فضاء حر

سرقة الثورة.. كيف ؟

في الايام والاسابيع الاولى وحتى الشهر الثاني من الثورة كان الشعب اليمني قد امتلك كل السلطة في ساحات الفعل الثوري وبينما كان الشعب يمارس السياسة بكثافة ويحدد حركة الاحداث والتطورات لأول مرة في تاريخه تقريبا كانت مراكز القوة التقليدية الداخلية والاقليمية والدولية، تساير حركة الثورة وتضبط ايقاعات قراراتها ومواقفها، كرد فعل للثورة ولما تحدده حركة الناس في الميادين والساحات، وهذا بالضبط ما تعنيه الثورة وسر انتصارها، وسبب رئيسي في ما حدث من تطورات لاحقة في اليمن بما فيها خروج صالح من راس السلطة.

غير ان امتلاك الشعب للسلطة ولزمام المبادرة السياسية لم يستمر حتى نهاية المشهد الثوري، وحتى انتصار الثورة واقرار النظام برموزه السياسية ومنظوماته العسكرية والامنية والاجتماعية بالهزيمة، وبأهداف الثورة، وعلى خلاف ذلك ولأسباب وعوامل كثيرة سرعان ما استطاعت مراكز القوى القبلية والعسكرية، ان تستعيد السلطة من ايدي الشعب تدريجيا ولكن باسم الثورة نفسها وليس من خارجها..

وتحديدا حين سلم الثوار في ساحة التغيير بصنعاء والى حد ما بتعز انهم بحاجة الى قوة اكبر منهم "عسكرية وقبلية" لحمايتهم.. فعند هذه النقطة بالذات "من مفصل اغتصاب الوعي "انطفأت" جذوة الثورة في صدورهم وكان لا بد ان يستلم قرارها ومصيرها "حماة الثورة" من "العسكر والحرامية".

 

واذا ما اراد المرء ان يعرف ما اذا كانت الثورة قد سرقت ام لا كما ازعم هنا ؟ فما عليه سوى ان يتعرف على القوى والاطراف التي يتم مراعاتها وحساب ردود فعلها ايجابا او سلبا حين يتخذ القرار السياسي في اليمن.

يعني مثلا عندما يقرر الرئيس هادي او السفير الامريكي اصدار قرارا سياسيا او يتخذ موقفا او سياسة او توجها ما يتعلق بالشأن اليمني فمن هي الاطراف التي يحرص على ارضاها او ترضيتها بهذا القرار او ذاك ؟ وهل يراعي ارضاء جماهير الشعب او شباب الثورة في الساحات الميادين وبما يرضي طموحاتهم ويحقق اهداف ثورتهم التي خرجوا من اجلها كما كان الوضع من قبل؟ ام انه يستهدف فقط ترضية او ضمان قبول مراكز القوى الفعلية "عسكرية وقبلية وحزبية سواء كانت في الحصبة ومذبح أوكانت قيادات حزبية في الاصلاح والمشترك؟

بمعنى اخر انظر الى الاطراف التي تؤثر على القرار السياسي لتعرف من بيدها السلطة وزمام المبادرة..

وبهذا المعنى فان الاجابة واضحة وهي القوى النافذة "عسكرية وقبلية واصولية" والامر كذلك منذ اقرار الجميع ضمنا او صراحة بوجود اطراف متصارعة على الثورة، ومن حولها ومنذ ان فجرت الساحات بالعنف والقتال ومنذ ان اصبحت التسوية والمبادرة تخص هذه الاطراف وتحل الخلاف فيما بينها..

طبعا هذا في العموم وفي المشهد الكلي للأحداث ونتائجه الكبيرة اما في التفصيل فثمة ايجابيات وانجازات ثورية هنا وهناك لا يمكن انكارها لكنها تظل في وعي "الثوار" وفي وعي السلطة معا جزء من مخرجات الاتفاق السياسي بين المتصارعين لا جزء من مخرجات الثورة والنضال السلمي وهنا الفرق الكبير بين الامرين.

