فضاء حر

متى نتحرر لأجل الحب؟

يمنات

ضياف البراق

حقيرٌ هو التعصُّب بكل أشكاله، وأحقر أشكال التعصب -في تقديري- هو هذا الفرْز العنصري الظالِم (والذي ما زال يعيش ويتكرر ضمن عادات مجتمعنا الرجعي هذا.

– هذا حلّاق ” أو: مُزَيِّن”، إذَن هو (دنيء الأصل، أو لا قيمة اجتماعية له!). 
ماذا عن أولئك الذين يحتقرون هذا الإنسان النبيل “الحلّاق”؟ هل ممارسة هذه المهنة “الحِلاقة” المحترمة تلغي كرامة المرء! 

أنت، هنا، وبسبب هذا النوع من الفرْز العنصري البغيض، ليس من الشرف أن تصنع علاقة مصاهرة بينك وبين الحلاق أو (الختّان)، أو مع الجزّار، ونحو ذلك. لأن مصاهرة هؤلاء تجلب لك العار في المجتمع، وربما قد يقتلك أهلك لو فعلت! 

لماذا؟ لأن التقاليد النتنة تفرض علينا ذلك!

– وهذا جزّار (أيضًا، يحتقرونه بالرغم من أنه يخدمهم، فينظرون نحوه نظرةً دونيّة وسِخَة!). 
الجزّار، عندنا، وفي نظر الجهلة، قليل “أصل”، وعيب مصاهرته.
عندنا عادات وتقاليد كثيرة تهين كرامة الإنسان. العالم كله تغيّر إلا نحن!

– وهذا خادِم “أو: مُهمَّش”، (مِن عِرق أسوَد أو مؤذٍ، وهكذا يفعل العنصريون، عادةً، في حق هذه الفئة الطيبة). وكذلك الحال يتكرر هنا!

يستحيل على أي مجتمع رجعي، مليء بالكراهية والقيود البغيضة، تحقيق أي تقدم حضاري إذا لم يتحرر أولًا وينفض عن عيونه رماد الماضي اللعين!

يحتقرونهم بلا حياء! مع أن هؤلاء النبلاء (الحلاق، الجزّار، وغيرهم) يخدموننا جميعًا، ولا نستطيع الاستغناء عنهم.

هؤلاء، في حقيقة الأمر، هُمْ أسياد هذا العالم. (طبعًا الشاعر والقاص والروائي الأمريكي “تشارلز بوكوفسكي”، صاحب الديوان النثري الرائع “الحب كلب من الجحيم”.. عملَ في غسيل الصحون في مطعم من مطاعم بلاده، كما عملَ في ملحمة أيضًا، وهنالك مِهَنٌ أخرى عمل فيها، وهذا الشاعر العظيم يحظى اليوم بشهرة واسعة في أمريكا وخارجها، وهكذا عاش يكافح الفقر والانحطاط ويكتبُ إبداعاته الرائعة للبؤساء وللحياة، ويضحي هنا وهناك من أجل المجد والشرف. إنني، وكعادتي، أحب كتابات هذا الشاعر المُدهِش، وأحترم تاريخه “المُحزِن جدًا!” رغم ما فيه من ضوء وشموخ). وهكذا هم العظماء. 
باختصار: العُمّال، جميعهم، هم “أسيادنا” على هذه الأرض. وكل أبناء البشر إخوة.

– وفي يوم من الأيام، سمعتُ من شخص تافِه فوق الباص، كلمات منحطة يحتقر فيها “البيطري”، ويقول: إنه لا يطيق هذه المهنة المقرفة (العظيمة في نظر العقلاء). 
أيّ واحد مِنَّا يؤدي خدمة اجتماعية، أيًّا كانت هذه الخدمة، هو إنسان شريف بالفعل، بل “عظيم”.
أهم شيء هو الكسب الحلال، وكل مهنة نكسب من ورائها الكسب الحلال هي مهنة رفيعة بلا شك، ولا يحق لأحد أن يحتقرها.

– وصديقي (المثقف جدًا، والذي يعمل في أحد المطاعم، هنا، في “صنعاء”)، قال لي (حزينًا)، إنه -ذات يوم- قفزَ ليتدخَّل، من باب الخير، لحلحلة مشكلة نزاعية حدثت في الشارع، بين شخصين، فاحتقره واحدٌ منهم، قائلًا له في خسة (أي في وجه صديقي النبيل): “ابتعدْ عنّا، لا تتدخّل بيننا، أنت مجرد “مُقَهوي!”. 
يا للحقارة! إنه الجهل اللعين!

– إنَّ فرْز المجتمع من قِبل العنصريين، أو من قِبل غيرهم من الجهلة، على هذا الأساس العنصري اللا أخلاقي، هو سلوكٌ تدميري خطير؛ يُدمِّر وحدة وتماسك هذا المجتمع، أي مجتمع، ويُمَزِّق ضميرَه الإخائي أيضًا.

– وأخيرًا، نريد مجتمعًا مُتحضِّرًا، يسوده الاحترام الإنساني الواسع وقيم العدل، والمواقف الرفيعة. نريد مجتمعًا يَقِظًا، متماسكًا، يثور دومًا على الفسدة والسفلة أعداء الجمال، ويحترم المِهنة الخيّرة، وظروف المساكين، ويُمجِّد المعاني الإنسانية.

متى، يا ترى، نتحرر من ضروب الكراهية؟

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى