أرشيف

لماذا رفض عبد الله عبد العالم مأدبة الغداء التي قتل فيها الحمدي؟

عصر ذلك اليوم الذي صادف الخميس 13 يونيو /حزيران 1974 وعند الغروب قطع المذيع الصمت الذي وصل إلى حد التشنج، معلناً بعد الديباجة الطويلة غروب عهد الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني ومجيء قيادة جديدة برئاسة العقيد إبراهيم الحمدي في انقلاب أبيض على رأس حركة 13 يونيو/ حزيران التصحيحية وقد تشكل مجلس القيادة في البداية من سبعة أعضاء إلى جانب الحمدي ثم وسع إلى تسعة هم: أحمد الغشمي – يحيى المتوكل – مجاهد أبو شوارب – علي الشيبة – حمود بيدر – علي الضبعي – درهم أبو لحوم – علي أبو لحوم، وأضيف لاحقاً عبد العزيز عبد الغني وعبد الله عبد العالم،  أول سؤال تبادر إلى أذهان العامة.. كم عمره؟ وكيف يبدو؟ وكيف يتحدث؟

اليوم التالي وزعت الصحيفتان، الرسمية الثورة التي تصدر في صنعاء، والجمهورية شبه الرسمية التي تصدر في تعز، وعلى الصفحة الأولى صورة العقيد الحمدي شاب من مواليد 1943 في مدينة قعطبة لواء إب الحدودية بين الشطرين ذات الأهمية في وقت السلم والحرب واللقاءات الوحدوية المهمة حيث احتضنت أهم قمة بين الحمدي وربيع في 15/2/1977.

بعد أن عرفوا شكله باتوا في شوق لسماع صوته. وبعد ثلاثة أيام مساءً وجه خطابه وبيانه السياسي الأول فلمسوا فيه دفء الصوت والبلاغة في الإلقاء,

أول يوم رئاسة وبعد مراجعة سريعة للمواضيع المهمة في أجندته المزدحمة أصدر أمراً عاجلاً بوقف الحملات الإعلامية ضد الجنوب وقيادته مع التأكيد بأن الوحدة ستظل هي الخيار الوحيد للشعب اليمني مهما تباينت الآراء والمواقف، ولأنها هدف عظيم فإنها تحتاج إلى تضحيات عظيمة..

فبادله على الفور الرئيس سالم ربيع علي الشهير بسالمين, نفس الشعور مؤسسين لعلاقة قوية بينهما أخذت الطابع الشخصي أكثر من الرسمي.

أمر بتعليق عبارة الله جل جلاله بدلاً من صورته.

أنزل جميع الرتب العسكرية التي وصلت إلى التضخم وأوصلت حامليها إلى التخمة للمقدم بما فيها رتبته فأعاد للجندي والصف والضابط الهيبة المفقودة (نص القرار في ملحق الوثائق).

منع استخدام السيارات الحكومية والعسكرية وسيارات المؤسسات العامة والمختلطة للأغراض الشخصية.

زيادة المرتبات مع أربعة مرتبات إضافية تصرف في مناسبات عيدي الفطر والأضحى وذكرى الثورة وذكرى الحركة.

البساطة والتواضع حياة وسلوكاً لازماه هو وأفراد أسرته حتى آخر أيامه.

التنقل بدون حراسة أو موكب مع السائق أو لوحده بسيارته الفولكسواجن.

القيام بزيارات ليلية متنكراً.

الزيارات المفاجئة للدوائر الحكومية والأمنية والعسكرية (آخر زيارة مفاجئة له كانت إلى مدينة تعز قبل اغتياله بأسابيع قليلة وقيل يومها أنه كان قاسياً جداً في توبيخ وانتقاد مسئولي المحافظة على التسيب وعدم الالتزام الوظيفي.. قائد اللواء الرائد علي عبد الله صالح – المحافظ عبد السلام الحداد – ومدير الأمن)

حاسب نفسه قبل أن يحاسبه الآخرون، مطبقاً مبدأ من أين لك هذا!

صارم على كل من حوله وخاصة أقرباءه.. حرصه على المال العام حقق للخزينة العامة فائضاً حيث بلغت الأرصدة الاحتياطية للريال اليمني بالعملة الصعبة (الدولار) بحسب ما ورد في نشرة الصندوق الدولي الفصلية ديسمبر/كانون أول 1977 (825) ثمانمائة وخمسة وعشرون مليون دولار وهو رقم عالٍ إذا ما قورن باحتياطي مصر آنذاك الذي قارب (240) مائتين وأربعين مليون دولار.

