العرض في الرئيسةفضاء حر

لمن استفزتهم بزة حاشد الرافض للعدوان: ماذا تسمون الاقامة الدائمة واستلام الأموال و أداء القسم الجمهوري في البلاط الملكي السعودي..؟

يمنات

نجيب الحاج

استفزتهم صورة القاضي حاشد و ظهوره مرتديا للباس عسكري ارتداه للتمويه في خطوط التماس مع الجارة الكبرى في موقف اراد من خلاله ايصال رسالة للتعبير عن رفضه للعدوان و مؤازرته للمقاتلين في جبهة الحدود!

تلك الصورة أيقظت تنين الحقد و النفاق و العداء لدى نخبة الزيف و التطبيل و التخوين من المثقفين و الثوار أصدقاء الأمس خصوم اليوم، فانهالوا عليه بأقذغ الفاظ التخوين و السقوط و وصفوه بالارتداد عن موقفه الثوري!

رغم ان الرجل منذ بداية الصراع ظل موقفه واضح من الحرب و أطرافها، و كان في طليعة المناهضين للعدوان.

وجدوا في تلك الصورة مبررا لإنزال اقبح الالفاظ به .. ضنا منهم ان تلك الصورة كفيلة بتحقيق غايتهم التي عجزوا عن تحقيقها من خلال قوائم العار و الخيانة التي سبق و ان فصلوا اسمائها حسب هواهم.

الذهاب الى جبهة الحدود السيادية للبلد لتسجيل موقف اقتنع به و ناصره الرجل علناً منذ البداية اصبح بمثابة سقوط و تبعية و خنوع في نظرهم! بينما الاقامة الدائمة و استلام الأموال و أداء القسم الجمهوري في البلاط الملكي اصبح عمل و شرف وطني يتباهى به من قام به و يلقى الثناء و التبجيل من ثوار الأجر اليومي في هذا الزمن المعتوه!

ربما كل ذلك لأنه لم يدعي القيادة و لم يذهب لسرقة تضحيات غيره و لم ترافقه السيارات الفارهة و الحشود المرافقة?? استفزهم الزى الذي ارتداه حاشد في لحظة فرضت عليه ارتداء ذلك اللباس البسيط كبساطته، كونها ليست سوى مجرد بزة عسكرية لا تحمل اي رتبة عسكرية، و لم يشفع له الايضاح الذي كتبه عن دوافع و ملابسات ذهابه الى الحدود و ظروف ارتدائه لذلك الزى العسكري.

ذلك يعتبر في نظرهم جريمة و سقوط مخيف انزلق اليه الرجل .. كيف لا طالما و التهم جاهزة و الجيش الالكتروني الذي يمنح صكوك الوطنية و ينزعها من على ظهور الاخرين قد أعد العدة لذلك سلفا؟

كانوا فقط ينتظرون الفرصة و المبرر لإصدار تلك التهم دون اي اعتبار لقناعة الشخص و حقه في اختيار مواقفه و التعبير عن آراؤه .. ذلك في قاموسهم يعد من سمات الماضي الذي ولى زمانه، فنحن اليوم في زمن حربي و واقع صراعي قتل فيه التنوع و التعدد و كل الوان الطيف السياسي فنحن في زمن التضاد الأعمي الذي تحول معه الكون كله الى ابيض او اسود “اذا لم تكن معي فأنت ضدي” و لا يوجد اي خيار وسط!

وجدوا في قميص حاشد خيانة و سقوط ربما لأنها سترة عادية بإمكان ان يرتديها اي جندي او أي مواطن بسيط و لكونها غير مرصعة بالنياشين و الاوسمة و الرتب العالية او ربما لأن الرجل رفض القبول بأي منصب و أصر على عدم الانزلاق الى خندق صراع الإخوة الاعداء مع هذا الطرف او ذاك و حصر موقفه الضدي، في مواجهة الطرف الخارجي .. ان ظهور حاشد بتلك الصورة البسيطة ايقظت الحس الوطني في اعماق المتباكين على سيادة البلد و عزتها و استقلالها فاستنفروا طاقاتهم و إمكاناتهم لمجابهة الخطر القادم من قميص حاشد دون سواه ممن ظهروا معه في تلك الصورة.

ربما لأن ظهوره لم يترافق مع مرسوم حربي عالي المستوى كذلك الذي برر ظهور هاشم الاحمر و علي محسن و الشيخ حمود و أبو علي الحاكم ..وووو.. بتلك الرتب العالية التي توجتهم قادة و فاتحين جاءوا على انهار من دماء اليمنيين.

