فضاء حر

طالبان بين العقائدي والعسكري والسياسي (3-2)

يمنات

قادري احمد حيدر

2- الوطن والوطني، بين اللغوي، والاصطلاح السياسي:

لن أدخل في مناقشة تفصيلية، للجذر أو الأصل اللغوي لمعنى الوطن، والوطني ، كون مثل هذا المبحث والنقاش خارج نطاق ما أرجوه، فضلاً عن أنه لن يضيف شيئاً لما نهدف إليه، وسأحصر قراءتي في البعد السوسيو/ سياسي لمعنى الوطن، والوطني.

إن المعنى اللغوي، والمعنى السياسي لمفهوم الوطن، والوطني، أمران مختلفان فمعنى الوطن، والوطني في جذرهما اللغوي لا صلة له بنقاشنا، حول: هل حركة طالبان “حركة تحرر وطني” أم لا؟

إن الجذر اللغوي لمعنى الوطن أو الوطني لا يشيران سوى إلى المعنى الجغرافي/ المكاني، أو في أحسن الأحوال لمعنى العلاقة بالدم (رابطة الدم)، ولا صلة له بالدلالة السياسية والمفهوم الاصطلاحي السياسي لمعنى الوطني، أو حتى لمعنى ومفهوم الوطنية، اللذين يقرآن في سياق سوسيو/ سياسي مختلف عن المبحث اللغوي لكلمتي “وطن”،
“وطني”.

فالوطن بمعنى “الجغرافية/ المكان” الأرض، أو رابطة الدم، هي ملك لجميع أبنائه، وهذا ينطبق على جميع أبناء الشعوب في الأماكن والدول المختلفة، فالمواطن / الفرد/ الإنسان ، اليمني، بحكم هذه الصفة من حقه أن يحصل على البطاقة الشخصية لبلده، وعلى الجواز الذي يمكنه من السفر إلى أقطار العالم المختلفة ، وهو الذي يحدد هويته بأنه من أبناء هذا البلد،أو ذاك، بحكم المولد والنشأة، أو بحكم الحصول القانوني الدستوري على جنسية هذا البلد أو ذاك بالإكتساب، وله كل الحقوق، وعليه ما على كل مواطن من واجبات، وبالنتيجة في أي بلد ديمقراطي تعددي من حقه أن يرشح، وأن يترشح للانتخابات –باستثناء الأنظمة الملكية المغلقة على العائلة – للوصول إلى مستويات السلطة والدولة المختلفة، وبذلك المعنى هو يمني أو سوري أو عراقي أو ألماني أو أمريكي …إلخ. وفي المبحث اللغوي وفي الدستور والقوانين النافدة، سنجد إجابة قاطعة حول ذلك، أي بما يعطي المولود في هذه الجغرافية من الأرض، الحق في أن يحمل بطاقة وجوازاً وجنسية “هوية” هذا البلد أو ذاك، ما دام يحترم قوانين البلد وأنظمته ودستوره، ويقاوم للدفاع عن هذا البلد ويحمي حريته وسيادته واستقلاله، ولكنه حين يتحول إلى الضد” النقيض”، من مجموع هذه المعاني والقيم والقضايا الدستورية والقانونية، ويقف على النقيض منها في مواقفه السياسية، فإن أهل هذا البلد وأنظمته وتشريعاته قد تصل به، حسب القوانين المعنية النافذة إلى تقديمه للمحاكمة وإلى اتهامه بالخيانة والعمالة، وإلى حد سجنه، وسحب الجنسية عنه، كما في بعض الدساتير، علماً أن الدستور اليمني في مادته “٤٤”، لا يجيز اسقاط الجنسية عن اليمني إطلاقاً ، ولا يعفيه ذلك من خضوعه للمحاكمة بتهمة “الخيانة” و”التأمر”، أو “المولاه لدولة معادية”، وفقاً لقانون العقوبات، أو غيره من القوانين ذات الصلة، والذي قد يصل إلى حد سجنه، أو حتى اعدامه، وفقاً لنصوص القوانين النافذة، بعد أن تحول في سلوكه السياسي إلى معاد للمصلحة التاريخية/ الكيانية/ الوجودية للمعنى الهوياتي/ للوطن، وبالنتيجة لأحقية استحقاقه معنى “المواطن” وصفة “الوطني”، و”الوطنية”.

فهل من يقف مدافعاً عن الوطن وعن شعبه وسيادته على أرضه في أي وضع سياسي طبيعي، مساوٍ لمن يعرض الوطن للبيع والشراء؟ وهل يستوي من يقول عن اعتداء دولة أجنبية على أرض وطنه، وعلى حقوقه السيادية التاريخية بالعدوان والاحتلال، بالقول: على سبيل المثال: إنها “مجرد شبر أرض”؟!! لا تستحق الحرب من أجلها!! وهناك مواطن آخر يرى أن الحرب في مثل هذه الحالة “مقدسة” و “واجب وطني”، ولو على سنتيمتر من هواء البلاد، وليس على شبر من تراب أرض الوطن، من قبل دولة أجنبية، وكلاهما من أبناء هذا الوطن بالمعنى الجغرافي، بل قد تدفع وترفع الصدف السياسية/أو الحسابات السياسية، وموازين القوى في قمة السلطة والدولة، في أوضاع سياسية معينة غير سوية بمن يتنازل عن الأرض- وهو استثناء -إلى قمة السلطة: رئاسة الحكومة، (القاضي/ محمد الحجري/ المعين بالأمر السعودي،رئيساً للوزراء،بدلاً عن محسن العيني)، أو رئاسة البرلمان (الشيخ/ عبدالله بن حسين الأحمر/المحسوب سياسياً على السعودية)، على سبيل المثال، أو غيرهما إلى مواقع السلطة العليا، وتضع الآخر في السجن!! وفي كلتا الحالتين، الاثنان: من يقبل ببيع الأرض، ومن يقاتل للدفاع عنها، ينتميان بالمعنى الجغرافي/ المكاني لليمن، ولا تستطيع أن تنتزع عن أي منهما صفة أنه يمني بالمعنى الجغرافي، على أنه من الصعب أن تضعهما في ميزان واحد في المعنى وفي “القيمة الوطنية”، ومن أن أحدهما “وطني”، والآخر “خائن” سياسي لوطنه، وفاقد للمعنى الوطني، وفي هذا السياق وحول معنى المواطن، والوطني، وقضية الموقف من الأرض اليمنية كرمز للسيادة الوطنية والاستقلال البلاد، فإننا نلتزم حرفياً وروحياً بنص، المادة الأولى من الدستور اليمني الذي ينص على أن “الجمهورية اليمنية دولة عربية اسلامية مستقلة ذات سيادة، وهي لا تتجزأ ولا يجوز التنازل عن أية جزء منها ..”، ومن هنا تبرز أهمية التمييز بين المعنيين اللغوي والسياسي، ونحن نقرأ المعاني والقيم والمفاهيم مثل: الوطن والوطني والوطنية، فالوطني والوطنية صفتان تكتسبان بالمواقف وبالممارسة السياسية الواقعية، وباحترام الدستور، وتنفيذ القانون، وليست حقوقاً مكتسبة بالفطرة الوجودية، أي الانتماء للجغرافيا/ الأرض التاريخية، بحكم المولد أو النشأة .

فلا أحد منا اليوم وفي الأمس يستطيع أن ينكر انتماء الإمام محمد البدر، أو محمد بن الحسين أو عتاة السلاطين في جنوب الوطن الذين شكلوا تاريخياً الحالة “الأنجلو سلاطينية”، ضداً على إرادة شعبهم من أنهم جميعاً –وغيرهم كثر- ينتمون في المولد الجغرافي إلى الهوية/ المكان اليمني، ومن أنهم يمنيون، على أن توصيفهم السياسي/ الأيديولوجي، والقانوني، يترسم ويتموضع في أنهم أسماء ومجاميع خانت أحلام وتطلعات شعوبهم، ووقفوا ضد إرادة شعوبهم في الاصلاح والتغيير، والأهم أنهم ناقضوا دساتير، وقوانين دولهم، وتحولوا في الممارسة السياسية/ في مواقفهم إلى أعداء للمصالح الكلية للوطن ، لأن الخلاف معهم ليس حول قضية سياسية عابرة/ عادية، يجوز أو يمكن الاتفاق أو الاختلاف حولها، بل حول المعنى الوجودي والكياني للمصالح التاريخية لكل الوطن:وحدة ارضه، واستقراره، وسيادته واستقلاله وحريته، وتقدمه السياسي والاجتماعي والوطني، ومن هنا تم سك في بعض الدساتير، وتحديداً في القوانين مثل “قانون العقوبات” أو القوانين الخاصة المعنية بذلك، لفظة وصفة “خائن”، و”عميل”، و”معادي” للمصالح الوطنية العليا للشعب.

