العرض في الرئيسةفضاء حر

امريكا وتعميم الفوضى مرة اخرى..

يمنات

د. فؤاد الصلاحي

تكذب امريكا انها جاءت الى بلاد الافغان من اجل محاربة الارهاب بل دمرت ما كان قد نشأ من مظاهر حياة مدنية وسياسية واغرقت البلاد في فوضى .وتكذب انها دربت جيش ودعمت تشكيل حكومة وتأسيس دولة (ظهرت نخب سياسية واجتماعية وقيادات عسكرية تهتم بالغنيمة ومكتسبات خاصة)… والصحيح انها تحاورت مع طالبان اللي كانت تعتبرها ارهابية وغيرت رؤيتها بالنظر اليها كطرف سياسي فاعل شرط عدم محاربة الامريكان وان تتولى طالبان محاربة التنظيمات الاخرى التي لاتريدها امريكا او بالنيابة عنها (معنى ذلك ان امريكا غيرت نظرتها لطالبات والقاعدة وداعش وانها ستتحاور معها وفق ترتيبات جديدة مع العلم ان امريكا صنعت هذه التنظيمات امنيا وسياسيا -وبالتعامل معها تكون نظرية المواجهة قد فشلت وهي الان تعتمد نظرية الاحتواء ) ..

ومن هنا سهلت لها الحركة باستعادة السطرة شبه الكاملة حيث تساقطت المدن دون حرب مع هروب المدنيين وبعض العسكريين والاخرون انضموا مباشرة لطالبان ..معنى ذلك ان كابل ستسقط خلال 24ساعة او خلال اسبوع وستكون الحركة هي الحاكمة لهذه البلاد التي عانت ولاتزال من الفوضى والفساد وغياب الدولة ..دول الجوار مترقبة بحذر تجاه مايجري لكنها تتحاور سرا مع طالبان خاصة باكستان وايران والصين ولها جميعا جماعات محلية تابعة لها ..مع تحفز روسي من داخل حدود طاجكستان وترقبها الحذر بل وحساباتها السياسية وفق صراعها مع امريكا .. و لأن كل تلك الدول لها اهداف خاصة لاتصب في مصلحة الافغان ….

طالبان اصبحت ذكية قدمت خطاب منفتح -مقبول- للدول خارج افغانستان وتحاورت مع حكومات كثيرة منها باكستان وايران وذهب وفد منها الى الصين لان هذه الاخيرة لها مصلحة كبيرة في استقرار افغانستان وفقا لتحقيق طموحها التجاري الكبير وفق نظرية الطريق والحزام .. الاكيد ان افغانستان لاتزال ميدان لتدخلات خارجية اقليمية ودولية وتزايد النزوح منها يخلق مشكلة انسانية كبيرة في حين كان الناس قد استأنسوا بالحكومة رغم ضعفها فهي على القليل خلقت اجواء أمل ببناء دولة حديثة خاصة العاصمة التي تزايد حجم سكانها ليصل الى اكثر من خمسة ملايين نسمة ..

امريكا بأكاذيبها على الحكومة والمجتمع سلمت البلاد لطالبان وستظهر الايام القادمة اهداف متعددة تحققها امريكا في اطار ماتزعم انه حرب مع الارهاب وفي اطار منافسات كبيرة مع الصين وروسيا ..واذا اكملت طالبان سيطرتها على العاصمة واعلنت العفو العام ووعدت النازحين دونما مساءلة وعملت على ترتيب مؤسسي لدولة حديثة ولو بصورتها التقليدية سيكون ترتيب جديد في فكر طالبان ومنظوراتها وتعاملها مع شعبها والا فان حربا اهلية جديدة تزداد اشتعالا ..وسيكون للخارج الاقليمي والدولي تقديم الاسلحة للجماعات التي تتبعه ..فالواقع المجتمعي والمليشياوي منقسم ومتعدد قبليا وطائفيا مع بروز غلبة لبعضها وهي الاقوي من غيرها ..ولايمكن فهم وتفسير سيطرة طالبان على 26 ولاية خلال عشر ايام الا من زاوية انها لم تدخل في حرب بل تم تسليم المدن وفق توافقات غير واضحة بصورة كاملة لأن طالبان على مستوى الداخل والخارج لاتقدم نفسها بصورة واحدة ..الخطير في الامر ان هذا النهج الامريكي -وقد كتبت عنه غير مرة- سيتم تعميمه في كثير من دول الشرق الاوسط وهو نهج يحقق هدنة مؤقتة وفق محاصصة وغنيمة للجماعات والنخب او يشعل الموقف حربا في عموم هذه البلدان خاصة وان امريكا داعم كبير لمختلف جماعات الفوضى والخارجة على القانون والشرعية ..

فاذا كانت امريكا وقفت ضد ارادة الشعوب العربية في ثوراتها عام 2011 فانها اليوم ستعيد الكرة بان تقف مع من يحمل السلاح وفق مبررات ان من يحمل السلاح لديه سلطة على الارض وهي فكرة اعتمدتها بريطانيا سابقا اثناء المد الكولونيالي بل وشكلت جماعات دعمتها وبررت مشاركتها في السلطة المحلية..اخيرا اذا تمكنت طالبان سريعا من دخول العاصمة كابل فان الرئيس اشرف غني قد فهم رسالة امريكا بعدم المواجهة وتسليم السلطة وعندئذ ستتولى امريكا ترتيب وضعه السياسي ..الموقف المهم هو ليس ان تحتل جماعة محددة مجتمع ودولة بل موقفها الاخلاقي من الشعب وتعدده مذهبيا واجتماعيا ومدى التعامل الانساني والسياسي المسؤول مع الجميع وفق منظور المواطنة الذي يؤس للدولة الحديثة..!

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى