أرشيف

من يوقظ عنف القاعدة ومن يوقفه

تفجر العنف مجدداً في مناطق الجنوب على نطاق أوسع وأعنف بعد أسابيع من الهدوء الذي فرضته السلطات خلال منافسات بطولة الكأس الخليجية في عدن وأبين.

وبلغ العنف مستوى خطيراً إلى حد أن 14 جندياً لقوا حتفهم الجمعة الماضية في هجومين متعاقبين في مديرية لودر بأبين، يعتقد أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يقف وراءهما.

وتواصلت الهجمات على نحو درامي يومي الجمعة والسبت لتستهدف قائدين عسكريين رفيعين أحدهما قائد اللواء 111 الذي كمن له مسلحون في لودر وفتحوا الناس على موكبه مما أسفر عن إصابته بجراح والثاني قائد اللواء 37 الذي نجا أيضاً من تفجير عبوة ناسفة في منطقة شبام بحضرموت. بالتزامن مع هجمات تنظيم القاعدة الذي بث صوراً لها على مواقع إلكترونية تابعة له، صعد مسلحون يتبنون العنف المسلح في إطار فصائل الحراك الجنوبي نشاطهم فهاجموا السبت الماضي موقعاً عسكرياً في منطقة الملاح بردفان مما أسفر عن مقتل جنديين وإصابة آخرين قبل أن تندلع اشتباكات شرسة بين الطرفين.

ويوم الأحد أيضاً، تواصلت هجمات تنظيم القاعدة لتحصد خمسة موظفين حكوميين في مديرية جعار بأبين في الوقت الذي تجددت الاشتباكات بين قوات الجيش ومسلحي الاتجاه العنيف في الحراك في مديرية الملاح.

تذكَّر هجمات القاعدة الأخيرة بعملياتها الدامية ضد قوى الأمن في منطقة لودر نفسها خلال أكتوبر الماضي وكذا هجماتها الخاطفة ضد ضباط المخابرات في محافظتي أبين وحضرموت التي ما تزال مستمرة.

كان الرئيس علي عبدالله صالح قد أقرَّ في نهاية أكتوبر أن هجمات القاعدة حصدت أكثر من 70 عسكرياً.

تثير هجمات القاعدة الأخيرة علامات استفهام جديرة بالبحث عن إجابات مقنعة بشأن الأسباب التي أيقظت رغبة متشددي التنظيم المتطرف لدماء العسكريين فجأة وما الذي أبقى هذه الرغبة خاملة خلال الشهرين الماضيين.

ينشط المتشددون في القاعدة فجأة بحماس مشتعل ينعكس في هجمات وحشية ضد مجندين بسطاء لا تتخطى مداركهم أبعد من الإخلاص في إنفاذ الأوامر العسكرية الملقاة عليهم فضلاً عن محاولة استيعاب الصراع الدموي الذي يقضون فيه دون ثمن أو حظوة لدي أي من الهيئات الحكومية.

وبنفس الطريقة، يكمن متطرفو القاعدة فجأة في الوقت الذي تكون هجماتهم عند أعلى معدل لها وهو ما ينفي العفوية عن تحركاتهم.

في أوقات سابقة، كان التفسير المتاح لهذا النوع من المناورة ينطلق من أن توافر الأهداف العسكرية في مرمى التنظيم وجاهزية مقاتليه لمهاجمتها هما العاملان اللذان يتحكمان في شن هجمات فجائية ثم خفوتها على نحو مفاجئ.

لكن هذين العاملين ليسا من بين العوامل الأكثر تأثيراً في تحديد قواعد الصراع بين الطرفين حالياً خصوصاً في مناطق مثل لودر وجعار ومودية حيث يتمتع مقاتلو القاعدة بجاهزية عالية ومعرفة بتفاصيل الرقعة الجغرافية التي يتحركون فيها على عكس العسكريين الذين يخدمون في مكان يجهلون تضاريسه ووسط مجتمع مشبع بكرههم.

أما القوات الحكومية فبدا أنها لا تملك معلومات استطلاع ميدانية حتى بالقدر الذي لدى عناصر القاعدة.

يتجلى هذا الحكم في الكمين الذي نصبه الأخيرون لقائد اللواء 111 العميد محسن مسعود جزيلان عقب هجومهم الدامي على القوات الحكومية؛ قدم جزيلان مع مساعدين له إلى موقع الهجوم عقب حدوثه وفي الوقت الذي أعد مقاتلو القاعدة كميناً له طبقاً لمعلومات لا شك أنهم استخلصوها فعلموا بمقدمه لم يكن هو على دراية بطبيعة المكان.

تقترب هذه المعادلة بمقاتلي القاعدة من نموذج المقاتل المرتزق الذي يهتاج للقتال في توقيت فجائي ويسكن فجأة خلافاً للوضع السائد في الرقعة الجغرافية حيث ينشط وخلافاً للإيقاع الزمني للصراع.

لا يعني ذلك الجزم بإمكانية إلباس عناصر القاعدة الناشطين في الأراضي اليمنية مثال المقاتلين المرتزقة تماماً لكن التقلب الحاد في تحركاتهم ينفي عنهم الصورة النمطية المكرسة بأنهم أشخاص متحجرون، تحركهم فقط عقيدتهم المتطرفة للقتال وإزهاق الأرواح من أجل الظفر بالجنة.

ويتكرس هذا التوصيف أكثر عند عناصر القاعدة الناشطة في مناطق أبين حيث انضوت مجاميع من الشبان المحبطين في جماعات مسلحة، تصبغ الجريمة أفعالها أكثر من أي مؤثر آخر، لكن التصنيف النمطي لهم بأنهم محسوبون على القاعدة يلامس تطلعاتهم ونوازع في أنفسهم فيتماهون مع هذا التصنيف.

غير أن تقييماً متجرداً لسيَرهم لن يرى فيهم أكثر من عاطلين عن العمل قذف بهم الفقر المدقع وخواء الرسالة الثقافية الحكومية إلى استحسان حوادث الإغارة والقتل ثم إلباسهما طابعاً دينياً متشدداً بالرغم من ضحالة المعرفة الدينية وسطحيتها لديهم.

فالتشدد الديني ليس المحرك الرئيس لأن يلقي هؤلاء بأنفسهم إلى الموت ويقترفون الفظائع إذ لا تدين ظاهراً عليهم أو يحكم تصرفاتهم وهم يقتلون العامة في زنجبار بزعم تطبيق أحكام الشريعة بحقهم أو يتقاتلون بينهم في جعار كأفراد العصابات الذين ينقلون صراعهم إلى الأحياء السكنية والشوارع العامة.

كما لا ينبغي إغفال أن طليعة سابقة لهؤلاء المتشددين كانت تنشط بزعامة الحليف السابق للنظام الحاكم طارق الفضلي الذي انشق عنه في 2009 وصار واحداً من كبار خصومه في محافظات الجنوب الغاضبة وأحد المنادين بفصل الجنوب في دولة مستقلة.

وطبقاً لذلك، ليس مستبعداً أن الفضلي ما زال قادراً على تجنيد رفاقه المتشددين القدامى لخدمة قناعاته الجديدة بالرغم من أنه لم يؤيد العنف المسلح في آخر حديث صحفي له.

قبل انطلاق منافسات الكأس الخليجية في نوفمبر الماضي كانت هجمات القاعدة مستعرة في أبين واستدعت إرسال قوة كبيرة من الجيش للتعامل معها لكن خلال موعد الطولة الذي استمر أسبوعين لم يطلق مقاتلو التنظيم طلقة رصاص.

أي تفسير لذلك سيستحضر ذلك العدد الهائل من الجنود والاحترازات الأمنية الصارمة التي طبقت لتأمين البطولة بيد أن ذلك كان يغطي أماكن إقامة المنافسات ولم يشمل المناطق النائية كلودر ومودية حيث مسرح الهجمات من قبل ومن بعد.

هذا المثال يلتقي مع القول بنظرية المؤامرة في تفسير ما تحدثه القاعدة وهي هنا ذات شقين: داخلي وخارجي.

يستحسن كثيرون إرجاع هدوء القاعدة وانتفاضتها في أوقات لها دلالاتها إلى أنها أداة بيد النظام الحاكم وآخرون يفسرون ذلك بأنها أداة استخباراتية لجهات خارجية وزاد هذا الاتجاه شيوعاً عقب مؤامرة الطرود الملغومة التي عرفت المملكة العربية السعودية بتفاصيلها وأبلغت بها الولايات المتحدة فيما عرفت الحكومة اليمنية بالأمر كباقي الأطراف غير المعنية.

ثلاثة أيام دامية
الجمعة 7 يناير: مسلحون يعتقد أنهم ينتمون لتنظيم القاعدة يهاجمون قافلة أمنية في منطقة أمعين بمديرية لودر بقذائف الـ”آر بي جي” والبنادق الرشاشة فيقتلون 12 جندياً إضافة إلى إصابة سبعة آخرين.

* مقتل جنديين وإصابة ثلاثة في كمين نصبه مسلحون يعتقد أنهم على صلة بالقاعدة لقائد اللواء 111 العميد محسن مسعود جزيلان الذي أصيب في الكمين وذلك خلال زيارته لموقع هجوم سابق في لودر.

* قائد اللواء 37 ميكا العميد عبدالرحمن الحليلي ينجو من محاولة اغتيال بواسطة عبوة ناسفة فجرها مجهولون عن بعد في منطقة شبام بحضرموت.

* أجهزة الأمن تبطل عبوة ناسفة زرعها مجهولون في سيارة مدير المباحث الجنائية بأبين العقيد ناصر مهدي أحد 55 عسكرياً أعلنت القاعدة في وقت سابق أنهم أهداف للقتل.

السبت 8 يناير: مقتل جنديين وأصيب ثلاثة في هجوم لمسلحين يعتقد ارتباطهم بفصائل العنف المسلح في الحراك الجنوبي على موقع عسكري في منطقة البوبين بردفان، والسلطات تشدد الإجراءات الأمنية في المنطقة وتقطع الاتصالات عنها.

الأحد 9 يناير: مقتل خمسة موظفين حكوميين في مديرية جعار بأبين حين كانوا في طريقهم لتوريد أموال متحصلة لصالح مؤسسة الكهرباء قبل أن يهاجمهم ستة مسلحين على متن دراجة نارية ويسلبون مليوناً و300 ألف ريال كانت بحوزة الموظفين.

* استمرار اشتباكات عنيفة بين القوات الحكومية ومسلحين يتبنون العنف المسلح لفصل الجنوب في منطقة البوبين بردفان.

يستخدم المسلحون رشاشات خفيفة ومتوسطة في الاشتباكات ويرد الجيش بقصف مواقع تحصنهم بالدبابات.


المصدر أونلاين – خالد عبدالهادي

زر الذهاب إلى الأعلى