أرشيف

اليمن على حافة الهاوية

Abdulwahab Alkebsi

لا يلحق الفساد الضرر بنسيج المجتمع اليمني السياسي والاجتماعي فحسب، إنما أيضاً بالنمو والتنمية الاقتصاديين، فحين يحدث الفساد في وكالات تصدر بطاقات هوية وجوازات سفر، يُمنع على اليمنيين العمل في بلدان الخليج أو إرسال حوالات إلى وطنهم بسبب قلّة الثقة بصحة هذه المستندات، كذلك تتفادى الشركات الأجنبية الاستثمار في اليمن إن لم تحصل على تطمين بأن المستندات صالحة وقانونية.

ها هو وضع الاستقرار والأمن في اليمن يتدهور بسرعة وسيكون لانفجاره المحتمل أثر كبير على الدول المجاورة، والمنطقة، والمجتمع الدولي، والأهم في هذه المسألة وباء الفساد الزاحف والمدمر.

نادراً ما تتطرق النشرات الإخبارية إلى اليمن إلا حين ترتبط بأحداث مثل الهجوم الأسبوع الفائت على دبلوماسيين بريطانيين، محاولة تفجير رحلة تابعة للخطوط الجوية 'نورثويست' يوم عيد الميلاد من عام 2009، أو ذكرى مرور عشرة أعوام على الهجوم الذي تعرضت له المدمرة الأميركية 'يو إس إس كول'. تعتم هذه الأحداث الدرامية، إنما النادرة، على قصة اليمن الأوضح والأهم إلى حد ما.

تواجه البلاد سيلاً من التحديات غير المسبوقة: التطرف العنيف، والانهيار الاقتصادي، وشح وشيك في المياه، وحركة انفصالية متعاظمة. قد تؤدي بالتالي أي من هذه المشاكل، في حال عدم معالجتها، إلى انهيار الحكومة، لذا ما لم تُتخذ الإجراءات المناسبة، يوشك اليمن أن يصبح دولة فاشلة وميدان تدريب للإرهابيين، وقد تغمر مشاكله المتسارعة المنطقة برمتها.

النمو الاقتصادي في اليمن راكد بسبب الفساد الذي يهدر الموارد الحيوية، والوقت، والقدرات البشرية. في المقابل، لا تُعزى الصراعات الكثيرة في اليمن إلى مشاكل قبلية أو دينية فحسب، إنما إلى غياب التنمية والإهمال، فضلاً عن ذلك، تهدد أزمة اقتصادية وشيكة بزعزعة استقرار الدولة، أما قدرة البلاد على تأمين الخدمات الأساسية فتُحبَط في كل مرة، ذلك لأن احتياطي البترول ينفد في ظل خيارات قليلة لاقتصاد مستدام في مرحلة ما بعد النفط؛ والموارد المائية المحدودة تُستنفَد بسرعة أكبر مما يمكن تعويضها؛ والسكان الذين يزداد عددهم بسرعة يعانون الفقر المدقع ويفرضون عبئاً متزايداً على البلاد.

مع ذلك، ما يشكل أساس هذه التحديات الفساد المستفحل، وسط مزاعم بأن نحو 30 في المئة من العائدات الحكومية لا تودَع أبداً في الحسابات الحكومية. واجهت الحكومة في الماضي مقاومة شرسة خلال توسيعها سلطتها وحضورها، إذ يتهمها الشعب اليمني بالفساد، ومحاباة الأصدقاء والأقارب، وإحباط الفرص الاقتصادية والاجتماعية. لمعالجة مشكلة الفساد الحكومي الخطير والمستمر إذن، سيكون على البلاد إنشاء نظام ضريبي شفاف، وتنفيذ إصلاحات قضائية شاملة لإجراء محاكمات عادلة، والسماح للشعب بإطاره الواسع بالاطّلاع على المعلومات.

