فضاء حر

ماذا يحدث بين هادي وباسندوة !

كشفت مقابلة الجزيرة بالإنجليزي مع رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة على قصرها في الأسبوع الماضي العديد من الخفايا وأكدت في نفس الوقت ما تردده الشائعات المختلفة عن باسندوة وأيدت أيضاً الكثير من الإتهامات والتخوفات التي يتحدث عنها الكثير من السياسيين والصحافيين.
لم أرغب في السابق الخوض في المواقف السياسية لرئيس الوزراء التوافقي لا من قريب ولا من بعيد وذلك لمعرفتي بأنه شخصية أفضل ما يقال عنها بأنها لا حول لها ولا قوة. ليس بيدها شئ تقدمه أو موقف إيجابي تفرضه على مجريات الأحداث في اليمن أضف إلى أنه لا يمثل إلا أداة بدرجة رئيس وزراء أوصلها إلى هذا المنصب الفراغ القاتل من المكونات والشخصيات الحزبية والسياسية الوطنية والمستقلة ، الفراغ الذي صنعه النظام المشترك المتجدد بكل إتقان وحرفية شيطانية. باسندوة رغم مقبوليته كشخصية يمنية لها تاريخ وتجربة سياسية طويلة جنوباً وشمالاً إلا أنه ليس له موقف ثابت ومحدد لذاته أكثر من كونه موظفاً لدى طرف من أطراف الصراع المتنفذة فضلاً عن أن الظرف التي تمر به اليمن بحاجة إلى رجل قوي لمنصب رئيس الحكومة.
في بداية اللقاء أعتقد باسنودة أن قناة الجزيرة ستقدم له فسحة من الدعم لإستعراض مواهبه السياسية والثقافية باللغة الإنجليزية بإطمئنان كامل على إعتبار أنها من أهم أبواق جماعة حزب الإصلاح الموظف هو لدى بعض متنفذيهم ، بينما غاب عن ذهنه بأن الجزيرة "إنجلش" ليست هي نفسها الجزيرة عربي لأن مشاهدي الجزيرة "إنجلش" غير مشاهديها بالعربي التي تقوم بتأليف الأكاذيب وتزوير القصص دون حسيب أو رقيب. الجزيرة "إنجلش" تحترم إلى حدٍ ما عقول مشاهديها كما أنها أكثر موضوعية ودقة بما تقدمه لهم من مواد لاسيما فيما يتعلق بالقضايا السياسية الراهنة على الساحة الدولية التي يتابعها الساسة في كل أنحاء العالم الذين لا تستطيع الجزيرة أو غيرها أن تخدعهم بنفس الأسلوب والطريقة التي تقوم بها الجزيرة العربي من إستخفاف وإهانات لعقول مشاهديها. 
المذيع سامي زيدان الذي قدم البرنامج كان في قمة الإلتزام المهني والحرفي وأراد أن يدير مع رئيس الوزراء اليمني حوار حقيقي وغني مفعم بالمعلومات والشفافية حيث كان يأخذ أسئلته من ردود وتردد باسندوة ولا يخرج عن السياق أو ينتقل إلى مواضيع أخرى دون مناسبة مما أربك باسندوة الذي طلب من المذيع في معرض اللقاء أن يقتصر الحديث على المصالحة الوطنية ولكن رغم إستجابة المذيع له إلا أنه لم يكن لديه ما يقوله كما لم يرغب الكشف عن مكنوناته السياسية والفكرية فيما يتعلق بعلاقات اليمن الخارجية. كان يريد أن يكون شخصاً غير رئيس الوزراء. كان يريد أن يكون ممثلاً كعادته ولكن في أدوار ثانوية وليست أدوار بطولة تتناسب مع موقعه كرئيس للوزراء لذلك كان يتذكر في كل إجابه يقولها أنها ليست الإجابة الصحيحة وأنها ستجره إلى سؤال آخر سيفضي به إلى إجابة أخرى غير صحيحة أيضاً لأنه يرفض أن يكون صريحاً وشفافاً. فيفاجأ بأن حدسه كان صحيحاً فيأتيه السؤال ليصدمه بما كان متوقعاً فيسقط بين يديه وفجأة يستوقف المذيع قبل أن يقع : هذا يكفي … هذا يكفي ثم يحاول أن يبرر: انا لا أعتقد .. أنا لا أعتقد…(بالإنجليزية) لكنه لم يستطع أن يكمل فينهض ويستعيد لغته الدارجة بحجة أنه يريد أن يصلح البلاد وأن المذيع يريد أن يدخله في كلام …….
من يشاهد المقابلة بتمعن ولديه فكرة عن المشهد السياسي اليمني لا شك أنه يستطيع أن يسبر غور حقيقة الصراع القائم وطبيعة المعركة السياسية بين الأطراف المتنازعة دون أي عناء ولذلك نهض باسندوة قبل أن يقع في الفخ ويكشف عن أروراقه عنوة وقبل أن يضيع في متاهات المصطلحات السياسية باللغة الإنجليزية التي لا يجيدها بالشكل المطلوب لاسيما في مثل هذه المواقف الحساسة التي لا شك بأنها تختلف عن مقابلاته باللغة العربية التي ربما يستطيع من خلالها الغوص في الأعماق دون أن يصيبه بلل ، لكنه هنا غرق أو كاد أن يغرق لأن المفردات اللغوية لم تسعفه. من يقرأ الترجمة ليس كمن يشاهد المقابلة ويسمعها. ونصيحة أقدمها لباسندوة وغيره أنه لا داعي للإستعراض في الفضائيات باللغات الأجنبية سيما عندما يكون المرء في منصب كبير بمستوى رئيس الوزراء يمثل بلد له تاريخ وتراث عظيم كاليمن أو حتى (العولمية) الحاصلة على جائزة نوبل التي لا شك أنها سقطت وأسقطت معها كل من نالوا نفس جائزتها في السابق خاصةً عندما تحاول أن ترقص على الماء وهي لا تجيد السباحة بل كأنها تجدف في العراء ، الأسئلة في واد وهي في واد آخر أضف إلى ذلك أنها تقول شئ وتقوم بفعل نقيضه.
التناقض الذي أبداه رئيس الوزراء باسندوة خلال المقابلة كان فاضحاً. لقد وقف على طرفي نقيض مع رئيسه هادي حيث أنكر معرفته بإستخدام الأمريكان للطائرات بدون طيار التي تضرب عناصر القاعدة على طول وعرض الساحة اليمنية ، بل أنه أنكر معرفته بأي تدخل أمريكي على الإطلاق وحاول أن يرمي الكرة على مرمى رئيسه بينما تعترف الولايات المتحدة بنفسها للعالم بما تقوم به في اليمن بناء على قرارات دولية ومبادرة خليجية طالب بإتخاذها ووقع عليها النظام المشترك. وبالمقابل لا تعترف العولمية كرمان بالتدخل الأمريكي بينما تفتخر في نفس الوقت بالشفافية. ياللعار ياللعار .. ماهذا الإستهبال والإستخفاف بعقول اليمنيين ، بينما رئيسهم هادي يقول أمام العالم بكل صراحة وشفافية تدعو إلى الإحترام أن الشرعية الدستورية لليمن تقع تحت إشراف أممي ودُولي خلال الفترة الانتقالية ، مع إصراره على محاربة الإرهاب وعدم الحوار مع عناصره لأي سبب من الأسباب ، في الوقت الذي يدعوهم باسندوة إلى الحوار الوطني الشامل!! ياإلهي!! ماهذا التناقض بين الحكومة والرئاسة؟! كيف تستطيع اليمن أن تتجاوز مآسيها وكوارثها بمثل هكذا حكومة يرأسها باسندوه ممثلاً أطراف ترعى الإرهاب ؟ أطراف موقعة على المبادرة الخليجية وتطبل وتزمر لها في العلن بيد أنها تحاول إفشالها وتمزيقها في الخفاء. أطراف تدعي التصالح مع المجتمع الدولي وهي في نفس الوقت تخطط في ليل لتدمير كل العلاقات الدولية. أطراف تحاول أن تلعب على كل الحبال رجل في الساحات والأخرى بالفرقة ، وعين على أمريكا وأخرى على أوروبا أما ذراعيها فتمارس بهما البطش في كل ارجاء اليمن. 
من هو رئيسك ياباسندوة إن لم يكن عبدربه منصور هادي ؟ وهل ما تصرح به أو ما تخفيه تمليه عليك المبادرة الخليجية التي وقعت عليها أم أن هناك ثمة تعليمات تتلقاها من جهات غير معلومة رسمياً للشعب اليمني ؟ وهل هذا ما سيجعلك تحل مشاكل البلاد كما ذكرت بمقابلة الجزيرة ؟ أم أن حل المشاكل في نظرك هي تسليم البلاد للمرتزقة الجدد؟ (اللهم لا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين).

زر الذهاب إلى الأعلى