فضاء حر

حاشد المجنون

يمنات

في 11 فبراير 2011 بثت القنوات الرسمية المصرية خطابا مقتضبا لنائب الرئيس المصري عمر سليمان اعلن فيه تنحي الرئيس حسني مبارك عقب اعتصامات قادها الشباب المصري في عدة ميادين بالمدن المصرية كان اولها واكثرها حضورا ميدان التحرير بالقاهرة.

ذات الليلة خرج عشرات الشباب في شارع الزبيري الرئيسي بصنعاء احتفاء بإرادة التغيير في بلد الكنانة وفي اليوم التالي نظم مئات الشباب مظاهرة امام حرم جامعة صنعاء تطورت فيما بعد لاعتصام طويل وكان من بين من قاد لتلك المظاهرة ووضع الخيام الناشط الحقوقي والنائب المستقل احمد سيف حاشد.

وحاشد اليوم يصنفه بعض افراد النخبة السياسية، بما في ذلك عدد من زملائه النواب ضمن فئة المجانين لكنه في نظر قوى مدنية مناضل، وبين النظرتين يكمن صراع بين ثقافتين واسلوبي حياة. الاولى تعلي شان البندقية والعنف ، والثانية تمجد ثقافة اللا عنف.

والحاصل اننا جربنا ثقافة القوة والهمجية فبقينا في دوامة التخلف وان لنا ان نتسرب الى ثقافة الديمقراطية بفوضويتها المؤقتة ولنرى اين ستمضي بنا .

اننا لا نعيش فترة انتقالية سياسية فحسب بل والى جانبها نمر بمرحلة انتقالية ثقافية تشهد صراعا بين القديم والجديد بين التقليدي والحداثي بين العنف واللاعنف بين اصوات الرصاص ومنطق التظاهر والاعتصام والاضراب بين الجنون والنضال بين القبيلة والقانون.

وفي كل الحالات بدا ظاهرا للعيان ان قافلة اليمنيين تتحرك للأمام رغم الكمائن المزروعة في الطريق.

لقد بدأت القيم التقليدية تهتز رغما من قوتها التي مازالت بادية.

حاشد المجنون احد مجسمات الصراع القيمي الدائر في المجتمع ، ولهذا فهو مجنون ومناضل في ذات اللحظة.

حاشد ليس الوحيد الذي جسد الصراع القيمي بين القديم والجديد لكنه الحالة الانسانية التي اخذت مداها الاعلامي والسياسي في هذا الصراع.

وغير ذلك هو من بين القلائل البارزين في حركة التغيير الذي اتفقت النخبة السياسية المتخاصمة على تنحيته جانبا من العملية السياسية الرسمية.

وهو فوق ذلك الذي ظل ملتزما بمسار التغيير لناحيته الحقوقية وبالأسلوب المدني مبتكرا وسائل لا عنفية جديدة على المجتمع السياسي والمدني اليمني، فإلى جوار اساليب الاعتصام والتظاهر والاضراب كان صاحب السبق في اعطاء البرلمان ذي التركيبة العسكرية والقبلية والتجارية في معظمه. نفسا مدنيا من خلال الاعتصام تحت قبة النواب والاضراب عن الطعام وربط نفسه بالسلاسل وتكميم فمه وخلع قميصه وادار ظهره لمنصة رئاسة البرلمان ، المؤسسة التي تمثل الصوت العالي للحرية والتعبير في المجتمعات الديمقراطية.

هذه الاساليب السلمية لم تشفع لحاشد في اخذ حقه القانوني فيما قطاع الطرق ومخربوا النفط والكهرباء يحضون برعاية الدولة لطلباتهم غير المشروعة .. سيبقى الصراع قائما ولعوامل عديدة وقوية سينتصر التيار الجارف للمدنية والملل من الهمجية.

عن: صحيفة الناس

زر الذهاب إلى الأعلى