فضاء حر

محمد المقالح والتاريخ السياسي المعاصر

يمنات

عبد الفتاح الصناعي

الأستاذ محمد المقالح، المحارب الوطني العظيم، الذي كان الملهم لأغلب ثوار فبراير من مختلف الانتماءت وكذلك شباب 21 سبتمر، الذين جاؤا من فبراير، كان قد شكل قبل ذلك صوتا وطنيا حرا ناقدا بشجاعة كبيرة، حتى كان مؤثرا بالنخبة الثقافية والوسط الصحفي بشجاعته النادرة ومواقفه الواضحة وافكاره الثاقبة في زمان الجمود والآفاق السياسية المغلقة. ولازال حتى اليوم على هذه المنهجية يزداد تالقا.

واكب الأستاذ المراحل الوطنية المعاصرة لحظة بالحظة مؤثرا بالأحداث وشاهدا على تفاصيلها. فمن التأثير والنضال قبل فبراير إلى تأجيج ثورة فبراير، واليقظة في نقد الأخطاء ومسارات وطرق تجييرها واجهاضها، من بداية هذه الإنحرافات.

واتخذ كذلك نفس المكانة أو ارفع منها، في تأجيج وإشعال ثورة 21 من سبتمبر. إلى الموقف الواضح والثابت ضد العدوان وجرائمه.

في مرحلة العدوان التي كانت مرحلة التحولات السريعة والتحالفات الضرورية والإزدواجية الميلئة بالمكايدات والصراعات الصغيرة والمؤقتة والأهداف الشخصية واللحظية.

أضطربت النخبة بإضطراب المرحلة المعقدة، وتلونت أرائهم ومواقفهم بألوان مختلفة وشعارات متعددة ومتناقضة، وبين عشية وضحاها تحولوا من النقيض إلى النقيض باتجاه مواقف وقضايا كونوا يسمونها مبادئ وطنية ثابتة لاتقبل المساومة أو التغيير إطلاقا.

ولكن الأستاذ ظل محاربا عظيما وانموذجا وطنيا فريدا وشامخا ثابتا في مواقفه ومبادئه التي لاتعرف التناقضات والتغيرات المفاجئة، وطريقته التي لاتهادن الأخطأ ولاتبرر لها فهو ينتقد بوضوح وشجاعة دون أن يجعل ذلك ذريعة للضبابية والتحول بالمبادئ فهو يتحكم بأساليب النقد وطريقته بمهارة عالية في ضبط حدود النقد ومساحته وضرورته وأهميته دون ان يمتد هذا بتاثير سلبي أو تشويش على قضايا ومواقف شخصية او عامة لاعلاقه لها بالنقد البناء والرأي الواضح لقضايا محددة وجزئيات معينة.

كيمني في أي اتجاه كنت فانك قد تختلف مع الاستاذ في مواقفه العامة أو في جزئيات محددة، لكنه ليس بإمكان أحد إنكار جرأته وشجاعته التي تجلت بكل وضوح في كل المراحل. بنقد الأخطاء وليس التبرير، فظل الأستاذ في كل المراحل ذلك الناقد للأخطاء دون مزايدات ودون البحث لها عن تبريرات غير حقيقية.

أنجز الأستاذ في هذه المرحلة أربعة كتب ضخمة تعد توثيق حقيقي للتاريخ السياسي اليمني المعاصر، ورؤى نقدية ثاقبة وجريئة، لاشك بأنها ستكون أهم وثائق المكتبة الوطنية، وإن تجاهلها الناس اليوم. منذ أن أهداها لي قبل أشهر وأنا منهر من هذا الإنجاز أفكر في أي الكلمات التي تقدر على أن تصف هذا الإنجاز، وأجد نفسي عجازا تماما عن ذلك.

محمد المقالح: المحارب العنيد وصاحب المواقف الجريئة والمبادئ المتصلبة والثابتة والتاريخ النضالي المشهود؛ إذا ماقدر لك وأن تقابله يوما، فأنك ستجد شخصية يمنية عفوية تنتمي للبسطاء ويتميز بالطف كبير وتواضع جم.

تجده يلعب مع الأطفال ويسرد حكايتهم وقصصهم فهو كأب وجد وشخصية وطنية عامة تغمره عاطفة إنسانية فياضة بحب الإنسان وحب الوطن.فهو الذي يحب النكتة ويضحك لها رغم أنه محمل بكل أوجاع بلده. وهو الذي يشتاق لأصدقائه ويسأل عنهم رغم تباين المواقف وحالة القطيعة.

وهو المثقف الموسوعي والسياسي النابه، الذي يعترف بكل بساطة عن أزمة النسيج الاجتماعي وحاجته للمعالجات باستشعار للمسؤولية بعيدا عن المزايدات والتخندقات. تجده لايفاخر بتأثيره السياسي بل يرى بأن السياسة سرقته عن الأدب وأن الحرب دمرت العلاقات كما دمرت البلد.ورغم إنجازاته العظيمة والكبيرة فهو ينظر إليها بتواضع الكبار. فهو حقا الكبير كإنسان قبل أن يكون كبيرا ككاتب وسياسي.

زر الذهاب إلى الأعلى