا غرساً، و نجنيها بأقلامنا حرفاً، و نراها بأوراقنا ثَمراً..

و إنَّه و إن كانت القراءةُ غذاءً للروح؛ فإن الكتابةُ هي بَوحُ الروح، و إن هذة الدنيا “على رحابتها” لتضيق بنا، حتى يسعُنا فيها دفترٌ و كتاب..!!

و أخيراً .. سأهمس في أذنيك أيُّها المَعلَمُ اليمانيُّ الحميريُّ و الكاتب الثائر:

فكما تعلم و نعلم جميعاً أن الكِتابة حاسَّةٌ خفيَّةٌ تبني إنسانيتنا العميقة؛ حاسَّةٌ جميلةٌ توقظ أشيائنا الدفينة الرائعة، و ربما تذكرنا بوحشيتنا المقيتة و بأدفأ نقطة فينا أيضاً .. لكن ثِق أن لكلماتك وَقعٌ آخر، فقد نَجَحَت بمعانقة قلوبنا حين عجز العالم كله عن فعل ذلك..!!

أحمد سيف حاشد .. أنت بحق (أيقونة وطن)..

مع أطيب تحياتي و خالص أمنياتي..

و دُمت بخير..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى