فضاء حر

حزني لا يوصف …لكن النصر قادم

يمنات

عبد الرحمن بجاش

يخاف الناس من الموت ، يعتمد الأمر على التربية …
الشعوب المتقدمة تعرف انه خاتمة الحياة ، لا يدوم سوى المعبود ..لذلك لا يشغلون انفسهم بالخوف منه ، يظلون ينجزون كأنهم يموتون غدا …

الفراق هو الذي يخيف ، ان تجد عزيزا لديك وقد غادرها ورحل وبدون حتى استئذان اواعلام …
يكون للموت هنا فضيلة ، تقف لحظة لتستعيد انفاسك اللاهثة ، وتستعرض الفيلم من اوله ، والاهم انك تستعيد الانسان فيك ، التفكر في الكون ، وفي نفسك ، ما قدمت ، وما بقي ، هذا اذا كنت واعيا …

اللطم على الخدود لايجدي ، فالحياة لابد أن تتواصل ، لابد …
أجمل مافي الموت ربما لحظة اعادة ترتيب قيمك ، ومن خلالها تعيد تقييم كل ماانت عليه ، حتى حكمك على الآخرين ، ففي لحظة شطط قد تضع إنسان ما في خانة اللاقيم ، وتذهب بعيدا في قراءته ، يأتي الموت ، فإذا كنت شجاعا أعدت الأمور إلى نصابها ..
أسوء الامور ان تظل تكتشف الآخرين بعد أن يرحلوا ….
هذا الانسان هو من جعلني اكتشفه في حياته ، اكتشفته شجاعا …
متى ؟

عندما ظهر على الناس هنا وقال : انا مصاب بالسرطان …ما قاله جعلني أعيد ترتيب اجزاء الصورة ، فان تكون نظيف النفس ازرق الروح كالسماء مافي قلبك على لسانك فأنت شجاع …شجاع الى حد القسوة …صريح الى حد ان تجرح ، الجرح الذي لا يسيل منه الدم …

د. عبد الرحمن جميل كان شجاعا ، وكنا نقرأه بضيق اللحظة ومشاعرنا حينها ، تأتي أحكامنا متسرعة ، يأتي الموت وهنا الحكمة يرفع أمامك الاشارة الحمراء ” قف هنا ” وراجع …

يوم ان كتبت أشيد بشجاعته ، اتصل بي مرتاحا ، وهكذا هو الإنسان تفرحه الكلمة الطيبة ، و بشجاعته أشاد الناس جميعهم …وظل طوال الوقت يتعامل مع الحالة بشجاعة وفهم …

انقطعنا لبعض الوقت انقطاعا تاما ، وانا من النوع الذي لا أقطع نهائيا ، تأتي لحظة أحن الى هذا وذاك ، عندي القدرة على تجاوز المواقف ، ومد الجسور…

اتصلت به ، جاء صوته كالمعتاد جهوريا : ” أيش هذه المفاجأة ياعبد” ، هكذا كان يدللني رحمه الله ، لااريد ان اظهرفي هذه اللحظة العاطفية منافقا واقول انه كان الإنسان الذي لا قبله ولا بعده ، فقد كان رحمه الله انسانا كأي منا ، له سلبياته وله ايجابياته ، جاء الموت ليعزز الايجابي منها …، قال : ” ظننت انك حظرتني وقاطعتني ،- كان قد حصل ثمة موقف جعلنا نزعل من بعض – ، قلت لايمكن ، وذهب يضحك وبصوته العالي المفخخ بالضحكة العالية تجاوزنا ما حصل ، ورحت أسأله عن حاله ، وتكلمنا كثيرا ، كان مرتاحا جدا لاتصالي ، هكذا يفرح كطفل سريعا ، ويعود كلمعة البرق ….

د. عبدالرحمن تربطني به علاقة قرابة تجمعنا بأخوته الشيخ درهم سعيد فارع رحمه الله ، وفؤاد له الرحمة ، وفيصل أطال الله في عمره ، اخوته من والدته واللواء النبيل محمد سعيدفارع فرع من فروع الشجرة اليانعة الظلال…

والدته شهد اوهند مننا ، تنحدر من أصلنا ، ولذلك يخاطبون والدي ب” الخال ” ..وانا كنت انادي تلك المرأة التي ربت رجالا يشار إليهم بالبنان ، كانت من قوة شخصيتها أن تجبر كل من يقترب منها على احترامها ، كنت اناديها :” ياعمة ” ، وياويلي لو أسأت لأهلها بكلمة …

كانت تحب عبدالرحمن باعتباره :” الجحاشة ” ، والنساء يحببن المولود الأخير بشغف …

ذكريات حميمة جمعتنا بهم منذ الصغر، حكيت عنها مرات كثيرة ، وكلما كنت اختلي به أهمس في أذنه : أين ذهبت بحمارك الصغير؟؟؟ ، فتصدرعنه ضحكة مدوية : احترم نفسك أيش من حمار…

كان ناجحا ومتميزا كاخوته ، بدأ في الحديدة ، يرحم الله الأخ الأكبر عبدالحميد جميل فارع ، وذلك الذي لايزال الحزن يسكن نفوسنا عليه د. محمد جميل فارع ….شق طريقه دارسا حتى اكمل في الاتحاد السوفيتي ..
د. عبد الرحمن جميل سعيد فارع من جيل الحلم …الجيل الذي فتح عينيه على صوت المذيع :” هنا صنعاء اذاعة الجمهورية العربية اليمنية ” مبشرا بالثورة ، ليتجه أمثاله بحماس لاحدود له نحو المدارس …يتذكر معي ويتذكر من مرعلى شارع 26 سبتمبر العظيم بتعز أن ” بن ناصر” كان أحد علاماته ، وكان يشتم الذاهب والآتي ، بل و يستأجره من يدفع ليشتم من يريد ، كان بن ناصر عندما يرى طلبة يحملون الكتب بأيديهم يقف رافعا يده بالتحية ، لست انا من شاهده ، بل كل البلاد التي كانت في ذلك الشارع الذي مرت منه اليمن ومن شارع صنعاء وقلب تهامة تتدفق الى شارع علي عبد المغني تبحث عن الكتاب والدفتر والقلم من أجل المستقبل ، وتبحث عن السلاح لتدافع عن الحلم الكبير….

حتى إذا تدفق المال على الأدوات قتلوا كل جميل في حياتنا ….
د.محمد جميل فارع مبدع كبير، حرم من التدريس في كلية الطب بجامعة صنعاء لانه فقط أكثر كفاءة من الذي حرمه !!!!

عاد جميلنا من الاتحاد السوفيتي محملا بالحماس والامال الكبار لرد الجميل للوطن وغيره الآلاف …
لكن ” حزب اعداء الحلم ” أبى إلا أن يقف في طريقهم …ليعيد بسطوة الأمن والتجويع والتشريد والتصنيف القسري ، والاخفاء أمثاله إلى البيوت …

أعيد د. عبدالرحمن الى البيت بعد أن كان مديرا عاما للصيدلة في وزارة الصحة …اعاده الحزب الحقير اياه ….
لم يحبط ، نقل سلاحه إلى الكتف الآخر، وحارب في جبهة اخرى ، ربى وعلم أولاده لتراهم الآن علامات ناجحة ، أسامة ، احمد ، اياد ، أكرم ، فانتصر هنا …

لاتزال ضحكته تدوي في الأنحاء منتصرا…

سينتصر جيل الحلم يوما بواسطة الأجيال القادمة ، لا مفر، فالعالم يذهب بعيدا بالعلم ، وهنا من يتقاعس ستجرفه الروبوتات ….

نم يا صاحبي بسلام ، عليك سلام الله …

قد تكون صورة لـ ‏‏شخص واحد‏ و‏وقوف‏‏

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى