فضاء حر

وإذا الأقاليم دُشّنت !

يمنات
أشك في أن تكون فكرة الأقاليم معبرة عن مشروع حقيقي وعملاني وأقطع بأنها موضة فاسدة ، لا تصلح لليمن فلا الشعب يفهم الموضة ، ولايوجد لدينا نجم سينمائي ليرتديها فيضفي عليها قبولاً شعبياً من باب التقليد ، وهنا يمكن أن نضع مكان الموضة (ثقافة) ومكان النجم (قائداً) ، و نعلم يقيناً أننا نفتقر للأمرين معاً ..
كنت قد اخترت لهذا المقال (الإقليمي) عنوان ( الأقاليم بديلا عن الأحزاب ) على أني شككت في قوة تعبيره عن مضمون المقال فقطعت باختيار هذا العنوان ( وإذا الأقاليم دشنت ) تأسياً بلغة القرآن الكريم في سورة ( التكوير ) .
وأما سبب التسمية المعدول عنها فذلك لأن من قاموا بإعلان أقاليم الأسبوع الفائت فاتهم أن الإقليم ليس حزباً تشكل لتدشينه لجنة تحضيرية ثم يُفتح باب القبول والانتساب إليه ، كما فاتهم أن المعلن للإقليم يجب أن يتمتع بشرعية تخوله هذا الإعلان والتحدث باسم محافظة أو محافظين أو أكثر ، وكان لافتاً بالنسبة لي أن تجتمع في منصة واحدة لإعلان الإقليم شخصيات متهافتة سياسياً وإعلامياً وبعضها ذات خصومة على المستوى الحزبي والسياسي والإعلامي وكأن الإقليم والشعور بالانتماء المناطقي كفيل بتبخير تلك الخصومات والخلافات والانتماءات المتضاربة وهو أمر لايعدو كونه بروبغندا ليس أكثر بل لعله أقل ..
ولئن كان إعلان إقليم الجند قد جاء من خارج مؤتمر الحوار وخارج موفنبيك تعبيراً عن مواقف مشتركة لمن وقعوا على المبادرة الخليجية ومن رفضوها في آن معاً في حالة تناقض صارخة فإن إعلان إقليم سبأ من داخل مؤتمر الحوار وفي إحدى منصات موفنبيك ليظل في ظله متناقضين سياسياً وإعلامياً ولا تجمعهم إلا محافظاتهم التي هجروها منذ زمن بعيد إلى صنعاء وغير صنعاء يُعد تعبيراً آخراً عن حجم التناقض القائم ومدى الفشل الذي أصيب به مؤتمر الحوار على عكس مارأى سفير واشنطن المغادر بانتهاء ولايته على اليمن جيرالد فيرستاين .
وإذا كنت أشك في وجود رؤية واضحة وهادفة وحقيقية تستبطنها أو تستظهرها مسألة الأقاليم وتحمل مشروعاً وطنياً ناجعاً فإني أقطع بأن المسألة برمتها تستهدف القضية الجنوبية ، فتوزيع أراضي الجنوب بمحافظاتها الست وتنازعها بين الأقاليم المعلنة وتلك التي في طريقها للإعلان أكبير تعبير عن الالتفاف على القضية الجنوبية وأما من يتحدث عن أقاليم في نطاق الشمال وأخرى في نطاق الجنوب كلا على حدة فإنه يجهل أو يتجاهل التداخل الديمغرافي الذي استحدثه التقسيم الإداري المقر بعد حرب 94م ، علماً أن كاتب المقال ينتمي إلى إحدى المناطق المتداخلة على الحدود الشمالية الجنوبية* والتي قد نتحول مع آثارها الشنيعة إلى مايشبه ( البدون ) في دولة الكويت الشقيقة ، وأخشى ما أخشاه أن أضطر وسواي من المتضررين من هذا الأمر إلى إعلان إقليم (البدون) ونقوم بعمل مناوشات على أقاليم الشمال وأقاليم الجنوب على حد سواء حتى نسترجع هويتنا المسلوبة .
كما فات أصحاب الأقاليم (المدوشنة) أن من أهم خصائص الأقلمة هو التجانس ومن المعروف أن مثل هذا غير متوفر في ما أعلن عنه وكذلك المزمع إعلانه حسب تسريبات إعلامية .
وأخيراً وليس آخراً أشك في أن المعلنين عن الأقاليم قد سألوا أنفسهم عن موارد الأقاليم التي أعلنوا عنها والتي بعضها لايمتلك غير ( القات ) حسب تعليق ظريف في الفيسبوك ، وأقطع بأنهم سألوا عن مواردهم أنفسهم كأشخاص مع احترامي للطيبين منهم والذين أعتز بصداقة بعضهم ، ودوماً كل الأمور تعيدنا إلى مربع الأزمة الأخلاقية فضلاً عن أن كل مايحدث في سياق تدشين الأقاليم من داخل وخارج الحوار يعبر عن أزمة سياسية مزمنة لم تراوح الحلول الجزئية والترقيعية وبعيدة عن أية نظرة استراتيجية لحل مشكلات البلاد والعباد .. ولله في خلقه شؤون !!! .
لكزة …
عندما يغيب المشروع الوطني الكبير تحضر المشاريع الصغيرة ، والأدهى والأمر أن تتحول الوحدة اليمنية إلى أصغر هذه المشاريع على الإطلاق..

زر الذهاب إلى الأعلى