لا يقتصر اجتثاث الفساد على ملاحقة كبار مخالفي القانون أو أكثر الخطط فساداً فحسب، إنما لا بد من معالجة الانتهاكات في أنظمة جميع المؤسسات. يجب أن تشكّل محاربة الفساد بالتالي جزءاً أساسياً من أي استراتيجية لخفض انعدام الاستقرار وتحسين حياة المواطنين اليمنيين اليومية.

فضلاً عن ذلك، لا يلحق الفساد الضرر بنسيج المجتمع اليمني السياسي والاجتماعي فحسب، إنما أيضاً بالنمو والتنمية الاقتصاديين، فحين يحدث الفساد في وكالات تصدر بطاقات هوية وجوازات سفر، يُمنع على اليمنيين العمل في بلدان الخليج أو إرسال حوالات إلى وطنهم بسبب قلّة الثقة بصحة هذه المستندات، كذلك تتفادى الشركات الأجنبية الاستثمار في اليمن إن لم تحصل على تطمين بأن المستندات صالحة وقانونية، ويستحيل تطبيق العقود، ولا يوجد حكم قانون لبت النزاعات حول الأراضي، أما محلياً، فتهدر الرشاوى المطلوبة من مالكي الشركات الصغيرة اليمنيين الموارد التي يمكن في المقابل استغلالها لتوسيع نشاط الأعمال وإيجاد فرص عمل جديدة.

لذلك التزم المشاركون في الاجتماع الأخير الذي عُقد تحضيراً للاجتماع الوزاري لمجموعة أصدقاء اليمن في فبراير 2011، بالتطرق إلى الإصلاحات السياسية، والاقتصادية وتلك الخاصة بالحوكمة. تلك لحظة مصيرية لبناء زخم لإصلاحات حقيقية والتركيز على مكافحة الفساد. يجب أن تتضمن مثل هذه المبادرات تخفيف التنظيمات الاقتصادية وإزالة التناقضات بين القوانين، وإصلاح النظام الضريبي وتبسيطه، وتوضيح طبيعة السلطات المدنية عبر تحديد واجباتها بموجب القانون، والحرص على تطبيق العقود وحقوق الملكية، وتعزيز حكم القانون لحماية حقوق الأفراد وحقوق المجتمع الشركاتي.

وكخطوة في الاتجاه الصحيح، أخذت الحكومة اليمنية المبادرة باستخدام وسائل جديدة لزيادة التوعية مثل فيلم أُنتج أخيراً حول الفساد في اليمن لتوعية موظفي الدولة حول أثر الفساد، والرشاوى، والتزوير على الاقتصاد، وهكذا يتطلب تغيير الوضع بذل المزيد من جهود كهذه على قاعدة مستدامة وشاملة.

في سياق آخر، يشكّل التعاون مع الشركاء المحليين والوكالات الحكومية ضرورة لتحدي مفهوم أن الفساد جزء مسلّم به من الحياة اليومية في اليمن وإطلاق حوار حول إصلاح السياسة الذي سيقلل من فرص الفساد. تعي الحكومة اليمنية من جهتها أن هذه المشكلة لا يمكن تجاهلها بعد اليوم وتبدي استعداداً لتطوير استراتيجيات لمكافحة الفساد. وهنا لدى المجتمع الدولي دور مهم للاضطلاع به عبر تعزيز نفوذه لحث الحكومة اليمنية على إجراء إصلاحات جدية لزيادة المحاسبة، كذلك الشراكة بين الحلفاء الدوليين، والحكومة اليمنية والمجتمع المدني ضرورية لإحراز تقدم حقيقي في مكافحة الفساد والترويج للتنمية في اليمن.

* الكبيسي المدير الإقليمي لشؤون إفريقيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى مركز المشروعات الدولية الخاصة. بوسك، حائز شهادة دكتوراه ومساعد في 'برنامج كارنيغي للشرق الأوسط.

جريدة الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى