أرشيف

اليمنيون يتعايشون مع الأزمات والمصاعب

يرى الكثير أن حالة الجمود الراهنة لن تنكسر إلا بالحرب وليس بالعمل السياسي

في هذه القرية التي تقع على الجبال المحيطة بالعاصمة اليمنية صنعاء، يحاول الناس التكيف والعيش بالإمكانيات المتاحة، فالشركة المملوكة للدولة التي عادة ما توزع غاز الطهي، نادرا ما تقوم بمهمتها هذه الأيام، وحتى عندما تفعل، يكون السعر مرتفعا، ولا يتم توفير التيار الكهربائي للسكان سوى لساعتين يوميا. عندما سئلت مريم المعطى، التي تبلغ من العمر 25 عاما، وهي واحدة من بين عشرة إخوة، عن أحوال أسرتها المعيشية، تشجعت وأشارت إلى نافذة ذات زجاج ملطخ بالأصباغ، كما هو شائع في القرية، حيث يوجد فرن ألمنيوم، يتم إحراق قطع الخشب المتفرقة على مساحة نحو ياردة، وقالت وهي تجلس في غرفة معيشة صغيرة حيث الوسادات منتشرة على الأرض: «نستخدم طرقا قديمة في الطهي». بدا اليمن لأشهر متجها نحو حافة الهاوية منذ رفض الرئيس علي عبد الله صالح تسليم السلطة، بعد تجمع مئات الآلاف من المحتجين في أنحاء اليمن مطالبين بتنحيه عن السلطة، على خلفية ما بات يُعرف باسم الربيع العربي.. حتى هذه اللحظة يبدو أن اليمن يتجه نحو التدهور بخطى أسرع من الجمود السياسي وأسرع من أي دولة أخرى، لكن اليمنيين تعلموا الدفاع عن أنفسهم على نحو ما، على مدى أجيال، وقد تمكن الناس هنا من التكيف مع الأوضاع.

لا يزال المحتجون المناهضون للنظام يتظاهرون في الشوارع، وينظمون الاعتصامات، في الوقت الذي تتمزق فيه وحدات الجيش اليمني بين تأييد صالح ومعارضته، وتقف مدفعياته على قمم الجبال المحيطة بصنعاء بعضها في مواجهة بعض.

على الجانب الآخر، لا يزال صالح يتعافى في المملكة العربية السعودية من الإصابات التي لحقت به جرّاء الانفجار الذي حدث في يونيو (حزيران) الماضي، ولا يعرف أحد على وجه الدقة من الذي يدير شؤون البلاد في الوقت الراهن.

لكن لم يكن التيار الكهربائي متوفرا في الجزء الأكبر من اليمن حتى قبل الأزمة، وكانت مستويات المعيشة، متدنية حتى أنه في وقت الأزمات، لم يكن يوجد رفاهية يمكن أن يُحرم الناس منها.. لقد اعتاد اليمنيون الفقر والحروب القبلية وضعف الدولة، ولا يعتمد اليمنيون على الحكومة، بل يقيمون النظام الاجتماعي الخاص بهم.. لقد تعلم اليمنيون التكيف مع الأوضاع والتغلب على الصعاب منذ مدة طويلة.

يقول علي المعطى البالغ من العمر 33 عاما وشقيق مريم: «يستطيع اليمنيون التعايش مع أي وضع.. أعتقد أن اليمنيين اعتادوا الحرب لمدة طويلة». خلال الأشهر القليلة الماضية، كان اليمنيون ينتظرون لساعات، وأحيانا لأيام، حتى يزودوا سياراتهم بالوقود، وعلى الرغم من اندلاع صراعات مهلكة في صفوف الانتظار أمام محطات التزود بالوقود، تعد أعمال العنف لا تذكر بالنظر إلى نسبة المسلحين من السكان.. يتم التعامل مع هذه الصعاب بثبات.

أما في العاصمة صنعاء، فيعاني السكان من الاختناقات المرورية التي تتسبب بها نقاط التفتيش التي يقيمها الجيش، وكذلك نتيجة غياب ضباط المرور والاحتجاجات المستمرة، لكن كل ذلك محتمل، فهناك المزيد. ويقول علي إنه عند انقطاع التيار الكهربائي يستخدمون الشموع، لكن الأزمة الحالية تعني ضرورة تحمل اليمنيين المزيد من المصاعب، ويقول رب أسرة المعطى إن هذه الأزمة هي أسوأ أزمة مر بها طوال ستين عاما، هي عمره، شهد خلالها الحرب الأهلية عام 1994، لأن المشكلات الاقتصادية لم تكن كبيرة في ذلك الوقت.

يقول المعطى، وهو يرعى ماعزا في حقل صغير للقات، أمام منزل الأسرة المكون من ثلاثة طوابق، والمطلي باللون الأحمر: «إنها أكبر أزمة شهدتها، فقد أدت إلى ارتفاع الأسعار كثيرا».

وكانت شعيرات بيضاء تكسو وجهه وبشرته سميكة خشنة، بفعل سنوات من رعاية أرضه، ويقول المعطى: «نحن نجلس هنا ونتعايش مع الأوضاع».

لدى المعطى عشرة أبناء، بينما توفي اثنان منهما عند الولادة، ولديه ابنان في الجيش، وابن يعمل مدرسا في القرية، أما باقي أبنائه فيبيعون محصول القات واللوز والمشمش في المدينة القديمة، بعيدا عن قلب صنعاء.

من الشائع بالنسبة إلى سكان القرية تقاسم الأموال بين أفراد العائلة، إنه تقليد يوفر آلية توجد حاجة ماسّة لها هذه الأيام. ويقول علي، الذي أتم التعليم الثانوي، إنه لا يستطيع العثور على وظيفة، وكان يعمل في السابق في مجال العقارات في منطقة صنعاء، حيث تبني العائلات الثرية منازل جديدة، لكن كل هذا انتهى منذ أعوام، لذا حاول العثور على وظيفة في مجال السياحة، وقال: «لقد بحثت طويلا، لكنني لم أجد أي فرصة عمل»، لذا يساعد علي أسرته بقدر المستطاع، لكنه يقضي جل وقته مع أصدقائه في القرية، كان المعطى مقتنعا بأن الحرب هي الحل الوحيد لحالة الجمود السياسي الراهنة، حيث يقول: «لن تنتهي الأزمة بحل سياسي»، لقد تذوقت القرية الحرب بالفعل، وبعد الانفجار الذي استهدف القصر الرئاسي في يونيو الماضي، أمطر الموالون لصالح داخل الجيش اليمني صنعاء بقذائف الهاون، من قاعدة على تل يطل على صنعاء، مستهدفين محل إقامة حميد الأحمر، أحد خصوم صالح السياسيين، الذي يعيش بالقرب من هنا، وقد سقطت قذيفتا هاون على القرية دون وقوع إصابات.

يقول علي: «لقد هرب جميع من في المنزل إلى الطابق الأرضي واختبأوا به.. لقد كنا خائفين من أن يستهدف بنو الأحمر قريتنا في معرض إطلاق النيران على القاعدة»، وقال وهو يقف على تل: «يمكنك أن ترى صنعاء من هنا، وكذلك الحرب الدائرة بها».

وبينما يتحدث يمكننا سماع أصوات النيران تدوي من على بعد، ربما يكون احتفالا بزفاف أحدهم، كما كان يظن علي، أو بسبب قتال عشوائي، وما أكثره هذه الأيام. يتم التعامل مع الحرب باعتبارها جانبا من جوانب الحياة هنا، وإن كان جانبا غير مرحب به، ووصفت شقيقته اليوم الذي سمعوا فيه دوي طلقات المدفعية المنهمرة على قريتهم بأنه «مرعب»، لكنها قالت إن خطر الحرب لا يجعلها تعيش في خوف طوال الوقت، بل رفضت هذه الفكرة بطريقة يمنية مثالية بقولها: «توقف عن قول ذلك، لقد اعتدنا عليها فباتت أمرا طبيعيا».

*خدمة «نيويورك تايمز»

زر الذهاب إلى الأعلى