فضاء حر

حوار لا وطني يبحث عن وطن

يمنات

عنوان واحد يتصدر كل الصحف والمواقع والقنوات التلفزيونية اليمنية (الحوار الوطني) فقد أصبح ثغرة النور التي يعقد عليها اليمنيين حزمة أمالهم المرتعشة في ظل ما شاهدته أعينهم من مد وجزر سياسي وعسكري خلال العامين الماضيين الذين عرفا ثورة شبابية وشعبية لم يكتب لها النجاح أو الفشل وظلت معلقة لا تدرك مصيرها أجنة أم نار تماما كأعراف يوم القيامة.

هذا الترقب الشعبي الكبير هو ما أعطى هالة للحوار الوطني، وما منح لجنته الفنية مكانة عظيمة مادية تمثلت بخمسين ألف ريال يحصدها كل فرد منهم كبدل جلسات، ومعنوية كالتغطية الإعلامية الكبيرة التي يحظون بها.

لجنة الحوار بدورها لم تحقق شيء يذكر سوى إقرارها للنقاط العشرين التي أسمتها متطلبات الحوار الوطني وأهم ما جاء فيها الاعتذار للجنوب وصعدة وإرجاع الأراضي المنهوبة إلى الدولة واستعادة مستحقات الموظفين والعسكريين المبعدين.. نقاط لم ينظر بعين الواقع إليها حينما أقرت فلو تحققت لن يكون هناك داعٍ للحوار، وكيف لها أن تتحقق في ظل الأوضاع التي نعيشها اليوم من تخبط سياسي وانفلات امني.

إذا فالجنة الفنية للحوار لا يعدو قرار تشكيلها عن كونه برتوكول رئاسي يسبق المراسيم الرسمية للمؤتمر التي لا تنبئ بخير.

فخارطة التحالفات الجديدة التي تشكلت مؤخرا توحي بحرب أهلية يتوقع أن تدور رحاها في صنعاء العاصمة، و هذا التوقع لا يستثني بلوغ المناطق الأخرى دائرة النار.

فقد اظهر النظام السابق انجذاباً كبيرا تجاه الحوثيين الذين يتهمون مرارا وتكرارا بأنهم صنيعة صالح طوال ستة حروب مضت، وان كنت لا اذهب شخصياً مع هذا الاتهام غير أن للحوثي مطامع سياسية وسلطوية واضحة لن يتوانى في سبيل تحقيقها عن التحالف مع عدوه القديم، خصوصا وان هناك قاسم مشترك أو بالأحرى ند مشترك أضحى يجمعهما يتمثل في "الإصلاح" الحزب الذي يمتلك هو الأخر جناحاً عسكريا بقيادة محسن وميلشيات مسلحة دينية وقبلية أتعبت النظام السابق أثناء فترة الثورة في كل من أرحب والحصبة وكبدته خسائر جمة.

سبق وان قال لي أستاذي المقبلي أن ما يُمهد له حالياً ليس إلا حواراً للمتبندقين، والحلقة الأضعف فيه سيكون شباب الثورة و من رافقهم من القوى المدنية الأخرى التي لا تملك أن تهدد بإشعال النار في حالة عدم الاستجابة لمطالبها.

مشاكل الحوار الوطني لا تنحصر في الشمال فقط وان كان يمثل مناطق التأزم الحقيقي لاكتظاظه بالسلاح، إلا أن الجنوب هو الأخر لا زال موقف قواه السياسية والثورية ضبابيا للغاية تجاه الحوار برغم اقتناع أغلب قياداته بالمشاركة.

ومن المفترض أن يكون الحراك الجنوبي هو الممثل الرسمي للقضية الجنوبية في طاولة الحوار الوطنية ولكن تشرذمه وتفرقة واختلافه يعزز من احتمالية إقصاءه من المشهد القادم والاستعانة ببعض الكومبارس ليدعوا أنهم الجنوب وأنهم ممثلوه ملتزمين بسيناريوهات مراكز القوى الشمالية، والتي تجهز وبشكل جيد للكومبارس المؤدين لدور الحراك.

أضف إلى مأساة الجنوب هذه أن احد أطياف الحراك الجنوبي وهو أكثرها تطرفا قد انظم إلى حلف الحوثي والمخلوع الذي يمول من إيران ويصون مصالحها في المنطقة.

يأتي هذا في الوقت الذي ينعم فيه الطرف الآخر من التسوية بمباركة (السعاودة والأمريكان) خصوصا بعد أن فقد العم سام ثقته بحليفه السابق الذي أصبح فارسياً خالصاً.

يبدو أن المسألة اكبر من كونها مجرد حوار وطني بل هو حوار الأقطاب الكبرى التي نرتهن نحن لمصالحها بحكم موقعنا الجغرافي، فأميركا والخليج تضغط من جهة وإيران وروسيا والصين تمول من جهة أخرى وكل هذا في سبيل إحكام السيطرة.

ولكن وبرغم الضغوط الخارجية، على المندرجين في الحوار أن يوقنوا انه ليس مجرد وسيلة لحل المشاكل المستعصية على الساحة السياسية وحسب بل هو سبيلنا لإقرار وتحديد شكل الهوية الوطنية التي سيرتكز عليها الدستور مستقبلاً.. لذا فالمشروع الوطني وحده من يقوى على مواجهة المشروعين السعودي والإيراني.

و بالعودة إلى الداخل مرة أخرى يرى الكثير من المتفائلين أن التوجس الذي نعيشه من احتمالية نشوب حرب أهلية سينتهي ويتبدد مع البدء في عملية الهيكلة الحقيقية للجيش وتحييده تماماً عن الصراعات السياسية، الأمر الذي سيردع كل القوى المسلحة عن إشهار سلاحها في وجه الدولة أو في وجه بعضها بعضا.

وهذا يعني و باختصار إن نجاح الحوار الوطني يعتمد على أن يكون حقاً وطني، بدءاً بالأطراف المتحاورة وانتهاء بالجيش الذي سيسد الطريق أمام خيار العنف.

وكما قال لي احد الزملاء: ( لو أن لجميع الفرقاء السياسيين أجندة وطنية خالصة لما اختلفوا أصلا في ما بينهم).

زر الذهاب إلى الأعلى