و رغم اختلافي مع الرجل في مواقف كثيرة إلا ان ذلك لا يبرر وصفه بأسوء الالفاظ او نزع قميص الوطنية منه فهو يمارس حقه المشروع مثله مثل الكثيرين من النخب الذين استخدموا حقهم في تحديد مواقفهم و التعبير عن قناعتهم و الانحياز حيثما ارادوا ان يكونوا مع هذا الطرف او ذاك طالما ظلت تصرفاتهم في حدود الحق في التعبير، و لم يقوموا بحمل السلاح و إزهاق روح انسان او اسالة قطرة دم واحدة. مع اننا في هذه الحرب شاهدنا الكثير من شباب الثورة السلمية و من قيادات الحراك السلمي و من ناشطي انصار الله خلعوا ردائهم المدني و ارتدوا البزة العسكرية و انخرطوا في الحرب و في جبهات القتال دون ان يثير تصرفهم على ذلك النحو اي ردة فعل و لم ينالوا اي جزء من التخوين الذي طال حاشد.

فالمواقف تتغير و تتبدل من وقت الى اخر فالحياة اشبه بنهر دائم الجريان، و لم تكن هذه المرة الاولى التي تثير فيها صورة التقطت لحاشد كل ردود الفعل هذه فقد سبقتها صورة سابقة مع امين عام الاشتراكي التقطت في بداية الحرب و ادت الى ضجيج مشابه و لو بحدة اقل.

ألم يكن هادي و محسن و الإصلاح في صف صالح في مواجهة الاشتراكي و الجنوب في 94م و مثلهم الارياني و العليمي و بن دغر و المعمري و الحميري و جامل و جباري و القباطي و قيادات اخرى و كذلك قادة الوية المقاومة، حتى الحوثي و صالح خاضوا ضد بعضهم ستة حروب و اليوم تغيرت المواقف تماماً..

لماذا نحن ننافق و نصادر حرية و حقوق الاخرين و لا نقبل مواقفهم و آرائهم كيفما هي..?? الزمن وحده هو من سيقيم الاحداث و سيحدد مواقف كل شخص و كل طرف اين كان يقف و الى من كان ينتمي و سيكشف من كان منهم على صواب و من كان على خطاء!

و لولا فشل و فساد و جشع قادة الوفاق لما تمكن الحوثيين من اقتحام العاصمة و إسقاط سلطات الدولة و مؤسساتها.

ذكرتني هذه الانفعالات و التقلبات في المواقف و ردود الفعل بفلسفة رائعة سردها ذات يوم على تلاميذه الفيلسوف الهندي “اوشو” تطرق من خلالها لواقعة حدثت لراهب شاب في اليابان قال فيها: (….كم من الوقت يستغرق المعجبون حتى يتحولون الى اعداء .. انه لا يستغرق حتى لحظة واحدة لأن في داخل عقل المعجب ادانة مخفية على الدوام، و العقل ينتظر فقط الفرصة، و في اليوم الذي يزول الاعجاب تظهر الادانة، فالذين يظهرون التبجيل و الاحترام يمكن ان يتغيروا و يظهروا الاحتقار في ثانية واحدة و الناس الذين يلمسون قدمي شخص ما تعبيرا عن الاحترام يمكنهم ان يحتزوا رأس ذلك الشخص خلال ثانية واحدة لا فرق بين التقدير و الاحتقار انهما وجهان لذات العملة .. رد يومها ذلك الراهب على محتقريه قائلا لهم: “لو كنت اكترث لإدانتكم لاكترثت أيضاً لاحترامكم و توقيركم اني افعل ما اراه صواباً، و انتم تفعلون ما ترونه صواباً حتى الامس كنتم تفعلون ما رأيتموه صواباً فاحترمتموني، و انتم اليوم تشعرون بأني لا استحق الاحترام فاحتقرتموني .. أما انا فلست مهتماً لا باحترامكم و لا باحتقاركم…” أنا لست سيئاً و لا حسناً انا ما انا عليه لقد تخلصت من فكرة السيئ و الحسن هذه تخلصت من الرغبة في ان اكون طيباً لأني كلما حاولت ان اكون طيباً وجدت اني اصير سيئاً كلما حاولت الفرار من السوء وجدت الطيبة تروغ مني و تختفي لذلك تخلصت من هذه الفكرة تماماً، لم اعد ابالي بأي شيء على الاطلاق، و في اليوم الذي صرت فيه غير مبال بشيء تبين لي ان كلا من السوء و الحسن لم يعد لهما وجود في داخلي وحل محلهما شيء اخر هو اعظم من الطيبة و ليس له ادنى ظلال من السوء…)

و بعيداً عن الاستنفار الصراعي و التحالف الحزبي و الاصطفاف الحربي و عن اتفاقنا و اختلافنا في الكثير من القضايا والآراء كن يا صديقي حيثما شئت لنفسك ان تكون و لن تندم ابداً طالما ظلت خياراتك نابعة عن صدق و قناعة اخترتها لنفسك دون أي محاباة او نفاق لأي كائن من كان.

زر الذهاب إلى الأعلى