يلتقي من يرغب بلقائه من المواطنين أسبوعياً في لقاء مفتوح دون حواجز ووفق إجراءات سهلة وعادية جداً.

ألغى مسميات الشيخ والسيد وأبدلها بالأخ والتي تعني سواسية أبناء الشعب.

تقبيل العلم عند المغادرة والأرض عند العودة من كل سفرة خارجية.

كل خطاب يلقيه يأتي بالجديد.

بدأ في عهده موسم التشجير في مارس/آذار من كل عام لإعادة الاخضرار إلى اليمن السعيد.

سلم للمتحف الوطني كل الهدايا العينية التي حصل عليها أثناء زياراته لدول شقيقة وصديقة، لأنها من وجهة نظره هدايا من شعب لشعب، والمسئول ليس إلا وسيطاً، أما المبالغ المالية بملايين الدولارات فتم تحويلها إلى خزينة الدولة.

الملك فيصل : سيتعبنا

تفرغ حتى نهاية العام 1974 للشأن الداخلي ولأنه قارئ جيد للتاريخ فقد قرر إعادة بناء سد مأرب، فقصد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الإمارات العربية المتحدة والذي تعود أصول عائلته إلى اليمن وإلى مدينة مأرب تحديداً، فوافق الرجل على تحمل التكاليف، فكانت الهدية الثانية من شعب الإمارات لشقيقه شعب اليمن بعد محطة التلفزيون، ولأنه مدرك لحجم الضغوط السعودية وتأثيرها على بلاده، لذا كانت وجهته الخارجية الأولى إلى الرياض فالتقى المرحوم الملك فيصل بن عبد العزيز الذي أعجب به وبديناميكيته لكن هذا لم يمنعه من التعليق بقوله "سيتعبنا"؟!

خرج المغتربون اليمنيون في العاصمة الرياض والذين جاءوا من باقي المناطق لاستقباله في استفتاء جماهيري أذهل السعوديين وقوات الأمن التي لم تستطع السيطرة على الوضع، وقد ذكر السعوديون ذلك الاستقبال باستقبال العمانيين لولي عهدهم قابوس بالمكانس بداية سبعينيات القرن الماضي ليعود مباشرة ويطيح بأبيه وينقل بلاده بعد الانغلاق والتخلف لسنين طويلة إلى الثروة والتقدم، وقد تداول الظرفاء العبارة التالية: يا عماني يا عماني اترك المكنسة لليماني !

سبتمبر/أيلول 1977 وفي آخر خطاب له بمناسبة الذكرى الخامسة عشر لثورة الـ 26 من سبتمبر/أيلول أعلن أن شهر العسل قد انتهى وبقدر المعنى الواضح حيث كان يعني في الأصل فئة التجار، إلا أن ما بين السطور حمل الكثير ! ماذا كان يعني بالضبط.. هل يعني السعودية؟ هل يعني مراكز القوى والتسلط والسيطرة التي أعادت ترتيب صفوفها؟ هل يعني الفاسدين الذين لم تردعهم الشعارات التصحيحية  (كان يحتفل بعيد الثورة في صنعاء ثم تعز وأخيراً الحديدة) منطلقاً نحو المستقبل مع الشعب الذي اعتقد أنه سيحميه بالتفافه حوله وسيجعل من يفكر في إيذائه يفكر بدل المرة مليون مرة وإن حصل فلن يهنأ بالنعيم ولن يملأ الفراغ رغم إيمانه وكما كان يردد دائماً: بأن لا حذر من القدر.

 في 10 أكتوبر/تشرين أول من نفس العام أعلن أنه سيقوم بزيارة تاريخية إلى عدن هي الأولى لرئيس شمالي إلى الجنوب للمشاركة في احتفالات الذكرى الرابعة عشر لثورة الـ 14 من أكتوبر/تشرين أول التي طردت الاستعمار البريطاني ولاتخاذ خطوات وحدوية حاسمة.. ما هي هذه الخطوات ولماذا حاسمة؟!

هل سيتم إعلان الوحدة بين الشطرين؟ أو وضع اللمسات النهائية لها؟ وهل وافق الرئيس ربيع بأن يتولى الحمدي رئاسة اليمن الموحد).

