فضاء حر

في خطورة محاكمة الأولى

يمنات

لجوء الأطراف المتضررة إلى القضاء ظاهرة صحية بلا مراء، إذ العدالة لا ينبغي أن تنتزع بالقوة سوى قوة القانون. ولا يخرج احتكام البعض إلى القضاء جراء ما تنشره الصحف عن هذا السياق. ومن هنا لا اعتراض على محاكمة هذه الصحيفة أو تلك، وبغض النظر عن الحكم المتوقع صدوره، إن كان لصالح الصحيفة أو خصومها.

غير أن تجاربنا كصحفيين تجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا، حتى وإن قضى الحكم ببراءة هذا الزميل أو تلك الصحيفة.. وليس في الأمر نرجسية أو غرور، كما قد يتبادر إلى الذهن.

فعادة ما يتبع أحكام البراءة إدانات قاسية نكتشف معها أن القضاء كان يعمد إلى تلميع صورته، قبل أن يفاجئنا بأحكام من قبيل حبس الصحفي أو إغلاق الصحيفة أو تغريمهما مبالغ باهظة!

ليس لدينا قضاء مستقل، وإن وجد قضاة نزيهون، ثم إن القوانين ذاتها مفخخة بعقوبات لا تتسق ومبادئ الديمقراطية وحرية الصحافة التي تجعل من الإعلام سلطة رابعة،  وربما سلطة أولى في زمن الفضائيات والإنترنت والفيسبوك.

في الفترة الانتقالية التي تلت قيام الوحدة اليمنية عاشت الصحافة اليمنية ربيعاً مزهراً، ولم نسمع أن هذه الصحيفة أو تلك أحيلت للمحاكمة، برغم السقف العالي الذي وصلت إليه في تناول القضايا، وما شابه من مناكفات وتأزيم.

بيد أن أجهزة النظام السابق وبعيد أشهر معدودة من حرب صيف 1994، اتجهت نحو الثأر من الصحافة الحرة، فتوقفت صحف عدة على رأسها صحيفة صوت العمال، وعندما تجاسرت صحيفة الشورى على الصدور مجدداً، وحافظت على السقف المرتفع في نقد النظام، وجدت نفسها في مواجهة قضايا كيدية، انتصر فيها القضاء للشورى، ثم سرعان ما خذلها في قضايا لاحقة، فتعرضت للإيقاف القضائي المسيس أكثر من مرة.

لاحقاً ومع تشكل الحراك الجنوبي، وبروز العنوان السياسي للقضية الجنوبية، تعرضت كثير من الصحف الأهلية لإجراءات تعسفية، وصلت إلى حد إيقاف صحيفة الأيام، التي ما تزال حتى اليوم تبحث عن تعويض مناسب علها تستأنف الصدور، وكذلك تنتظر شقيقتها الشورى إنصافاً حكومياً حتى تعاود رسالتها المهنية التي عرفت و تميزت بها طوال فترة طويلة من صدورها!

صحيفة الثوري هي الأخرى واجهت حصاراً شديداً وباستخدام القضاء أيضاً، ففي فترة زمنية قصيرة كان رئيس تحرير الثوري السابق مطلوباً في 13 قضية دفعة واحدة، ما دفعه لطلب اللجوء السياسي إلى المملكة المتحدة.

واليوم وفي ظل الفترة الانتقالية يضيق البعض بالأداء المهني لصحيفة الأولى، وما تنشره من تحقيقات موثقة، وبدلاً من إحالة المتهمين إلى القضاء ومحاكمتهم، يتجه المتنفذون إلى محاسبة من يعتقدون أنهم تجاوزوا الخطوط الحمراء، برغم أن الثورة الشعبية قد أسقطت هذه الخطوط وتلك الأصنام التي جرى تقديسها ردحاً من الزمن.

يحاكم الزملاء في صحيفة الأولى في ظل محاكم وقوانين النظام السابق، وهو ما يجعلنا ننبه إلى خطورة سيناريو هذه المحاكمة التي قد تستهدف الصحافة الأهلية وهي تحاول تثبيت أقدامها بالاعتماد على مكانتها لدى القارئ قبل أن تكون صدى لهذا الحزب أو تلك الجماعة.

وحتى إن قيل إن لصحيفة الأولى صلة بهذا الطرف، أو ذاك فإن أداءها المهني والشجاع والمنفتح على مختلف الأطراف، يجعلنا في خوف كبير على مستقبل الصحافة اليمنية ما دام المتربصون ينعمون بفرص إعاقة مسيرة الصحافة الحرة، فيما الصحفيون والقوى المدنية منشغلون بقضايا جانبية، وبتصفية حسابات ضيقة قد تفضي إلى تسيد الغث من الصحافة واحتجاب ما هو أصيل منها.

الحرية لـ "الأولى" و "الأيام" و "الشورى"، و لكل الأقلام الحرة.

عن: الأولى

زر الذهاب إلى الأعلى