الموضوع اذا هو في الوعي قبل ان يكون في الواقع والمشكلة هي في اغتصاب الوعي الثوري من قبل القوى النافذة داخل الثورة نفسها وليس خارجها، واذا كان هنالك من مخرج فهو في استعادة الوعي وتحريره اولا واخيرا..

وامام هذا النتيجة الحاسمة نسال هل يمكن استعادة الثورة ؟

الجواب نعم ولكن بالاعتراف اولا بسرقة الثورة من داخلها وليس من خارجها وفي التوقف اولا عن ممارسة التضليل على الذات وعلى الشعب بالحديث عن اعداء لم يعد لهم وجود او تأثير كبير على الاحداث مقابل التغطية او التغاضي عن اللصوص الحقيقيين للثورة، بدلا من العمل على تجريدهم من اللباس الاخلاقي الذي البسوا اياه ظلما، ولكن بوعي وبما يعيد تقديمهم كجزء من الثورة بل كقيادة لها لا كجزء من النظام المطلوب اسقاطه كما هي حقيقتهم.

 

ان الحديث عن استمرار الثورة مهما كانت التضحيات بطريقة ديماغوجية وانه لا يمكن ان تسرق والخروج بمظاهرات استعراضية لا اهداف واضحة او محددة يمكن تحقيقها لا يعمل شيئا سوى استمرار عملية التضليل والارباك التي مارسها خصوم الثورة ولصوصها، وبقدر ما تؤدي هذه المظاهرات الاستعراضية الى انهاك الشباب وايصالهم الى مراحل العجز والياس تماما بقدر ما تكرس هزيمة الثوار امام القوى النافذة وتحويل هزيمتهم من هزيمة مادية او سياسية الى هزيمة روحية وبالتالي اخراج مئات الشباب المناضلين، اما الى خانة المعاقين نفسيا واما الى خانة الانتهازيين والمفسدين ولكن بالفتات والبقايا.

في المقابل فان ما يقوم به طلاب جامعة صنعاء من احتجاجات متواصلة هدفها تطهير حرم الجامعة من دنس البيادات العسكرية هي في نظري الخطوة العملية الاولى لاستعادة الوعي الثوري بل واستعادة الثورة نفسها..

وهو ما يجب الاقتداء به من قبل كل من يريد الانتصار للشهداء ولكل من يريد الانتصار للثورة واهدافها.

ان الفرقة الاولى مدرع والتجمع اليمني للإصلاح يعون جيدا خطورة استمرار ثورة الطلاب في وجه العسكر داخل جامعة صنعاء وما يمكن ان يحققه انتصارهم الجزئي من تداعيات كبيرة في الوعي العام، ولدى القوى النافذة ايضا ولذلك سارعوا للتشويش على تلك الاحتجاجات وافشالها، عبر اختلاق قضية طلابية اخرى من ناحية، وعبر الاتفاق غير الاخلاقي مع نقابة هيئة التدريس "المشترك" واغراء عدد من عناصرها بمقعد رئاسة او ادارة الجامعة، وبما يسهم في اخراج النقابة من معركتها المهنية والاخلاقية الاولى/ "تطهير الحرم الجامعي من العساكر"، بل وبما يخرج اعضاء هيئة التدريس الى خانة الخيانة للمعرفة والعلم اولا وللمهنة والنقابة ثانيا.

 

نختم بالقول بان الثورة هي التضحية مقابل الثأر وبان استعادة الثورة يتم تدريجيا وبالخطوات العملية التي تعزز الثقة بدور الانسان الفرد اولا والانسان الشعب ثانيا على تقرير مصيره بنفسه وعبر الوعي والارادة والتضحية وليس اي شيء اخر.

 

*تغريدة

اذا سارع الثوار "الى ازالة الاورام التي علقت بالثورة " كما قال نعمان يوما تكون الثورة نفسها قد تحررت في الوعي.. ويكون الشعب قد استعاد سلطته المغتصبة ايضا..

زر الذهاب إلى الأعلى