ومن هنا صعوبة الجمع في خانة واحدة، وفي صفة واحدة بين الوطني المدافع عن حرية شعبه واستقلال بلاده، وبين الخائن السياسي، لوطنه والمناقض لمصالح شعبه وبلاده في الحرية والاستقلال في واقع الممارسة العملية.

وبهذا المعنى ليس كل من ينتمي بالمعنى الجغرافي/ المولد في المكان، أو حتى بصلة الدم، حسب بعض التوصيفات في بعض الدساتير والقوانين، هو بالضرورة الوجودية وطني.

فالوطني، والوطنية هنا صفتان لهما معنيان مختلفان، معنيان يكتسبانه في سياق سيرورة من الكفاح السياسي ومن التضحيات والبطولات في سبيل عزة ومجد الوطن وإزدهاره وتقدمه، فضلاً عن سياق عدم مناقضة الدستور، والقوانين النافذة ذات الصلة بالسيادة، والاستقلال الوطني للأرض وللشعب، وللدولة.

وبهذا التوصيف والتقييم لا يمكننا أن نضع بطل الحصار في السبعين يوماً الشهيد / عبدالرقيب عبدالوهاب نعمان،واحمد عبدالوهاب الانسي، ومحمد مهيوب الوحش، ورفاقه،في خانة واحدة مع عتاة الملكيين الأماميين الذين حاربوا الثورة والجمهورية، والقول عنهم جميعاً بأنهم وطنيين، و”وطني”..!!

إننا هنا نفرق بين الرجعي أو المتخلف بالمعنى الفكري/ الأيديولوجي ، وبين الخائن بالمعنى السياسي والوطني والقانوني، فالرجعي أو المتخلف بالمعنى الفكري ضرره يعود له وعليه، على صعيد الممارسة الحياتية الخاصة، ضمن منطق الاختلاف والاتفاق السياسي، هو اختلاف بين أطراف سياسية حول منطق التفكير السياسي وحول الطرائق والوسائل السياسية للدفاع عن الوطن ومستقبل أبنائه، هي اختلافات تقع ضمن دائرة التعارضات الثانوية.. اختلاف بين تفكيرين ووسيلتين لا تتعارضان مع نصوص الدستور والقوانين النافذة المحددة للمعاني السيادية والوطنية الكلية، لأنه حين يتم الخروج عليها هنا يأتي دور الدستور والقانون، فضلاً عن الممارسة السياسية، في تحديد وتوصيف صفة المواطن والوطني، والخائن، لأن الأمر هنا انتقل إلى دائرة الصراع التناقضي/التناحري، بقاء الكيان الوطني، أو زوله.

اختلف بعض الناس مع الأستاذ عبدالله الأصنج – ومع غيره – حول منطق تفكيره في الوصول إلى التحرير والاستقلال، وعارض هو قضية “الكفاح المسلح”، ومارس جميع أشكال النضال السياسي في مقاومة المستعمر من السياسي السلمي، إلى النقابي، إلى المفاوضات السياسية السلمية/مؤتمرات لندن، ومع ذلك، كان واحداً من رموز الوطنية والتحرر السياسي في جنوب البلاد، وإن لم يقل ويقر في الممارسة بشعار الكفاح المسلح. وبهذا المعنى، هو أحد رموز حركة التحرر السياسي والوطني في جنوب البلاد. وذات الأمر والمعنى ينطبق على القائد السياسي والوطني الكبير/ عبدالقوي مكاوي وغيره، على عكس العديد من الأسماء والمجاميع التي توحدت بعجلة المشروع الاستعماري “الأنجلو سلاطيني” حتى النهاية. ونفس الأمر ينطبق على الرموز السياسية الإمامية التي توحدت بالمشروع الاستعماري والرجعي العربي وحتى الإسرائيلي في محاربة ثورة 26/ سبتمبر 1962م، وحتى النهاية.

