فضاء حر

جاه الله عندك يا رئيس

يمنات

فكر وقرر ولو مرة واحدة بعيدا عن المستشارين والمنافقين والمتزلفين، ومن يقولون لك ما تحب لا ما يجب.. الأحداث الأخيرة في المحافظات الجنوبية هي نتاج احتقان طويل وصل إلى مرحلة الضيق وهو ليس من صنع الأعداء والحاقدين، ولا الإصلاح والاشتراكيين، ولا الاتحاد والناصريين ولا الإماميين والملكيين، وإنما هو نتاج لفعل الفساد و الفاسدين والمسؤولين المستهترين والعابثين، والاحتكار المشين للسلطة والثروة، وغياب المواطنة المتساوية والحكم الرشيد.

ستقول لك زمرة الفساد وفرقة التطبيل لا تصدق للتهويل، لقد هزمت الاشتراكي بجيشه وطائراته ودباباته وزوارقه وسفنه، أما هؤلاء فليسوا سوى «شوية فرغ» أدسم بعضهم، وأثر الصراعات فيما بينهم، وانبش ثاراتهم، واعصر رقبة المشعب فيهم والدنيا عوافي.

أنا أعلم أن هذا منطق يريحك ويتفق مع تجاربك في الحكم، وقد نجحت فيه وأنت من خير المتكتكين، لكنك لا تتذكر أنك لا تخرج من أزمة حتى تدخل في أزمة أخرى، وكما استفدت أنت من تجاربك في التكتيك استفاد الآخرون في طرق مواجهتك وما كل مرة تسلم الجرة.

ظروف اليوم غير ظروف الأمس، أنت في عام 1994م واجهت ثلث الجنوب على الأكثر، وأنت اليوم تواجه كل الجنوب، بالأمس التف حولك كل الجنوبيين الساخطين والمبعدين والمتضررين من الحكم السابق، وأنت اليوم خالي الوفاض من ثلث هؤلاء، ومن ظل يجامل وله مصالح ومآرب فأكثر ما يفعله أن يقف على الحياد حتى تحين الساعة المناسبة وقلبه في كل الأحوال ليس مع الأوضاع القائمة.. بالأمس حارب كل اليمنيين في الشمال والجنوب دفاعاً عن الوحدة، اليوم فقد الناس الحماس للقتال تحت رايتك – صعدة مثال- لأن الوحدة بشمالها وجنوبها تحولت إلى غنيمة للنخبة الحاكمة، وفيد لأصحاب النفوذ، وظلم وامتهان للإنسان وانتهاك للحقوق، واختزل الوطن في الحاكم والمواطنون في الأسرة والنخبة الحاكمة، وما عدا ذلك فأرض فيد مباح، وغنيمة مستحقة، وأهلها أعداء حاقدون لا كرامة لهم، دماؤهم مباحة، وأموالهم مستباحة، يقعد رجال الأمن القومي على صدورهم وهم نائمون، ويضرب أطفالهم دون حياء من الله ولا خجل من الناس.

بالأمس أنت واجهت جيشاً فقد تماسكه وقناعته وقاعدته، وأنت اليوم تواجه حرب عصابات تمتد قاعدتها من المهرة حتى شواطئ عدن، وهي التي هزمت يوما ما الإمبراطورية البريطانية.

في الوقت نفسه أنت تواجه حرباً في شمال الشمال وانهياراً اقتصادياً خانقاً وضيقاً شعبياً بلغ الحلقوم، وأعداء يتربصون من الخارج، فالصهيونية ترى في تمزق الأمة نصراً لمخططها، وأشقاء يرون في عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل عام 1990 مصلحة لهم، وآخرون يعدونه براً بقسمهم لمن أيد الغزو وتنكر لمن أحسنوا إليه، وأمريكا ترحب بالفوضى الخلاقة لأن «الحجر من الأرض والدم من رأس القبيلي».

ليس هناك ما هو أسوأ من وصول الحكام المستبدين إلى مرحلة الكراهية لشعوبهم والحقد على مواطنيهم، وأخطر مشاكل أنظمة الاستبداد والحكم الفردي أن العناد يركبهم، والغرور يمتلكهم، والحمق يسيرهم، والمنافقون يعمون صوابهم، فتأخذهم العزة بالإثم غير معتبرين بتجارب غيرهم، وحتى يسقط الفاس على الرأس وحين تزل بهم القدم لا ينفعهم الندم.

أخي الرئيس جاه الله عندك قرر أن تثور على نفسك وعلى من حولك، وأن تفكر بطريقة مختلفة ولا تعتمد على التكتيك اليومي، وملاحقة الأزمات، وإنما أرتكز على إستراتيجية بعيدة المدى لبناء الدولة الحديثة دولة المؤسسات لا دولة الفرد.

أكثر الناس اعتدالاً من الأخوة في المحافظات الجنوبية ومنهم الرئيس السابق علي ناصر محمد يطالبون بتنفيذ وثيقة العهد والاتفاق والتي كسبت شرعية دولية وإقليمية ووطنية، برنامجك الانتخابي يحوي بعض بنودها، لتكن الوثيقة خارطة الطريق للدولة الحديثة، وأنت مع كل القوى السياسية قد وقعتم عليها، والتزمت حكومة الجمهورية للأمم المتحدة بتنفيذها، وباعتمادها وتنفيذها سوف تسحب البساط من تحت كل من يسعى للمكايدة ويعمل بدافع الخصومة لا بدافع وطني.

«وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون» صدق الله العظيم.

(نشر في "الوسط" عدد 157 تاريخ 18/7/2007 ، ويعاد نشره بمناسبة الحوار 6 / 4/ 2013)

عن: الاولى

زر الذهاب إلى الأعلى