عندما زار الأمير سلطان اليمن للمرة الأولى في 10/4/1976 لحضور اجتماعات مجلس التنسيق اليمني السعودي الذي تم تأسيسه في جدة 14/8/1975 واستقبله الحمدي في المطار لفت نظره من قبل بعض أعضاء مجلس القيادة الذين يتحسسون من العلاقة مع السعودية كيف يستقبل وزير استقبال الرؤساء؟ فرد عليهم بلطف وهو يعلم تأثير وقوة الأمير لقد أراد تهدئة اللعب والشد والجذب مع السعوديين، وأشبع غرور سلطان بالاستقبال كملك.

 تفاصيل الجريمة وقرار القتل الرحيم

الغداء الآثم

ولأن الشعب اليمني يغفر ويتجاوز كل شيء إلا القضايا الأخلاقية، تلقى ظهراً اتصالاً من نائبه المقدم أحمد الغشمي يدعوه إلى منزله الذي يقع في ضواحي العاصمة لتناول طعام الغداء المقام بمناسبة نجاح العملية الجراحية لاستئصال الزائدة الدودية التي أجريت لعبد العزيز عبد الغني رئيس الوزراء وعضو مجلس القيادة وقد دعي إليها عدد كبير من الوزراء والشخصيات السياسية والاجتماعية المهمة، وغاب عنها الرائد عبد الله عبد العالم عضو مجلس القيادة وقائد قوات المظلات، أقرب المقربين إلى الحمدي والذي لا يحمل أي ود للغشمي، ولن يتناول الحضور الغداء ما لم يحضر الرئيس ولمناقشة أمر هام وعاجل لا يحتمل التأجيل وأمام تهرب الحمدي من تلبية الدعوة خاصة وقد كلف شقيقه الأصغر عبد الرحمن بتجهيز ما تيسر أي الموجود من الطعام للغداء (عبد الرحمن الحاصل على مؤهلات عليا في الهندسة من أمريكا والعضو السابق في البرلمان مطابق لإبراهيم شكلاً وصوتاً) وكذا مغادرة سائقه الخاص الحمامي (قتل في بداية الثمانينات إثر سقوطه في بئر)، عرض الغشمي إرسال سائقه الخاص يعتقد أنه محمد الحاوري (أصبح فيما بعد قائد الحرس الخاص للرئيس علي عبد الله صالح ثم قائداً لقوات المظلات ثم الشرطة العسكرية…) أثناء ذلك وصل سائق شقيقته الذي قام بتوصيله إلى منزل الغشمي، بعد الانتهاء من طعام الغداء والدردشات الجانبية والعامة غادر الجميع وبقي الحمدي لمعرفة الأمر الهام الذي لم يكن سوى محاكمة قصيرة طرفها الرئيسي الغشمي وآخرين كان للحمدي فضل كبير عليهم؛ وهنا كثرت الروايات عن اللحظات الأخيرة في حياة الحمدي تقول إحدى الروايات أن الغشمي أبلغ الحمدي بأن أخيه عبد الله الضابط العنيد والعنيف والذي يخشاه كل القادة العسكريين أولهم هو (كان إبراهيم يتحاشى أن يجتمع وأخيه عبد الله قائد قوات العمالقة المتمركزة في مدينة ذمار التي تبعد حوالي ثمانين كيلو متر إلى الجنوب من صنعاء في مكان واحد مهما كانت المناسبة)، الذي كثيراً ما قام إبراهيم بالاعتذار للغشمي عن تصرفات أخيه نحوه، قد تم قتله في غرفة مجاورة، وأنك ستلحق به وعهدك يجب أن ينتهي وحرستك الرمزية غادرت بعد أبلغهم أحد الموجودين معنا هنا بأنك وكعادتك المحببة إلى نفسك