فضاء حر

مع الجوع وجها لوجه

يمنات

نبيل الحسام

كنت قد قررت التوقف عن النشر ولكن قصتان عشت احداثهما يوم الخميس الفائت اجبرتني على العودة ولكن عدت مجبر بعد ثلاث ايام من صراع داخلي بين التمسك بالقرار وبين العودة.

القصة الاولى

كانت عند العاشرة صباحا اثناء خروجي من احد الشوارع الفرعية على موتور في مذبح قطعت امامنا إمرأة كانت خطواتها ثقيلة ولكن كان حمل بطنها كبيرا فظننت انه السبب وكان تمسك بيدها بطفل في الثالثة من عمره تقريبا جميلا ونظيفا وانيقا رغم ان ملابسه قديمه ولكنه شاحب الوجه.

توقف سائق الموتور ليسمح لها بالمرور وعندما وصلت بالقرب من دكان على جانب الطريق ارتمت بنفسها على الرصيف، فظننت انه جاءها المخاض وطلبت من السائق التوقف وتوجهت نحوها اسألها عن حالتها وما تحتاجه وان كانت تحتاج نقلا للمستشفى ورقم زوجها او احد اقاربها لإبلاغه.

فلم تجيبني الا دمع عينيها التي انفجرت واذا بالسائق يلحق بي ولكنه كان اكثر تأثرا ونخوه فما ان اقترب ورأى دموعها الا وانفجرت دموعه تسابق دموعها وانحنى يسألها بالله ويترجاها ولكن لم تجيب الا بالدمع ثم كانت دقيقة صمت تسيدتها الدمع من عينيهما.

ثم اخذ الناس يتوافدون وهي ترفض الكلام حتى جاءت امرأة تمشي من جوارنا فناديتها وطلبنا منها ان تتحدث معها وتعرف السبب وتقنعها بقبول المساعده.وابتعدنا قليلا لنتيح لها الفرصة.واثناءها طلب مني السائق تلفوني للإتصال بأخيه في البيت ليحضر له فلوس.ولكن لا احد يرد فطلب مني رمز التلفون وركب الموتور ليكرر المحاولة اثناء سيره منطلقا نحو البيت.

اما المرأة المفوضة فقد رأيناها تأخذ بيد تلك المرأة لتذهب بها بعيدا عنا بعد ان طلبت هي منها ذلك.ونحن ننتظر نتيجة المفاوضات.ثم رأينا المفوضة تحتضن الطفل حينها كانت الصاعقة وبغير شعور صرخت انا “اللووووه..ماتت المسكينة وانفجرت باكي ولجأت الى ركن الدكان” حتى بهت البقية ولكن بعد حوالي دقيقتين احدهم رآها تتحرك.فصرخ في وجهي” مالك يا مجنون ولا فيها شيء قدك تشتي تميتها”.

ربع ساعة وعادت الينا المفوضة تطلب ان نوقف تاكسي وبعد ان توارت عن نظر المسكية تقول بأن السبب هو انها لم تأكل منذ ليلة اليوم الاول وانها قادمة مشيا على الاقدام من احدى الحارات البعيدة قاصدة بيت اقارب لها في الدائري فكان الجوع والحمل والسير سببا في ارهاقها.وقد احست بدوخة حسبته الموت قد جاءها فطلبت منها ان تمسك الطفل موصية لها به..

فقد كان جوع الطفل هو سبب خروجها .وان المسكينه استحلفتها بالله ان لا تقول لنا.
ثم ساعدتها المفوضة على ركوب التاكسي وانطلقت ترافقها وفي حظنها الطفل.
اما صاحبي السائق فقد عاد بعد مغادرتها بدقائق ولا تزال الدموع تنهمر من عينيه.
فسألنا عنها ولما اخبرناه القصة ازداد بكاءا وبقيت معه احاول تهدئته ولكنه سلمني تلفوني طالبا المغادرة وعدم قول اي كلمة حتى عندما مديت اليه يدي بالحساب لطم يدي وقال بغضب “خلاص..قلنا رحلك يا اخي. رحلك..رحلك..رحلك” .

القصة الثانية

كانت العاشرة مساءا في صقيع جو صنعاء هذه الايام وجسمي يرتعش من البرد رغم ملابسي الصوفية وعلى عجالة للفرار من برد الشارع الى الجهة الاخرى لأركب الباص الى المنزل .حيث وانا اصعد جسر المشاة الذي منطقة السنينة فقد سمعت صوت امرأة تتسول وعندما وصلت منتصف الدرج إذا بي امام صاحبة الصوت وإذا بها امرأة في حضنها طفل رضيع .

وبجوارها 3 اطفال عمر اكبرهم لا يتجاوز 5 سنوات بأجسام هزيلة وثياب بالية في وسط الصقيع الذي كلما ارتفع احدنا فوق الجسر كلما اشتد البرد وهبات الريح. 

انه الجوع الذي لولاه ما بقيت هذه المرأة وخصوصا اطفالها في ذلك المكان وفي ذلك الجو وهي ام كباقي الامهات التي نجدهن في منازلهن وخصوصا هذه الايام شغلهن الشاغل هو كيفية حماية ابنائهن من البرد فيقفلن كل ثقب يمكن ام يأني منه البرد ويلبسن اطفالهن اجود انواع الصوف ويمنعنهن من الخروج من المنزل حتى في وقت الظهيرة.

انه الجوع ..هناك وفي كل مكان حيث اصبحنا نواجهه وجها لوجه. 

وبالأصح انها سياسة الإفقار والتجويع الذي ينفذها الحاكمون بقصد. 
فكان قراري ان الصمت عن هؤلاء الحقراء جريمة وان اضعف الإيمان وابسط ما يجب ان نقوم به هو ان نزعجهم ولو على الاقل بالكلمة..

وهو ايضا اقل واجب تجاه هؤلاء المفقرين من ناحية ومن ناحية اخرى تجاه اطفالنا قبل ان نصل الى ما وصل اليه هؤلاء في حال السكوت.وان كان الواجب هو الفعل وهو القتال حتى ليس فحسب الإطاحة بهم وانما سحقهم من على ارض الوطن فبقاؤهم حتى مواطنيين جريمة بحق البلد ارضا وانسانا.

من حائط الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى