فضاء حر

التباكي علي الوحدة المغدورة

يمنات

 ( يالاشتراكي ابحث لك عن وطـن ) كانت هـذة الكلمات الاولـى التي صفعت مسامعنا ونحن نتنقل بـين ازقــة صنعاء وحواريـها، التـي تفتقر للاسماء والارقام بحثا عن مساكن، بـعد انتقالـنا اليها مـن عــدن، وكان الاعتقاد السائد عـند البعض حينها ان هذة حماقة اطـفال ليس الا، لكن كما جرت العادة وعلمتنا التجارب ان مايقولة الكبار خلف الابواب الموصدة اومايفكــرون بة بصـوت عالـي ومسموع ينـقلة الاطـفال الـى العلن..

والواقع ان الحيرة لـم تـدم طويـلا، اذ ادلـى بـعدها بوقت قصير الشيخ الاحمر بتصريح  لصحيفة فرنسية بقولة ( ان مكان هؤلا السجون وليس كراسي الحكم ) والمقصود هنا طبعا الجنوبيين، فبعد تجريدهم من دولتهم وجيشهم ووظائفهم، لابد ان يكون مصيرهم السجون والمنافي الداخلية والخارجية، وقد كان رجع صدى ذلك القول العديد من الممارسات على الارض:-

1-   التنصل المبكر عن كل الاتفاقيات الوحدوية قبل ان يجف حبرها للاستئثار بالحكم والمقدرات.

2-   الاغتيالات المتتالية لاعضاء الحزب الاشتراكي وكوادرة، لارغامهم على الاستسلام لعقلية القبلية – الطائفية الاستعلائية القائمة على خرافات التفوق والنقاء العرقي بعد ان تم  اختزال الجنوب كلة بالحزب الاشتراكي، (والجنوب في نظرهم مجموعة من الهنود و الصومال وغيرة من الجنسيات التي لابد من شحنها في صناديق واعادتها الى اوطانها الاصلية، وهذا مانجد صداه  يتكرر في اكثر من مناسبة لا نقول كان اخرها ما ورد على لسان الشائف تجاة رئيس الوزراء باسندوة ، والذي لا يخرج عن هذة النظرة الدونية تجاة الجنوب واهلة ).

3-   تعميم نظام الجمهورية العربية اليمنية القبلي – الطائفي الذي لاتربطة بالقرن العشرين اى صلة قرابة اونسب، وانما يمتد بجذورة الى عصور الاذواء والاقيال والائمة من بعدهم، والذي كان نظام صنعاء يفاخر بانتمائة الية، ونجد صدى ذلك عند البعض الذين مازالو يعيشون على التوقيت الامامي بقولهم (كان الامام يطالب بالجنوب)

4-   تعميم سياسة الفساد والافساد والمحسوبية اللاقانونية، واحياء النزاعات الانتقامية والثأرات القديمة…

     والحقيقة ان توسيع النفوذ الامبراطوري  للجماعات القبلية – الطائفية  ومدة الي الجنوب من قبل الجماعات الحاكمة في صنعاء ملكية وجمهورية يتغذى تاريخيا علي عوامل ثقافية – طائفية – سياسية – اقتصادية اكثر من كونها سياسية طارئة نتيجة الوحدة الفورية، وما نجم عنها وما رافقها من ازمات، و يمكننا احالة ذلك للتاريخ، فالمتتبع للتاريخ اليمني على المستويين القريب والبعيد يمكنة الجزم، بأن الازمة التي تفجرت عقب الوحدة مباشرة، لم تكن وليدة اللحظة الزمنية الممتدة من(90-1994) عمر الوحدة الفعلي، وأنما لها جذور تغذيها علي جميع المستويات ، وكما تقول البديهية الاغريقية القديمة (لاشيء يحدث من لاشيء) ورغم تقادم الزمن علي هذة المقولة الا انها مازالت تفعل فعلها في الحياة اليومية ، فالجماعات القبلية – الطائفية ومن يقف معها من شيوخ الارهاب ومريديهم الموغلين في فنون النبذ، والالغاء، والقتل، والغدر لكل ما هو تقدمي وحضاري، لا يمتلكون اى وعي معرفي بالوحدة سوى الوعي التقليدي  المبني على مخلفات العصور الديناصورية، الضم والالحاق ،مع ان مفهوم الوحدة في ابسط صورة واشكالة وتعريفاتة لابد ان يقوم على التعدد والاختلاف وبين اطراف متساويين في الحقوق والواجبات ، وليست بين جماعة تعتبر نفسها محتلة ،وجماعة واقعة تحت الاحتلال..حيث ان عملية التوحيد هي عملية سياسية اجتماعية، تقوم على احتكاك عناصر وابنية مختلفة ببعضها البعض بهدف التنسيق اولا ودمجها ثانيا بعد ازالة عناصر وأسباب الاختلاف والتباين وتنمية عناصر الاتفاق والتشابة بين البنى المختلفة، الامر الذي يسمح في نهاية المطاف بعملية الدمج الاجتماعي وهذا ما رفضتة وترفضة النخب الحاكمة تحت مبرر عودة الفرع للاصل ، ناهيك عن البترول، والثروات المعدنية،والثروة السمكية، وميناء عدن والتي يمكن رفعها الي عقدة العقد المتأصلة في الوعي  الجمعي للائمة القدماء الجدد واطماعهم في الجنوب، ففي تصريح للامام احمد بجريدة النصر الرسمية في15-2-1957 قال فية (نحن نعرف تشبث الانجليز وعنادهم، وهم ما ياملونة من وجود البترول في معظم مناطق الجنوب، واظن ان الانجليز يظنون لو وجدوا البترول لاختصوا بة، وهذا من المستحيلات ولابد لليمن من ان ياخذ نصيبة ).

     فالنظرة القديمة الجديدة للجنوب هي نظرة احادية كونها ارض الثروات الطبيعية، فكان حلم الامام القديم ينطلق من توسيع رقعة مملكتة وزيادة التدفق المالي في خزينتة (صندوق المال الخاص)، وانتقلت هذه النظرة الالحاقية كاليقين النظري الى اولئك الذين يعتبرون انفسهم الورثة الشرعييين للائمة، فهذة النظرة الالحاقية حالت دون نشؤ فلسفة المواطنة علي مستوى ( ج .ع ) قبل الوحدة وعلي مستوى ( ج. ي ) بعدها، والوقع ان هذة المقولات لاتؤسس لاي مشروع وحدوي، وانما تكرس نظرية الغاء الاخر واستبعادة واستعبادة، لأن اى مشروع وحدوي لابد ان يكون نقيضا لهذة المفاهيم والمقولات (الماضوية) التي يتم اسقاطها تعسفا على الحاضر، الذي يشهد عصرنة لنظم الحكم والمجتمع واحلال قيم الديمقراطية وحقوق الانسان…

زر الذهاب إلى الأعلى