أرشيف

ولكنهم أطفال يهود بعيون يمنية!

تكفي نظرة خاطفة إلى وجوه أطفال سعيد بن إسرائيل، لتنسى كل هذا الهذر عن السامية واللاسامية. لا عرب العالم العربي هم ساميون أقحاح ولا يهود دولة إسرائيل هم ساميون أقحاح.

أطفال عائلة بن إسرائيل، رئيس بقايا الجالية اليهودية اليمنية العريقة، يشبهون مثلاً أطفال اي مواطن يمني. لهم "العيون اليمنية" ذاتها، ولون البشرة أيضاً، وعلى الأغلب أطفال القاتل اليمني المتطرّف عبد العزيز يحيى العبدي، الذي يتّم تسعة أطفال لمواطنه اليهودي ماشا النهاري.

هذر السامية – اللاسامية العنصري في حدّيه معاً، أقل أو أكثر سخفاً من تسويغه أو حمايته بالمنطق الذرائعي المزدوج: هذا ما جنته الوكالة اليهودية على يهود اليمن والعالم العربي (كانوا 100 ألف قبل إقامة إسرائيل) وسياسة دولة إسرائيل، أو ما جنته على يهود العالم العربي، سياسة قومية عروبية فاشية تنازعها قيادتها، مؤخراً، حركات أصولية إسلامية متطرفة.

ليس في إسرائيل، اليهودية – الإشكنازية، عائلات تضم سبعة أو تسعة من الأولاد، ونادراً هناك عائلات يهودية – سفاردية لها هذا العدد، ولا يضيف شيئاً مذكوراً إلى تعداد الإسرائيليين اليهود، أن يهاجر آخر خمسين يمنياً يهودياً إلى إسرائيل.. لكن مع هجرتهم تنقرض من بلاد "اليمن السعيد" طائفة يمنية عريقة، ولكن دولة يمنية أحادية الدين، أكثر حتى من الباكستان، لن تنتهي مشاكلها بين قبائلها ومذاهبها مع مغادرة آخر اليهود اليمنيين أرض بلادهم وأجدادهم.

يعنينا من الأمر، إضافة إلى واجب التضامن الإنساني مع اقتلاع بشر من موطنهم وبيئتهم، وحتى ثقافتهم الدينية – اليهودية الأصلية، أن الدولة القطرية العربية في سبيلها لتغدو شبه أحادية دينياً وقومياً، بينما يزداد التنوع القومي والإثني لدولة إسرائيل، التي تحوي مع ذلك أقليات قومية ودينية ولغوية تفوق عما تحويه معظم الدول القطرية العربية.

يعنينا، بالذات كفلسطينيين، كيف تستخدم إسرائيل "حق العودة" اليهودي، وتجعله جداراً أمام حق العودة الفلسطيني أكثر علواً بكثير من الجدار الفاصل، وكيف تمنن علينا بأن الأقلية القومية الفلسطينية في دولة إسرائيل تحظى بحقوق مواطنية تفوق حقوق مواطنية ما تبقى من يهود وعرب في الدول القطرية العربية.

نعلم، أن هذه مقارنة بين واقعين وأمرين ومعطيين مختلفين جداً، وأن ترحيل اليهود العرب عن بلادهم الأصلية هو نتيجة، رئيسية أو جانبية، لترحيل معظم الفلسطينيين العرب عن موطنهم الأصلي.

لكن، بما أن الذريعة تأخذ بتلابيب الذريعة، والكذبة الصغيرة تغذي الكذبة الكبيرة، فإن تعسّف المقارنات اليهودية الإسرائيلية لا يتوقف، وهو يجرف معه مثلاً مقارنة بين حجم الدمار الذي ألحقته آلة الحرب الإسرائيلية بمدن قطاع غزة ومخيماته، وآخر حجم دمار لحق بمخيم عين البارد في شمال لبنان.

المقارنات التعسفية يمكن أن تصل إلى مقارنة عدد الضحايا الفلسطينيين بأيدي الفلسطينيين في ستة أيام بعد الانقلاب الغزي، بعد والضحايا الفلسطينيين نتيجة حرب "الرصاص المصهور" وهي 600 فلسطيني خلال ستة أيام، بمعدل مائة ضحية كل يوم، في مقابل 1400 ضحية خلال 22 يوماً من الحرب الإسرائيلية على غزة.

بعد سقوط 13 ضحية فلسطينية في صدامات تشرين الأول 2000 برصاص الشرطة الإسرائيلية، تشكّلت لجنة تحقيق قضائية، وللمرة الأولى برئاسة قاضٍ من قضاة المحكمة العليا الإسرائيلية. لم تنفذ حكومة إسرائيل أية توصية من توصيات اللجنة، بل دفنتها كما دفنت توصيات لجنة جورج ميتشل حول المستوطنات الإسرائيلية ما وراء الخط الأخضر.

لكن، للنزاعات والحروب الأهلية منطق تسوية ولفلفة يختلف عن منطق اضطهاد دولة ذات مؤسسات لأقلية قومية، وهكذا عملوا "مصالحة" في الحرب الأهلية الإسبانية، والحرب الأهلية اللبنانية، ويعملون لإنجاز مصالحات في العراق.. دون حاجة لقيام الدولة بواجبات لجنة تحقيق، إلا إذا تدخلت القوانين الدولية، كما حصل بالنسبة للرئيس العراقي الراحل صدام حسين ويحصل مع الرئيس السوداني عمر البشير.

في خلاصة مبسترة لما سبق، يمكن القول إن الحركة الوطنية الفلسطينية تتعرض، وبشكل متلاحق، لضغوط، جانبية أو مباشرة، من تطور الحالة الإسرائيلية، منذ كانت مشروعاً للإحياء القومي ــ الديني الصهيوني، إلى المحرقة النازية، فإلى تشويه النضال الفلسطيني الوطني الفلسطيني، من حيث أهدافه أو أيديولوجيته، فإلى قصور الديمقراطية في الفكرة القومية العربية، ومن ثم فشل الدولة القطرية العربية في أن تكون دولة جميع رعاياها.

.. وأخيراً، إلى تذرّع الحركات الأصولية بالمسألة الفلسطينية، ورفعها لواء الحرب الدينية، التي سرعان ما تغدو حروباً طائفية دينية مذهبية داخلية. وما قصة آخر العائلات اليمنية اليهودية سوى تفصيل آخر من واقع فاجع: عروبة مريضة.. إسلام سياسي مريض.. يهودية مريضة.. فكيف لا تكون فلسطين مريضة!

 

[email protected]

 

زر الذهاب إلى الأعلى