فضاء حر

مجتمعاتنا ضحايا لمنظومات دعوية وجماعات دينية شوهت الأنثى

يمنات

ماجد زايد

تعاني مجتمعاتنا العربية -خصوصًا- من تراكم محظورات وقناعات أنتجتها العقلية الدعوية المستحوذة أصوليًّا على التوجه العام للناس، والمؤثرة فيهم طيلة أربعة عقود ماضية، تراكم سيطر على معظم تفاصيل العائلات البسيطة والعادية والمتواجدة بكثافة وكثرة في حياتهم البعيدة عن حوارات الشكل المثالي المنفتح في السوشيال ميديا والمنصات الأخرى، وهم بلا شك منفصلون تمامًا عن أطروحات النخبة والمثقفين ومواقفهم المتبرجة بعناوين الإنفتاح التقدمي أمام الرأي العام المنفصل كليًا عن قاع المجتمعات ومن يعيشون فيه..!

مجتمعاتنا ضحايا حقيقيون لمنظومات دعوية وجماعات دينية شوهت الأنثى وجعلت منها جوهرة ثمينة وسلعة مهددة بالضياع والإنسياق خلف نظرات البشر الغرائزيين، لهذا وجب صوّنها وتخبئتها والحفاظ عليها بدافع الخوف والحرص والحب، إضافةً الى دافع أخر لكنه بنكهة الوضاعة والنفس الماكرة، دافع الإنغلاق في عقول المتزمتين الخائفين مما سيعود عليهم إذا وقعت إحدى قريباتهم في فخ بشري أفرزته النظرة الأولى والصورة الأولى، كتلك الأفخاخ التي نسجوها وينسجونها يوميًا على بنات الناس الأخرين، هؤلاء تحديدًا ستجدهم يشتمون كل من تظهر أو يظهر جوار أخته أو بنته أو والدته، وقناعته الراسخة عنها لا تتجاوز كون الأخرين ينظرون إليها بنفس النظرة التي يراها هو في بنات الناس..!

بالمجتمع المصري ومع سنواتهم الطويلة في الإنفتاح والإستقرار لم تتوقف هذه القضايا عن الحدوث والتكرار، قبل شهور نشر الممثل المصري شريف منير صورة لبناته في غرفة النوم، صورة عادية جدًا وليس فيها أي تعري كما إتهمه المتنمرون، بعد حملة الهجوم الصادم عليه وعلى بناته قام بأزالة الصورة، والتزم الصمت حتى اليوم التالي، الاّ أن وجعه ظل يؤجج داخله المقهور من تكلفة الصمت، بعدها بيوم أعاد نشر الصورة وتحدى المتنمرين ورد عليهم بلغة قاسية، وهدد بالتوجه حالًا لرفع قضية على أي كائن يتنمر على بناته في السوشيال ميديا، هذا الخروج الجريء أعاد له قوته وضمد جرحه وأخرج الممثلين والفنانين والمشاهير للتضامن معه، في ردة فعل مجتمعية وإعلامية تصدرها الى جانبه النخبة والمثقفين والإعلاميين لردع أصوات الظلام في زحمة المختبئين خلف نواياهم البشعة، جراءة شريف منير صنعت رأي عام شجع الضحايا الأخرين على التحدي وعدم السكوت، وهو ما أنتج قوانين جديدة تتهم الشخص المتنمر بالضرر النفسي المدمر على الضحية البريئة والمسالمة، حتى وإن كان دون قصد، وهذه القضايا أحكامها السجن والتعويض المادي والنفسي، وقد بدأ تفعيلها والبت في كثير منها، الممثل أحمد زاهر أيضًا نشر صورة وهو يحتضن أبنته بعد شهور من قضية بنات شريف منير، لكن الوضع أصبح مختلف والتفكير العام لم يعد ذكوريًا أو محتكرًا لقناعات المخدوعين بفكرة العار والشرف والإنثى الجالبة للعار، بعد التهجم عليه خرج أحمد زاهر وتصدى بنفسه لحملة المتنمرين المظلمين، يومها قال بينما كان يضحك: ي حيوان دي بنتي، بنتي ي حيوان ي واطي ههههه ربنا يخرب بيت عقولكوا كلكوا..!

قضية حسن مثنى وفاطمة مثنى وحسين مثنى ، واحدة من الاف القضايا الحاصلة كل يوم في مجتمعنا اليمني، المجتمع الموبوء بما هو أخوف وأقذر وأكثر مما يقال، لكن العامل المختلف والمفصلي في قضية مثنى يكمن في صوتهم القوي والمسموع، بعكس بقية الأصوات المجهولة والمغيبة والمغمورة وغير المسموعة، الأصوات التي لا تُسمع تخاف أكثر، ويتجنبها المتضامنون لضعفها وربما لمكانتها الدونية، قضايا البنات غير المسموعات تحتاج لجراءة أكبر وشجاعة بمئات الأضعاف التي يحتاجها صاحب الصوت المسموع، هذا بعكس ما حدث في مصر عقب قضايا التنمر العامة، حين إقيمت مبادرات شبابية من متطوعين ومشاهير وفنانين وممثلين لتمثيل الأصوات الضعيفة والخائفة، كان الضحايا يتواصلون معهم بسرية تامة ويحكون لهم ما حدث لهم من تنمر ومن هم المتنمرون عليهم بأسماءهم وحساباتهم ليتم فضحهم بالعلن أمام الجميع، وبهذه المبادرات المتقدمة جدًا تناقصت قضايا التنمر أكثر وأكثر في المجتمع المصري، وهو ما نحن بحاجة إليه فعلًا، علينا هنا تشجيع متطوعون ومبادررون لتأسيس مبادرات حقوقية تعنى بتمثيل الضحايا المغمورين في الوسط المليء بالبشر المظلمين وبحكايات المطمورين والضحايا الذين لا يجرؤن حتى على الظهور بصورة واحدة خوفًا على أنفسهم وأهلهم من عاقبة التوحش البشري المخيف..!

قد تكون صورة لـ ‏‏‏‏٣‏ أشخاص‏، ‏أشخاص يقفون‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520.

زر الذهاب إلى الأعلى