والتي يعرفونها فيك قد غادرت خلسة بمفردك للقيام بجولة تفقدية من دون حراسة، وعليهم العودة إلى منزلك، نظرة سريعة من الحمدي إلى الغشمي حملت معنى واحد، لقد حذروني منك ولكني تجاهلتهم، ونظرة أخرى إلى شخص من صغار الضباط  كان من المبالغين في الإعجاب بالحمدي وبقيادته الفذة.. تريدون السلطة خذوها وأكملوا ما بدأناه, هذا الشعب أمانة في أعناقكم، أنا مستعد للتنازل إذا قبلتم ببقائي في اليمن كان بها، وإذا أردتم أن أخرج فسأخرج، تذكر يا أبو صادق – مخاطباً الغشمي – أننا ودعنا القاضي الإرياني من تعز معززاً مكرماً، وأردنا أن تكون حركتنا تصحيحية بيضاء نقية لم نبدأها بالدم، يقال أن الغشمي راق له العرض ولكن بعض الموجودين اعترضوا موضحين أن الحمدي إذا خرج فسيعيده الشعب وعلى أجسادنا التي ستكون البساط الأحمر الذي سيمشي فوقه، لأننا كشفنا أوراقنا كما أننا قد قتلنا أخوه هل تعتقد – موجهين حديثهم إلى الغشمي – أنه سيسامحنا؟ كلمة واحدة منه إلى الشعب ستفتح علينا أبواب جهنم! وبطريقة هستيرية أطلقوا النار عليه، رواية ثانية تقول: بعد دعوة الغشمي غيّر الحمدي ملابسه الرسمية على عجل واستبدلها بالزي الشعبي، وعندما وصل أدخل إلى صالة الاستقبال (الديوان باللهجة اليمنية ومعروف عن ديوان الغشمي أنه من الكبر والاتساع بحيث أنه إذا أراد شخص مخاطبة شخص آخر بعيد عنه فما عليه إلا استخدام الميكرفون (وبعد مغادرة الضيوف استبقى الحمدي لمعرفة الأمر الهام والعاجل، فجأة دخلت عليه شابتان فرنسيتان هما فيرونيك تروي (من أصل روسي ابنة لجاسوس مزدوج يدعى ديمتري تروي كان يبيع معلوماته للروس والصينيين على حد سواء وعند افتضاح أمره هرب مع ابنته إلى فرنسا) وفرانسواز سكريفانو، قيل أن الحمدي تعرف على فيرو أثناء زيارته الناجحة لفرنسا فأرادوها بقدر نجاحها أن تكون لعنة تودي إلى نهايته، بدأتا بتقبيله واحتضانه مع دخول مصور لالتقاط عدة صوركدليل للسلوك الفاضح للزعيم الذي أحبته الأمة، الذي بدلاً من التفرغ للإعداد والتحضير للزيارة التي سيقوم بها إلى عدن بعد ساعات قليلة ها هو يبذل جهداً خارقاً في حياة اللهو والمجون مع الساقطات المستوردات من الخارج؟! أستل "الجنبية" الخنجر اليمني التقليدي لاحقاً بالمصور لطعنه هائجاً كالأسد الذي وقع في المصيدة: عملتها يا غشمي.. غدرت بي يا جبان؟! وفي ثوانٍ انطلق الرصاص بغزارة وبشكل جنوني عليهم الثلاثة ! ، كانت الفكرة تصويره معهن ثم توجيه تهمة الزنا إليه وإلى شقيقه، وتسجيل اعترافه بإخلاله بالأمانة والثقة التي وضعها الشعب اليمني فيه وإذاعتها على الملأ عبر وسائل الإعلام، فيكون القرار الرحيم بتسفيرهما إلى خارج اليمن، فيدمر الرصيد السياسي الهائل الذي حصده الأول في فترة قصيرة والرصيد العسكري للثاني..

