فضاء حر

مجتمع ذكوري مشحون بجميع ألوان الجهل والتخلف

يمنات

ضياف البراق

مكانة الرجل في مجتمعنا أرفع من مكانة المرأة بفارقٍ كبير، هو “فوقها” وهي “تحته” في جميع الأحوال، وإذَنْ، فإن العلاقة القائمة بينهما غير إنسانية، إنها علاقة استعبادية جدًّا كتلك التي تنشأ دومًا بين (السيِّد والعبد)، وليست علاقة نزيهة قائمة على المساواة في الحقوق والواجبات، وإنني هنا لا أبالغ ولست من عشّاق المبالغة في الأمور، وإنما أقول الحقيقة كما هي على أرض الواقع.

إنّ المرأة عندنا ما تزال في قفص الاتهام، إنها مركز الدائرة التي يجيء منها الشر، وفريسة تُوجَّه إليها سهام الذكورة الاستغلالية والحرمانية والتحقيرية؛ إنها نقطة ضعف كل بيت، ولذا تُعامَل باعتبارها وسيلةً أو آلة مقصورة وظيفتها على الإنجاب والمتعة الجنسية والخدمة المنزلية العبودية، فحسب، لا باعتبارها نواة الحياة وأساس الحضارة وصانعة المجتمع وطاقته الإبداعية. إنّ مجتمعنا الذكوري المشحون بجميع ألوان الجهل والتخلف، يعدم شخصية المرأة إعدامًا شنيعًا وخطيرًا، إذ لا حركة لها ولا قيمة خارج جدران البيت، هكذا الرجل المُتسلِّط يستغل المرأة من المهد إلى اللحد، وحتى في حالة الموت لا تُعامَل بذات القيمة التي يُعامل بها الرجل، وإنما تُعامَل بصورة باردة ونابذة، ولا غرابة في هذا، فهي إن كانت لا تحصل على أبسط حقوقها خلال حياتها، فكيف إذَنْ ستحصل على الإنصاف حين وفاتها؟! ومن صور احتقار المرأة في مجتمعنا، إطلاق الرجل عليها تسمية توبيخية وانتقاصية؛ إنها “مَكْلَف” (والجمع مَكالِف)، وبحسب فهمي فإن هذه التسمية تُطلق على المرأة، على اعتبار أنها مجرد “خدَّامة” تابعة للرجُل وخاضعة له، ولا يجوز لها أن تكون شريكته فعلًا في البيت، وزميلته في العمل خارج البيت، ورفيقة دربه في شتى مجالات الحياة، وكذلك توحي التسمية في الوقت ذاته بما يعني أن المرأة “كائن ضعيف، شديد في عجزه، ومصدر للعار، وغير ذلك”، بينما الرجل هو البطل، والسوبرمان الذي له كل الامتيازات والتكريمات، وتِبْعًا لهذا، فإنه صاحب السيادة والمكانة في المجتمع، وأمّا المرأة فإنها مجرد لعبة بيد هذا الرجل لا أكثر، والدليل على احتقارها أيضًا، هو أن الاختلاط بها مدعاة للخزي والسخرية، إنه عيب اجتماعي فظيع، ومن يخالط مِنّا “المكالف” (أي النساء) فهو مثلهن بالضبط، أجل، إنه مجرد “مَكْلَف” بنظر الرجوليين المغرورين برجولتهم الانتفاشية اللعينة، وهكذا يتم الانتقاص من شأن المرأة، ومن هنا كان ولا يزال ينشأ الفصل بين الرجل والمرأة في مجتمعنا المتخلف، هربًا من الوقوع في العار أو من التعيير بالأنثوية، وإنّ أغلبية حالات الشذوذ الجنسي، بحسب دراسات نفسية وعلمية دقيقة، إنما هي نتاج طبيعي لهذا الفصل (أو عدم الاختلاط) بين الجنسين، كما أن عدم الاختلاط؛ ولأنه بالفعل ضد الطبيعة، فبلا شك يجعل المجتمع مشلولًا، وتفكيره لا يتجاوز حدود الجنس، وكينونته غير متزنة، وبالتالي، لا تكون له شخصية حضارية فاعلة على الإطلاق، وهكذا بالضبط حال مجتمعنا اليمني، وكذلك حال بقية المجتمعات العربية المحافظة.

إنّ الثقافة التي تجعل العلاقة بين الرجل والمرأة علاقةً إخضاعية، أو غير متساوية، أو صِراعية، أو التي تحكم على المرأة أن تكون “لعبةً” بيد الرجل، إنما هي أقذر وأخطر ثقافة ضد الكرامة الإنسانية، ولا يُرجى منها أي خير، والقضاء عليها واجبٌ إنساني عظيم وضرورة حضارية. لن يعرف مجتمعنا الرخاء والازدهار، ولن يمضي قُدُمًا، ما لم يرفع شأن المرأة ويعترف بفرديتها ويساويها مع الرجل.

زر الذهاب إلى الأعلى