أرشيف

الإخوان طارش: ثنائية البداية

الكثيرون يعلمون أن شاعر أغنية «بالله عليك ومسافر» هو الأخ الشقيق لأيوب طارش وأن اسمه محمد طارش، وعندما يدخل فناننا إلى الغناء عبر بوابة قصيدة من تأليف أخيه، ويقبل الجمهور عليه فهذا بلا شك أن كلمات القصيدة كانت ناجحة بكل المقاييس، والدليل أن الناس لا تزال تتغنى بها رغم مرور 43 سنة تقريباً على ظهورها وذيوعها .

يبقى السؤال المحير هو: لماذا لم يستمر محمد طارش في كتابة الأشعار الغنائية مكتفياً بهذه الأغنية وأغانٍ قليلة كـ «بس لا تؤشر سلام بيدك، وقد كان طبعك حلا، يوم السفر أصبحت أودع أهلي،  وطل القمر وأشرق بنور وضاح»؟

كما أن هذه الأغاني وحدها تدخل اسم محمد طارش كواحد من الأوائل في شعر الغناء التعزي، قبل الفضول والصريمي  وغيرهما ممن لم يغنى لهم أيوب طارش وعبد الباسط العبسيان، إلا فيما بعد أي في أواخر الستينات ومطلع السبعينات من القرن الماضي الأمر الذي يفرض على فناننا أيوب أن يساعدنا في كتابة سيرة ذاتية لأهم محطات حياة محمد طارش العبسي الذي شكل مع أيوب ثنائية الظهور الأول فتغنى  بكلماته في العام 1965م .

إذاعة تعز

  عندما سجل أيوب طارش شريطه الأول الذي تضمن مجموعة من الأغاني «وامسافر، طبعك حلا، سلام بيدك وغيرها» في مدينة عدن منتصف الستينات أرسل بنسخة إلى إذاعة تعز مع الجمال أو الطبل عبد الغني العشمة وكما ذكر عبد العزيز شائف الأغبري أشهر مقدم برنامج إذاعي من راديو صنعاء «أفراح وتهاني» قائلاً في كتابة له: «كانت رائعة في اللحن والأداء والصوت الطروب وبشرت بميلاد فنان أصيل قادم».

خصوصية الأغنية

عندما أذيعت الأغنية، صغت لها أذان الناس كنداء يخرج من قلب شاعر وحنجرة فنان، نداء يفتح أبواب القلوب ويجلس داخلها، نداء يستحلف المسافر – إلى ما وراء الجبال والبحار – بالله إذا ما وجدت حبيب القلب المهاجر، أن تبلغه السلام من حبيبته وأن يسأله: كم باتغيب؟

عبرت الأغنية عن حنين الأشواق وطول صبر الفراق، والوحشة التي يتركها الغائب فلا أنيس للمناجاة والناس هامدة سوى القمر، والرب الذي تناديه وتتساءل حائرة متى يعود الحبيب؟ وتمضي الأغنية مليئة بالشجون والعتاب للحبيب، والمناداة.

كما عبرت الأغنية بشكل ملفت للانتباه حالة الانقطاع المرير الذي كان يصل إلى درجة الغياب التام عن كل ما يدل على أن الغائب لا يزال حياً.

وإلى حد القسوة، فألف خط كناية لـ «كثرة» الرسائل التي طارت إلى الحبيب الغائب.

ومع ذلك جواب واحد منه لم يرجع إليها.. حتى وإن كان يحمل فيه عليها عتاب .

ولا تنس الأغنية أن تذكر بما كان  يقوم بين الزوج والزوجة قبل السفر كالوعود التي يقطعها قبل سفره بالوفاء، وتكل أمره إلى الله إن كان قد نسى تلك الوعود؟.

ولم ينس الشاعر أن يثير غرائز الحب والرغبة الكامنة في القلب من خلال الترميز بمفردات إيحائية كقوله على لسان المرأة وهي تستحثه، هيا كفى يا حبيبي، بس كفاني «التهاب»، الشوق خلا دموعي جارية في انسكاب .

  إن سر الأغنية هو في التعبير الحقيقي عن هموم تلك الفترة بصدق الكلمات التي شكلت في مجمل أبياتها الجنسين الأدبيين (سرد + شعر) أي سرد الواقع بصيغة شعرية غنائية .

كما تكتسب الأغنية خصوصيتها في كونها الأولى للفنان والشاعر كما قلنا.

شكلت بداية مباركة في سجل ناصع بسطور الإبداع التي دونت فوقها مسيرة فنان قال يومها لكبار وعمالقة فناني الأغنية اليمنية في كل من عدن وصنعاء ها أنذا قادم.

فكان القادم الذي فرض نفسه منذ البداية كبيراً؛ جعل أفضل شعراء الأغاني يتسابقون ناحيته، ويتمنونه أن تصدح حنجرته الذهبية بكلماتهم.

إن مسيرة الفنان أيوب طارش النادرة قد لا تتكرر على مدى طويل طويل.

مسيرة بدأت بأغنية من إذاعة تعز بلون غنائي جديد شعراً ولحناً وأداءاً وموضوعاً .

كلمات الأغنية

لليه يا قلب صبرك على فراقه

لليه مهما صبرت لابد من عناقه

لليه يو ولليه يو

بالله عليك ومسافر لا لقيت الحبيب

بلغ سلامي إليه وقول له كم با تغيب؟

أمسيت أناجي القمر والناس جمعة رقود

أدعي لربي وأقول أي حين حبيبي يعود؟

ما اطيق أنا يا مناي .. ليه الجفا والبعاد

القلب من فرقتك خلاحياتي سهاد

إلى متى واحبيبي بايطول الغياب؟

اذكر محبك وعود لي الصفا والوداد

كتبت لك ألف خط ولا رجع لي جواب

أو قد نسيت ما مضى أمرك لرب العباد

حتى لو كان يحمل فيه علي عتاب

يا خل أوفي بوعدك واترك ذا العناد

هذا جزاء من يحبك تحرمه من خطاب

ويلك من الله قد وحلت حبك عذاب

هيا كفى يا حبيبي بس كفاني التهاب

الشوق خلا دموعي جارية بانسكاب

بالله عليك ومسافر لا لقيت الحبيب

بلغ سلامي إليه وقله كم باتغيب

زر الذهاب إلى الأعلى