فضاء حر

لماذا يتصدر المثقفون الحرب ضد حركة انصار الله؟

يمنات
نشأت حركة انصار الله في ظروف اقتصادية وسياسية ومجتمعية مليئة بالتناقضات والتناحرات والصراع الطبقي، في ظل نظام حكم اسري قبلي عسكري رجعي كان يتجه لتوريث السلطة والدولة من الاب الى الابن، برز مشروع التوريث بقوة وسخر المركز كل امكانيات الدولة لخدمت ذلك المشروع الشخصي العائلي الشخصي،
برزت التناقضات والصراعات والتناحرات داخل العائلة والبيت الحاكم وداخل الدائرة الضيقة لمركز صنع القرار عقب ظهور مشروع التوريث.
هرب النظام من ازماته المتفاقمة لشن حروب على محافظة صعدة و نشأت الحركة من رحم الحروب الاجرامية البشعة الذي شنت على محافظة صعدة بمبررات وجود حركة امامية كهنويتية ظلامية تريد اعادة حركة التاريخ الى الوراء بإعادة الامامة وحكم الائمة الزيدية.
قال النظام انها حركة مدعومة من الخارج من ايران تحديداً، شنت حروب وحشية ست في ظل تعتيم اعلامي محلي ودولي غير مسبوق حروب خارج الزمان والمكان هدفها استئصال شريحة وفئة اجتماعية ومذهبية تحمل فكر زيدي ثوري يناوى الحاكم الفرد المستبد.
و كانت السلطة تخرج من كل حرب مهزومة مندحرة وتتوسع الحركة المتمردة المسلحة التي تدافع عن حقها الوجودي في الحياة وممارسة حرية الفكر والمعتقد.
واكب تلك الحروب حملات اعلامية شرسة من اعلام السلطة الفاسدة حملة زائفة مفبركة شنت ضد من اطلق عليهم المركز تسمية الحوثيين الاماميين.
و الى هذه اللحظة لازالت الطبقة السياسية والمثقفين واصحاب الراي غير مستوعبين لفكر الحركة وحقيقتها وثوريتها ومنطلقاتها الوطنية المناهضة للظلم والفساد والامبريالية، و كونها حركة ثورية حركة تحرر وطني تهدف لتحرير اليمن من الوصاية والتبعية والارتهان للأجانب.
النخبة المثقفة لا تنطلق في مواقفها وتحليلاتها للحركة وللوضع اليمني اليوم من فهم مفصل للعوامل السياسية والادلوجية واساسها وتأثيراتها في التحليل الذي تقوم به للوضع الراهن.
تلك الطبقة تنخرط اليوم بوعي وبدون وعي في شن حملة اعلامية شرسة ضد انصار الله ونزعتهم التحررية، ولكن الدارس المتعمق في بحث الظاهرة سيجد ان الطبقة الحاكمة المسيطرة المستغلة “مراكز القوى العسكرية والقبلية والدينية” هي المسئولة عن ارساء تلك الافكار والمؤسسات الفكرية والاعلامية لحماية النظام الاجتماعي الذي يخدم مصالحها.
تمكنت الطبقة الحاكمة التي هي اليوم على وشك الاحتضار من تحقيق استمرارها في السلطة من خلال ملكيتها للوسائل المادية للإنتاج وسيطرتها عن طريق الدولةعلى السلطة المادية.
يقول ماركس وانجلز “والطبقة التي هي القوة المادية المسيطرة في المجتمع هي في الوقت نفسه قوته الفكرية، فالطبقة التي تضع تحت يدها وسائل الانتاج المادي تسيطر في الوقت نفسه على وسائل الانتاج الفكري.
ومن هنا فإن أفكار اولئك الذين يفتقرون الى وسائل الانتاج الفكري تخضع لها عموماً، وهكذا اعلن ماركس وإنجلز في البيان الشيوعي إن: “الافكار الحاكمة في كل عصر كانت دائماً أفكار طبقته الحاكمة”.
و الحق ان الطبقة الحاكمة المسيطرة تدرك ان عليها لكي تبقي على حكمها المادي ان تبقي على سيطرتها على اذهان الناس. فلابد ان تربط القوى الفكرية في المجتمع بها، وتكفل انتشار الافكار التي تعبر عن سيطرتها وبهذا تمنع اي تحد لهذه السيطرة.
و كل طبقة تلعب دوراً ايجابياً في التغيير الاجتماعي تجد دائماً ممثليها الفكريين، و للطبقة الحاكمة دائماً كوادرها من المثقفين اللذين لا يشكلون طبقة منفصلة مثلهم مثل المديرين والموظفين.
صحيح ان هذه الاقسام المتخصصة تكتسب من وقت الى اخر مصالح خاصة بها وتتدرب على تهيئة امورها الخاصة، بل ان هذا يمكن احياناً كما قال ماركس و انجلز في “الايديولوجية الالمانية” ان “يتطور الى نوع من المعارضة والعداء” بينها وبين الجزء الرئيسي من الطبقة الحاكمة ولكن “اذا حدث صدام عملي تتعرض فيه الطبقة ذاتها للخطر” فإن هذا دائماً “ما ينتهي أوتوماتيكياً إلى لا شيء” و نستطيع ان نلحظ ذلك اليوم: فكثير من المثقفين الذين يتحدثون أو يكتبون عادة أقسى العبارات ضد مراكز القوى العسكرية والقبلية والدينة يلتفون حولهم بقوة اليوم حيثما تعرض النظام ذاته للخطر.
و يشكل مثقفوا الطبقة الحاكمة _طالما ظل هذا الحكم ثابتاً- القوة الفكرية السائدة في المجتمع والتي تشكل “عواطفه وأوهامه وأساليب تفكيره واراءه عن الحياة” و عدم وعيهم عموما بأداء هذه الوظيفة لا يتناقض مع حقيقة أن هذه هي الوظيفة التي يؤدون.
يقول انجلز: “الايديولوجية عملية يقوم بها من يسمي بالمفكر بوعي حقاً وإنما بوعي زائف، فالدوافع الحقيقية التي تحركه تظل مجهولة..
إنه لا يعمل الا بمادة الفكر التي يتقبلها دون بحث كنتاج للفكر، وهو لا يبحث بعد هذا عن عملية ابعد مستقلة عن الفكر ونحن نجد هذه العملية الايديولوجية متجسدة بشكل صارخ اليوم.
إذ نجد مفكرين من مختلف الآراء – ليبراليون وملحدون ويساريون واشتراكيون ديمقراطيون ومحافظون رجعيون –مدفوعين جميعاً الى التعبير عن وجهة النظر نفسها وهي ان جماعة الحوثيين جماعة مذهبية طائفية دينية رجعية ظلامية مليشاوية تتوسع بقوة السلاح.
وان جماعة تمثل خطر على السلم الاهلي وانها تقابل جماعة انصار الشريعة ومن الى ذلك من هذا الهذر والهذيان. فماذا يمثل هؤلاء سوى وجهة نظر الطبقة البرجوازية الطفيلية الحاكمة التي تعاني الام أزمتها النهائية؟ إن هؤلاء المفكرين والكتاب والصحفيين ينتمون الى مختلف الفئات الاجتماعية، لكنهم يلوكون جميعاً الأفكار نفسها لخدمة الطبقة الحاكمة الفاسدة المستغلة، ويسممون أذهان مستمعيهم أو قرائهم بالأفكار نفسها.
و قد حدد ماركس العلاقة بين المثقفين والطبقة التي يمثلوها وهو يكتب عن الممثلين الادبيين والسياسيين للبرجوازية الصغيرة في فترة 1848م في فرنسا.
و يقول ماركس إنه لا ينبغي تصور أن إيديولوجيي البدالين “هم جميعاً من البدالين المتحمسين ، فهم قد يكونون بحكم تربيتهم ومركزهم الفردي بعيدين عن بعضهم بعد السماء عن الارض.
و ما يجعلهم ممثلين للبرجوازية الصغيرة هو انهم في فكرهم لا يتخطون الحدود التي لا تتخطاها هذه الطبقة في الحياة، وانهم بالتالي مسوقون نظرياً الى المشكلات والحلول نفسها التي تدفع المصالح المادية والمركز الاجتماعي هذه الطبقة اليها عمليا.
و تلك بشكل عام هي العلاقة بين ممثلي طبقة ما في مجال السياسة والادب وبين الطبقة التي يمثلونه. و هكذا فإن مثقفي الطبقة الحاكمة ليسوا بالضرورة افراداً من هذه الطبقة بمعنى انهم ولدوا فيها او انهم يمتلكون او يتمتعون بكل مزاياها، بل انهم احيانا بدلاً من التمتع بهذه المزايا يشغلون مراكز غير مستقر فهم يستأجرون ويفصلون مثل شعراء البلاط في الماضي او الصحفيين اليوم.
لقد اوضح ماركس في “رأس المال” انه: كلما زادت قدرة الطبقة الحاكمة على استيعاب ابرز رجال الطبقة المحكومة زاد حكمها رسوخاً وخطورة، وتسير هذه العملية ايضاً بطريقة عكسية فحين تكون طبقة حاكمة في مرحلة انهيار، وتهب طبقة اخرى لتحديها، فإن افراداً من فوفها هي هم عموما اكثر قدرة وموهبة فكرية ينتقلون الى خدمة الطبقة الثورية المنافسة.
و انصار الله كطبقة ثورية تنشط على مسرح التاريخ ستجد ممثليها الفكريين الذين يعبرون عن اتجاهاتها الاجتماعية وعواطفها وارائها.
و من هنا فان من الواضح انه في فترات التغير الاجتماعي العميق –حين تنشط كل الطبقات –يحدث غليان فكري إبداعي كبير، فالحياة الفكرية لمثل هذه الفترات لا تعبر عن نشاط طبقة واحدة فحسب بل عن تصاعد نشاط كل الطبقات.
وعلى انصار الله كطبقة تلعب في هذه اللحظة التاريخية دور قيادي في تشكيل النظام الاجتماعي ان تجد الوسيلة المناسبة لصياغة افكارها وتنظيمها بل ان تكفل كذلك تقبل المجتمع بأسره لها.
و هنا يكون للمثقفين الثوريين وللفكر والدعاية الثوريين دور هام، و على قيادة انصار الله ان توليه جل عنايتها.
يدرك كل متابع ان النظام الاجتماعي القديم في طريقه للاضمحلال ومن هنا تفقد افكار الطبقة الحاكمة حيويتها، واصبحت عاجزة عن مزيد من التطور وترفضها اكثر فاكثر اقسام واسعة من الشعب.
و هكذا يزداد جهد الحكام للاحتفاظ بسيطرتهم، واستخدام كل ما تحت ايديهم للحط من شأن الافكار الجديدة واضطهادها. و من الناحية الاخرى فإن الطبقة الثورية حين تتولى قيادة كل الحركة ضد النظام الاجتماعي القديم لا يكون عليها فحسب ان تصوغ افكارها بل ان تجعل منها كذلك القوة الموحدة المعبئة للحركة بأسرها.
و لقد كان هذا هو ما يدور في ذهن ماركس حين قال في “نقد فلسفة القانون عند هيجل ” إن: “النظرية تصبح قوة مادية حالما تستولي على اذهان الجماهير”.

زر الذهاب إلى الأعلى