رواية ثالثة: بعد انتهاء مراسم الجنازة وهدوء الفورة الشعبية التي لم تكن كالهدوء الذي يسبق العاصفة! والزلزال، بعد محاكمة سريعة فيها من الإهانة الكثير قتل مع أخيه ثم الفرنسيتين، وهذه الرواية ارتكزت على رفض السماح لأفراد العائلة برؤية الجثتين ووسط همس أفراد العائلة بأن الجثتين المكفنتين المعروضتين أمامهم ليستا لإبراهيم وعبد الله؟!

مساء الأحد 2/10/1977 استقلت فيرو وفرنكا طائرة الخطوط الإثيوبية التي انطلقت بهما من باريس إلى أديس أبابا وبعد توقف لم يتعد الساعة الواحدة تابعت الطائرة رحلتها إلى صنعاء، ونزلت الشابتان في المطار اليمني حيث استقبلهما موظفان في الأمن العام يشبهان إلى حد بعيد الشابين اللذين أوصلاهما بالسيارة إلى مطار أورلي وسهلا دخولهما الطائرة بعد أن سلماهما الجوازين اللذين بحملان تأشيرة الدخول إلى اليمن، وأنزلت الضيفتان في سام أوتيل (يقع على بعد أمتار قليلة من مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة حيث مكتب الحمدي الرئيسي الذي كان يدير منه شئون الدولة) وهو الفندق العصري الوحيد في المدينة ولكنهما لم تستطيعا الخروج من الغرفة فقد وضعت السلطات اليمنية حراسة مشددة حولهما.. لم يعرف حتى الآن كيف أمضت الشابتان أيامهما في اليمن ولا كيف انتقلتا من صنعاء إلى تعز. وكل ما هو معروف اليوم أن فيرو بعد أسبوع من وصولها إلى اليمن بدأت تتخوف من هذه السفرة الغريبة حيث كل شيء متوفر وحيث الضيافة رائعة، ولكن حيث لا حرية في التنقل فاتصلت هاتفياً بضابط كبير من أصدقائها في باريس لأن المخابرات الدولية مؤمنة في الفندق، وقالت له أنها سجينة في قفص ذهبي ولكن سجينة حتى العاشر من تشرين الأول أكتوبر (1977).

ومثل كثير من عمليات الاغتيال الغامض لشخصيات مهمة، سيظل هناك تلهف لمعرفة الحقيقة كاملة.. فمتى؟! السؤال المهم ما الذي جعل الاغتيال يتم بهذه السرعة وبهذه الخطة المفضوحة وفي وضح النهار؟ الجواب أكيد أنها الزيارة الهامة جداً التي ستتم بعد ساعات إلى الجنوب، والتي لا يعرف عن تفاصيلها ودوافعها الحقيقية ونتائجها سوى أقرب رجلين إليه عبد الغني وعبد العالم.

عند منتصف الليل والغالبية العظمى نيام أعلن الخبر الفاجعة فظنوا أول الأمر أنه كابوس، وعندما تأكدوا أنه حقيقة عرف الجميع على الفور، الأمي قبل المتعلم، الفاعل والدوافع، وبعد تصريح الناطق الرسمي حول الحادث الذي أذيع بعد خمسة أيام وغمز بخبث إلى المنزل المتواضع (للزعيم المتواضع) الخاص بالراحة (الجنسية).

"في فترة بعد الظهر من يوم الثلاثاء الحادي عشر من شهر أكتوبر.. غادر منزله الذي اعتاد استقبال بعض الزائرين والموظفين فيه, إلى المنزل المتواضع الذي استأجره أخوه المقدم عبد الله الحمدي، وجعله شبه استراحة للاستجمام من عناء الأعمال.." ثم كلمة الغشمي بعد أربعة أيام وجاء فيها: 

".. ومع ذلك راح المغرضون ينشرون الشائعات والأقاويل، ولعلهم استغلوا عدم قيامنا بإصدار بيان يوضح ظروف الحادث، ولقد كان سكوتنا بدافع الوفاء (يقصد بالوفاء عدم إعلان تفاصيل الحادث النسائي المشبوه على الملأ )!..

علق كل من سمع أو قرأ ذلك بالقول لقد اختيرت التهمة غير المناسبة في الوقت غير المناسب، فالبيان والكلمة لم تشيرا لا من قريب ولا من بعيد إلى المكالمة الهاتفية التي بموجبها ذهب الرئيس إلى منزل النائب بلا عودة خاصة مع وجود شهود عليها، كما تم التسريب إلى وسائل الإعلام العالمية بما أسموه الفضيحة؟! وقد سئل الشيخ سنان أبو لحوم في مقابلة صحفية مع صحيفة الأيام في 2001 عن ذلك اليوم فأجاب: باختصار ذهب الحمدي إلى بيت الغشمي ولم يخرج؟!

يوم التشييع عبر الشعب عن غضبه وحزنه برمي خليفته الرئيس الغشمي بالأحذية التي نال ربيع الذي شارك في الجنازة نصيباً منها على أنغام سيمفونية حزينة صاخبة بصوت واحد تداخلت واختلطت فيها عبارتان:

أين القاتل يا غشمي؟!

أنت القاتل يا غشمي؟!

    العنوان ليس من إبداع الكاتب ولكنه مستوحى من العبارة التي كُتبت فوق ضريح الرئيس التشيلي سلفادور إليندي الذي اغتالته المخابرات الأمريكية في قصره بالعاصمة سانتياجو، وصحيح العبارة يقول: …هنا يرقد سلفادور إليندي رئيس تشيلي القادم.

زر الذهاب إلى الأعلى