فضاء حر

نبي جديد أو قيامة مستعجلة

تُريد أن تكتب عن البلد، فتحذف ما بدأته خمس إلى ست مرات وتخال إن سهم الكتابة الذي يظهر ويختفي في صفحة "الورد" يتأفف من هذا الملل ولا يعرف ماذا تريده بالضبط.

في حين أن الأرض تكفي لمائتي معاناة قد يكتبها الصحفي، مواضيع كُل منها على حدة بلا جهد للبحث حتى.

مثلاً الكتابة عن تبادل الاتهامات بين قائدي الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع بشأن معاناة اللجنة العسكرية من متاعب القطاعات لطريق مأرب ونهم وأرحب والاختطافات المتبادلة بين خولان وسنحان وتخريب الكهرباء، أو عن كذبة إبريل وبقية أشهر السنة بما يسمونه "هيكلة الجيش". . أو ضجيج القاعات الممهدة للحوار وعدم إتفاقها على شيء إلى حد الآن.. أو عن اللعبة السيئة لتدوير المناصب والاستبدال بِخَلف لا يختلف عن سلفه سوى بالإسم أو الإنتماء.. أو المماحكات بين قادة الحراك الجنوبي أو تهريج حكومة باسندوة دون تحقيق شيء على الأرض قد يقلل من معاناة المواطن (وفي هذا الموضوع ستنبثق لك عشرون معاناة منفصلة وأكثر)،أو عن الصحافة التي ملأت الأكشاك بأخبار متناقضة إلى درجة لا يستوعبها الفكر، او عن تنظيم القاعدة وتخاريف الزنداني والحوثي أو مغالطة الإصلاح الحقائق وتقليده دور الحكيم الأكثر حرصاً على البلد بكل خِفة ،أو دور المؤتمر الشعبي العام المُضحك بدفاعه عن حقوق الإنسان المعيشية وانتقاده لجور السلطة-كما يقول-..

حتى أنه من الخصوبة الزائدة، قد يستطيع؛ مؤلف سينمائي كتابة سيناريو لفيلم خيالي عن انعقاد مجلس النواب اليمني الفاقد للصلاحية، وأعضائه الذين يشتمون بعضهم البعض بأقذع العبارات.. وروائي بوليسي إنتاج رواية عن نصف النظام المنضم للثورة، ومسرحي لِمُؤلَف عن اللجنة التنظيمية للثورة بتناقضاتها الغبية ونضالها العجيب.. وثلاثة روائيين واقعيين، يتعاونون على تدوين العمالة التي مثل ظهور الشمس، للمملكة العربية السعودية..

أما عن الحزب الشيوعي ليحيى صالح، فقد ينال باحث دكتوراه عليه درجة الامتياز مع مرتبة الشرف عن موضوع "كيف أن الأرض يتزايد جنونها وتُخبل العقل البشري".. وعن حزب حسين الأحمر المدني الذي قد يستخدمه علماء الوراثة لشرعية حرق مؤلفات "مندل" وإمكان تزاوج جمل وثور لولادة "حمامة هجينة".

نعم، الأرض خصبة بالوجع وبإمكان أربعون شاعراً البكاء وتأليف ديوانيين منفصلين لكل فرد منهم بإلهام؛ الجهل المنظم في حاشد وفقر أبنائها المدقع وسماسرتها العابثون بمقدرات أرضها الحكومية والذين هم أنفسهم في صنعاء من يقود -كما يقولون- النضال من أجل العدالة والحرية والمساواة والـ"نهضة"..

أو عن محافظة الجوف الخالية من الصحة والمفعمة بالجهل والفساد وتهريب الممنوعات والقتل في حضور عز النهار بدم بارد واقتتال الحوثي والإصلاح على الخواء.. أو إلهام؛ الأخطاء الطبية القاتلة للمرضى وإهمال المستشفيات الغير مسؤول، والمتسولين الكثُر في الشوارع واكتظاظ الأرصفة بالمجانين، ومن يفترشون باب اليمن لـ"لقمة" عيش لا تسد جوع يوم واحد.. أو عن انتهازية التجار الذين بلا ضمير واللامبالاة المخيفة لأجهزة الرقابة الحكومية.. أو عن تعزير المملكة السعودية بنا في الداخل والخارج، وعن ميناء عدن المسروق والنفط المبيوع بأبخس ثمن..

وإن تعدوا بلاوي اليمن لا تحصوها، وإن الطفل بإمكانه سرد من يشذب المعاناة ويسقيها إذ لا يزيد عدد الأنذال عن أصابع اليد.. الأمر الذي يؤكد بأن المشكلة الكتابية ليست في شحة المنغصات، بل لأي منها تكون الأولوية وأي طريقة للكتابة تناسب صاحب الشأن المعني بالكلام أو ترغمه على قراءتك، وكون ما ستكتبه ليس بجديد على أحد؛ تحاول جاهداً خلق متعة للقارئ بالحروف لتحفيز دواخله التي ملت ذكر هذه المعضلات كل يوم.

المهم أن الحقيقة موجودة ونراها كما تراب في الشارع، بيد أن نبياً جديداً لهذه الأرض يستطيع إعادة تحقيق العدالة ومحو الظلم اللامعقول القائم أو أن القيامة المستعجلة هي الحل الوحيد كما تقول نظريتي للحل، وفقط.

زر الذهاب إلى الأعلى