فضاء حر

الإصلاح يُدين ضحاياه ويرتدَّ عن الثورة

يمنات

يُدان الضحايا في ظل الغياب الكامل للضمير ، ويُدان الضحايا حين تهيمن منظومات العدم والفوضى على العالم، ويُدان الضحايا حين يتصدّر مفلسو القيمة والضمير وعديمو النظر، والمعتوهون بكل أنواعهم تقرير مصائر الناس، وتحديد من يستحق الحياة ومن ليس من حقه ذلك.

هذه البربرية المفجعة في التعاطي مع حق الإنسان والتلاعب بها ، وهذا التصحر اللاخلاقي الجاف والفاقع في وقاحته ، وهذه العدمية من الحس والعدمية من الأخلاق وصفْر الضمير، يصبح الحديث في ظلها عن إنصاف الضحايا والتضامن معهم بمثابة تهريج وعربدة في مأتم، وبمثابة مأتم عزاء في حفل عرْس.

قال أحد المفكرين بأن العصور التي تنحاز إلى إدانة الضحايا لا شك بأن رجالها في الزمان والمكان الخطأ، والخطأ في الدور الذي يمارسون من خلاله تلك الإدانة ونحن وبلا شك رجال في زمن ومكان خطأ وإلا فما من ضحية إلا ويجب أن نبادر على الأقل بالتضامن معه.

هذا التصحر الأخلاقي يعكس عمى الأيدلوجيا التي سيطرت على معظم اليمنيين وأصبحت الايدلوجيا العمياء هي الحاكمة أما الأخلاق والمبادئ فقد أصبحت من نصيب عالم آخر.

لم يستفزني ناشطي الإصلاح أو اليسار في تعاطيهم اللاخلاقي مع جريمة حدثت أمام مبنى الأمن القومي ، كنت أحسبه شيئا من ردة فعل وحذلقة وما شابه ، ما استفزني هو أن يتم التعاطي بنفس تلك الوتيرة من قبل وسائل رسمية تعبر عن منظومات سياسية تشارك في الحوار وتتعامل مع المرحلة على أساس أنها مرحلة توافق.

قبل قليل قرأت عنوانا رئيسيا في موقع الصحوة نت التابع لحزب الإصلاح العنوان جاء كتعليق على المجزرة بحق الشباب وكان العنوان كالآتي"الحوثيون .. من محاولة تعطيل الحوار إلى مهاجمة الأمن القومي"

وهو ما يعني أن الأمن القومي أصبح جهازا مدنيا وكل تظاهرة سلمية ضده تعتبر جريمة..

وهو ما يعني أن الشهدا ء الذين سقطوا أمام ملعب الثورة كانوا مجرمين لأنهم تظاهروا امام منشآة مدنية.

وهو ما يعني أن الشهداء الذين سقطوا أمام بنك الدم كانوا مجرمين لأنهم توجهوا إلى مبنى رئاسة الوزراء وهو منشآة مدنية..

وهو ما يعني أن شهداء الكرامة كانوا مجرمين لأنهم اعلنوا الزحف والتوسع باتجاه كنتاكي وتعتبر مركز حساس وحي..

وهو ما يعني أن 180 شهيدا سقطوا في جولة كنتاكي كانوا مجرمين أيضا لأنهم أرادوا مهاجمة مباني حكومية وأرادوا الرئاسة..

وهو ما يعني أن الشهداء الذين سقطوا في مسيرة الحياة مجرمين أيضا لأنهم أرادوا ان يمروا من ميدان السبعين..

وهو ما يعني أن الشهداء الذين سقطوا في عصر والستين وشارع الجزائر كانوا مجرمين لأنهم توجهوا إلى مباني ومنشآت حكومية..مدنية أو عسكرية..

وهو ما يعني أن أبطال وأشاوس الإصلاح الذين قتلوا في معسكر الصمع كانوا مجرمين لأنهم أرادوا اقتحام الصمع وبالسلاح..وكذلك في نهم..وهنا فارق "السلاح"

وهو ما يعني أن أبطال الحصبة وأشاوس حاشد كانوا مجرمين أيضا لأنهم اقتحموا بالسلاح منشآت حكومية منها مبنى وكالة سبأ وعدة وزارات أخرى..

وهو ما يعني أن كل القتلى الذين سقطوا في تظاهرات سلمية منذ 2011 كانوا مجرمين وبقتلهم كان صالح ينفذ القانون ويحافظ على النظام..

تعاطي الإصلاح وناشطيه مع ما حدث اليوم أمام مبنى الأمن القومي يجب أن يسري على كل الأحداث وبآثر رجعي حتى على ضحايا الإصلاح أنفسهم…وذلك يعني تخلي الإصلاح عن ضحاياه وارتداده عن مبادئ ثورية كان قد أعلن اقتناعه بها..

وبهذا التعاطي يتضح أن الإصلاح حين أقر بقانون الحصانة لم يكن بمحض التسوية ، بل كان بناء على قناعة تامة بأن علي صالح كان ينفذ القانون في كل ما ارتكبه بحق الشباب العُزل وكذلك بحق مسلحيه ، إذا فالإصلاح خرج على الحاكم الشرعي وهو الآن مدان ومجرم ويجب محاكمته أولا قبل علي صالح ومعاونيه.

 

ولو حسبناها بالرقم لكان مجرمي الإصلاح أكثر بكثير من مجرمي الحوثي ، بهذا التعاطي الذي يناقض منطق كل الكائنات الحية والميتة ولكن الإصلاح يأبى إلا أن يدين نفسه ويدين ضحاياه ويدين كل الضحايا.. وهنا تكون الخيبة وحدها التي تجعل موازين عالمنا رأساً على عقب. ذلك يعد تمهيدا من براطعة البشر في هذا العالم، لتوريط الضحايا بمزيد من الخيبات بإدمان فعل الإدانات والتوغل بشكل مرعب في الأيدلوجية العمياء ، وفتح الباب على مصراعيه لمصاصي الدماء وهواة القتل والجريمة.

وهنا أجد نفسي متضامنا مع الضحايا من أي صنف وتحت أي انتماء.

زر الذهاب إلى الأعلى