ومن هنا تظهر صعوبة وضع محمد البدر، أو محمد بن الحسين والرئيس السلال، وعلي عبدالمغني، ومحمد مطهر زيد، والنعمان، والزبيري، والإرياني،ومحسن العيني، في خانة سياسية واحدة، خانة” الوطني”، و”الوطنية”، مع أنهم جميعاً حسب الانتماء الجغرافي ينسبون إلى اليمن.

ومن هنا يتضح التفريق بين معنى ومفهوم المواطن، والوطني، والوطنية، في المعنى اللغوي، والجغرافي /المكاني ،وفي الدلالة الاصطلاحية السياسية.

وفي ختام هذه الفقرة، قد يقول البعض أن الدستور والقوانين في مجرى الصراع السياسي على السلطة، يحدث أن يتم تأويلها سياسياً وقانونياً،وفقاً للعقلية الأمنية/السلطوية، وبما يناقض-احياناً- النصوص الدستورية والقانونية، وعلى ذلك، يتم تحويل بعض الرموز الوطنية، إلى خونة وعملاء، بعد خضوعهم لمحاكمات صورية/شكلية، يصل الامر حد سجنهم، وحتى اعدامهم، والمثال على ذلك:

الاستاذ/ احمد محمد نعمان الذي سحبت جنسيته،بتهمة الطائفية وهو رائد الوطنية اليمنية المعاصرة، وقحطان الشعبي،(رئيس الجمهورية والقايد الوطني اليمني الكبير)، الذي سجن، أو وضع تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته، والقائد / الحزبي، والوطني النبيل/فيصل عبداللطيف الشعبي(رئيس الوزراء/الذي تم تصفيته في سجنه)، ومحمد صالح مطيع(من أهم الرموز السياسية والوطنية/وزير الخارجية)، واعدامات العام، 1966م،عبر محاكمات صورية، في شمال البلاد لرموز وطنية كبيرة من قيادات الدولة، حتى قتل وسحل،/البطل الشهيد/عبدالرقيب عبدالوهاب نعمان،وهو، واحد من أهم رموز الدفاع عن صنعاء، تم سحله في قلب شوارع المدينة صنعاء التي دافع عنها، ورائي الواضح، إنها إجراءات سياسية سلطوية استبدادية، لاصلة لها بالدستور ولا بالقوانين النافذة، ولا بأي معنى من معاني الوطنية، بقدر ما لها صلة بالصراع السياسي المتخلف على السلطة، هي إجراءات سياسية إستثنائية، محكومة في بحث كل حالة سياسية على حدة، وهي إجراءات سياسية/إستثنائية، شهدتها كل المنطقة العربية، والعديد من دول العالم الثالث،اللاديمقراطية، بما فيها بلادنا، كما سبقت الاشارة، على أن هذا الاستثناء لا يلغي القاعدة.. علماً أن هؤلائي – جميعاً- الذين خضعوا لتلك الإستثناءات الخطأ، في التاريخ السياسي الخطأ، قد تم إعادة الاعتبار بصورة جزئية لهم، أو لبعضهم، والمطلوب رد الاعتبار للجميع، تخليداً لذكراهم، بما يدل على مكانتهم السياسية والوطنية، وبما يليق بهم كأسماء، وادوار جسدوها ومثلوها، سياسياً ووطنياً،ليكونوا حاضرين في كل مكان من ارض هذا الوطن، وحتى يتضح الفارق النوعي ، بين المعنيين، السياسي، واللغوي، لمعنى ومدلول : المواطن، والوطني، والوطنية، وقد وجدت نفسي مضطراً لتتويج ختام هذه الفقرة بهذا الاستطراد الضروري، حتى تكتمل صورة القراءة، دون لبس، حول هذه المسنيات بما تحمله كل منها في سياقها السياسي والوطني.

المصدر: بيس هورايزونس الإخباري

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى