فضاء حر

سوريا.. أسئلة حارقة ومقارنات بائسة

يمنات
أيهما أرحم الاستعمار أم الصهيونية أم الدكتاتورية الداخلية؟!
أيهما أحسن العسكر أم الإخوان المسلمون؟
أيهما أرحم بقاء الأوضاع في السودان على حالها أم التدخل الأجنبي؟!
أيهما أفضل للعراق تسليمه لإيران وللاتجاهات السلفية الشيعية “ولاية الفقيه”، أم للسنية الجهادية والتكفيرية؟!
ولعل سوريا الآن تهيئ للقبول ليس بطرح السؤال الفاجع والمفجوع:
أيهما أرحم التدخل الأمريكي المدعوم والممول من المال العربي “والنجدة العربية “الشهمة! أم بقاء القتل وتدمير مدن سوريا بعد العراق؟
لا بد من دراسة الترابط الجدلي والعميق ما بين الصهيونية والاستعمار والامبريالية كأعلى مراحل الاستعمار، وقراءة العلاقة ما بين الاستعمار والصهيونية والمرجعيات العربية ومصالح النفط، وما بين الدكتاتوريات العربية والاستعمار.
في سوريا ظلت الاحتجاجات السلمية تجوب الأرياف من حول المدن الكبرى، نتيجة القبضة الأمنية الحديدية على المدن، ثم انتقلت إلى قلب دمشق وحلب وحمص وحماه وغيرها.
واتسعت دائرة التدمير للمعارك، واستخدام مختلف أنواع الأسلحة والاعتقالات والاغتيال، واكتفى الرأي العام الدولي بالإدانة والاحتجاج.
لم تكن الاحتجاجات السلمية مقبولة من الحكم الفاشي، بمقدار الذعر منها في المنطقة كلها، فالجوار التركي والعربي لا مصلحة له في انتصار ثورة شعبية سلمية في سوريا أو في أي قطر عربي، وإسرائيل قد عانت كثيراً من الانتفاضة الأولى السلمية، لأنها أظهرت الوجه الفاشي البشع للواحة الديمقراطية في الغرب، بعد عجز جيشها وأمنها عن قمع ثورة أطفال الحجارة، التي تنبأ بها الفنان التشكيلي الشهيد ناجي العلي، قبل بضع سنوات.
لإسرائيل مصلحة في تدمير سوريا، ولكن أيضاً لا مصلحة لها في انتصار ثورة شعبية سلمية.
وقد عانت وجربت المواجهة مع الجيوش العربية، وانتصرت بقوة على عسكرة الانتفاضة الثانية التي أتاحت لإسرائيل مد مستوطناتها الى مختلف مناطق الضفة الغربية، بما فيها القدس.
خلال الأشهر ال6، واصلت أمريكا واروبا إصدار البيان تلو البيان، تلو البيان، مطالبة الأسد تارة بالرحيل، وأحياناً بأهمية الحل السياسي.
كافة الثورات الشعبية السلمية مزعجة للجوار كله.
الثورة الشعبية السلمية عدو مشترك للجوار كله، وخطرها يمتد إلى أبعد من الجوار.
النظام السوري وحلفاؤه لا يرون غير الحل الأمني، وأعداء سوريا أعداء الثورة السلمية يجدون في عسكرة الثورة أولاً، ثم في دفع “جيش النصرة” السلفي الجهادي الممول من دول الخليج، وعلى رأسها السعودية وقطر، والمدعوم من تركيا، الوسيلة المثلى للخلاص من النظام والثورة الشعبية في آن.
لتركيا حساباتها كدولة إقليمية تريد إيصال بضاعتها ومد نفوذها واستعادة مكانتها، خصوصاً مناطق نفوذها التاريخية.
أما السعودية ودول الخليج فإن خطر انتصار ثورة شعبية سلمية، أكبر من خطر “نظام علماني” بين مزدوجين، تعايشت معه طويلاً، وإن كان ذلك لا ينفي وجود عداوات معه من كل نوع، بما في ذلك الثأر.
وللأمر علاقة بالاتجاه الأمريكي في المنطقة، الذي لا يريد بقاء هذه الأنظمة الشائخة، ولا يرغب في نفس الوقت أن يكون البديل “ربيعاً عربياً” يهدد سياستها ومصالحها.
أمريكا وأوروبا مساءلة من شعوبها عن دعم ومساندة أنظمة فاشية. إذن، فالحرب هي إرادة عامة، تقاطرت على سوريا ألوان وأجناس من أفغانستان والشيشان والعراق والأردن، أما أبو يمن فقد فتح له باباً للجهاد الشغل، واشتغل تجار الحروب كمقاولي أنفار في سوق نخاسة، وتشاركت عدة أطراف في الحكم وخارجه لإرسال “المجاهدين”، وفتح خط يومي بين عدن وأنقرة لإرسال المجاهدين بالمئات والآلاف، بعد أن تركوا أبين راغمين.
نتساءل: لماذا تدعم دول الخليج والسعودية “المجاهدين” في سوريا، بينما يحاربونهم في مصر؟
لماذا حرصت كل الأنظمة التابعة للغرب على عسكرة الثورة، وعلى الزج بسوريا إلى أتون الحرب؟ تركيا الإسلامية صديق لإسرائيل، وعضو في الناتو، وتدغدغ عواطف الخلافة الإسلامية السنية في مواجهة إيران الشيعية. سلاح الطائفية بائع في المنطقة، فبه دمر العراق، ويذكي الصراع في لبنان واليمن. الحرب المدمرة في سوريا ولبنان خانها الطائفي كثيف، فحزب الله المقاوم لإسرائيل يتبنى “ولاية الفقيه”، وهو ما يجعله في صراع مفتوح مع “السنة”، وفي خلاف مع جزء مهم من الشيعة، وهو ما يدفعه للحرب في سوريا بنفس الحماس للقتال ضد العدو الإسرائيلي، إن لم يكن أكثر.
تجر المنطقة كلها إلى صراعات من كل لون طوائفية ومذهبية وقبائلية وجهوية، ويغيم أفق الربيع العربي لتحل الصراعات الكالحة محل إرادة الخلاص من الأنظمة “العسكر قبلية” في سوريا واليمن والعراق وليبيا، فاليمن الذي أدهش العالم، وهو المدجج بالسلاح، باحتجاجاته السلمية في الجنوب (الحراك)، وفي مدن الشمال (ثورة الشباب)، تحول بغتة إلى صراع القبائل والطوائف وثارات داحس والغبراء، بعد أن انضم لهذه الثورات ألد أعدائها.
من الصعب القول إن أمريكا الإدارة وأوروبا الأنظمة حريصان على قيام أنظمة ديمقراطية حقيقية في الوطن العربي، فالأولوية للمصالح، وما أضخمها في هذه البلدان.
دمر العراق في تحالف ثلاثيتي شارك فيه الحكام العرب (مصر سوريا)، ومول من دول النفط، بزعامة أمريكا وأوروبا، ثم سلم العراق لإيران، ليتحول إلى بلد تصارع طائفي وأمني.
ولم يكن تدمير العراق “مؤامرة”، وإنما تحالف دولي معلن، ووفر نظام صدام الحجج والبراهين والجرائم الكثيرة، والتي ليس من بينها قنبلته النووية أو كيماويه المزدوج.
يتكرر السيناريو في سوريا: حكم الأسد في سوريا اتسم بقدر كبير من الذكاء السياسي، عكس صدام تماماً، خاض الحرب في لبنان عام 1975، بدعم عربي وأمريكي، واطمئنان إسرائيلي، واشترك في التحالف الدولي للحرب على العراق ضمن المخطط الأمريكي، وللحصول على حصة “المجهود الحربي”، ولتصنيفه الصراع الحزبي بين جناحي البعث، ومع صدام.
هادن النظام إسرائيل أكثر من ثلث قرن، ودعم وأيد “الصمود والتصدي والجبهات الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية (الشعبية والديمقراطية ومجموعة جبريل القيادة العامة)، وطوال السبعينيات والثمانينيات كانت سوريا الملاذ الآمن للكثير من حركات التحرر العربية والمعارضات السياسية للأنظمة الرجعية، وصولاً إلى قيادات حماس.
كانت سوريا سباقة الى التوريث، وكان التوريث الكارثة ثمرة من ثمار الديكتاتورية والاستبداد والفساد الذي غرقت فيه سوريا، إضافة إلى الصراع العائلي على الحكم.
استطاع بشار تغيير الدستور عبر النواب خلال دقائق، ولم يكن معروفاً ولا واجهة سياسية.
مشكلة النظام بالأساس داخلية، فالطابع العلماني للنظام قد تآكل، وبرزت الطبيعة الطائفية والأسرية، واشتدت القبضة الأمنية حد إخماد أي نفس يدعو للحرية والديمقراطية والعدل والمواطنة.
لم يكن تريث أمريكا والغرب وتباطؤهما عن تأييد الثورة إلا انتظاراً لتصاعد العنف في سوريا، ومزيدا من التقتيل والتهديم والتخريب لأول عاصمة في التاريخ الإنساني (دمشق)، ولتهديم مدينة الدولة العربية الإسلامية، وحلب وشقيقاتها.
تريد أمريكا أن تقنعنا أنها وإسرائيل تريد بنا من حكامنا الجلاوذة.
يريدون أن يوصلوا الموطن السوري حدود القبول بهم كمنقذين، أما الحاكم السوري فلا يهمه شيء غير السلطة التي هو مستعد أن يدمر بها ومن أجلها شعبه وأمته.
يتوثب الاستعماريون القدامى والجدد وحلفاؤهم العرب والأتراك، لإسقاط سوريا، ويكون موقف روسيا نفس الموقف من نظام صدام، فللروس أيضاً مصالحهم التي لا تختلف عن مصالح الدول الاستعمارية.
ما ينبغي قراءته وإعادة قراءته موقف السعودية ودول الخليج، فالسعودية ودول الخليج ممول رئيس لجيش النصرة الذين يقول فيهم بروزنسكي، مستشار الأمن القومي الأسبق: “إنهم أنامل الله الذهبية الذين تقتل بهم أمريكا أعداءها دون أن تلطخ أياديها بالدم!”.
زيارة مسؤول المخابرات السعودية لروسيا، وسعود الفيصل لفرنسا، وتصريحات الملك عبدالله من حول مصر، كلها تخلق أوهاماً لصرف الأنظار عن حقيقة ما يجري في سوريا، وأنه ليستحيل أن تنصر العرب في مصر، بينما تحاربهم في سوريا.
يشارك النظام والمقاتلون ضده والمناصرون لها في الحرب في تدمير سوريا، ورهاننا أن تتمكن سوريا من الخلاص من كوارث النظام الداخلية، وجحافل الإرهابيين الممولين من دول النفط، ومن الاستعمار القديم والجديد وحلفائهم الحقيقيين: إسرائيل، والمستعمرين الجدد.
الحكم في سوريا وإيران وحزب الله هم وجه من الوجوه الكوبرائية لكارثة سوريا.
عن: الأولى

زر الذهاب إلى الأعلى