فضاء حر

بأكياس الأرز.. الثورة تخفي القذارات!!

صراحة لا أستطيع أن أخفي مقدار الحقد والغل الذي أكنه، ويكنه مثلي يمنيون آخرون، لهؤلاء المشايخ المتربصين بأحلامنا منذ القِدم، والذين يورثون تربصهم المقيت هذا لأبنائهم جيلا بعد آخر، ويتسلمون مقابل ذلك أموالا من السعودية.


والأمر الذي جعل المشكلة تبدو أكثر تعقيداً أن الدولة، التي يفترض بها العمل على فرض سلطتها وإلغاء ثقافة المشيخ، تدفع لهؤلاء الملايين شهرياً لاستعباد الناس وإذلالهم، وهذا ما كان يفعله "علي صالح" طيلة حكمه خلال الـ33 عاما الماضية، حيث جعل منهم لا مشايخ على المواطنين فقط، وإنما مشايخ على السياسة وعلى التجارة والمقاولات وعلى الجيش حتى، فتعاظم نفوذهم بشكل جنوني. وعلى خطى "صالح" في تكريس هيمنة المشايخ وتهميش مؤسسة الدولة، تسير أيضاً حكومة الوفاق التي جاءت بها الثورة.


عندما انطلق قطار ثورة التغيير العام الماضي، والتحق به الملايين، استبشرنا خيراً، وقلنا إن في ذلك القضاء على ثقافة "الشيخ والرعوي"؛ لكن للأسف حدث ما لم نكن نتوقعه أبداً.


وكان ذلك بعد أن سيطر التجمع اليمني للإصلاح على منصات الثورة، وحوّل شعارها من "ارحلوا جميعاً"، هذا الشعار الذي اقترحته أنا شخصياً ليلة 16 يناير، عندما طلبت "توكل كرمان" مني ذلك، إلى شعار "حيا بهم حيا بهم…".


شعار "ارحلوا" الذي أضاف له شباب آخرون فيما بعد 3 كلمات، بحيث أصبح "ارحلوا جميعاً لنبني دولتنا المدنية"، له قصة ظريفة حدثت بيننا نحن المجتمعين يومها، ولا أريد أن أتكلم عنها الآن، لكن توكل، والنائب احمد سيف حاشد، وميزار الجنيد، وفارس القدسي، يعرفونها تماماً، حتى أن هذا الأخير لا يفتأ يذكرني بها دائماً.


هكذا انضم المشايخ للثورة بعد إدراكهم أن الأمر جدي، وأنهم سيفقدون كل مصالحهم، وأصبحوا بمباركة إعلام التجمع اليمني للإصلاح ثوارا يدافعون عن الثورة في كل من "الحصبة"، و"أرحب"، و"نهم"، وتعز… فيما كانت الثورة تقتل وتذبح بالساحات صباح مساء بعيدا عنهم.
وأذكر أننا أصدرنا بيانا بخصوص انضمام هؤلاء المشايخ، ومعهم العسكر والموظفين الفاسدين، للثورة، قلنا فيه: "يجب ألا تتحول الثورة إلى مكان لغسل قذارة الآخرين".


لكن شباب الثورة الباحثين عن زعامات ونجومية، كانوا قد انصرفوا عنا نحو أكياس "الأرز" التي تصرفها لهم لجان تابعة لتجمع الإصلاح في الساحات، وهكذا باعوا الحلم والثورة، وعاد الجميع إلى بيوتهم منكسرين.


كنا مخطئين، نحن الشباب الذين كنا نتصدر المشهد الثوري في العاصمة، عندما جعلنا من أنفسنا مجرد ثوار عاديين، "جيزنا جيز الجميع"، لا قادة، وجعلنا كل شاب في الساحة يشعر أن هذه الثورة ملكه وهو من يقودها. كان الجميع يشعر بأنه هو من صنع هذه الثورة؛ لكن أدركنا مؤخراً أن هؤلاء الشباب، ليس جميعهم طبعاً، هم مجرد قطعان استطاع التجمع اليمني للإصلاح أن يجرهم من أنوفهم بكل سهولة.


ومن لم يستطيعوا السيطرة عليه من الشباب تم الاعتداء عليه بالضرب ومضايقاته والزج به في سجن اللجنة الأمنية وفي سجون معسكر الفرقة، وكالوا له الاتهامات و… و… و… الخ، ونجحوا في تطفيشه من الساحات ومن الثورة، ومن بقي منهم من المتحمسين أغروه بالتجنيد في الفرقة الأولى مدرع، بخدعة انطلت عليه، هي حماية الثورة، وقاموا بتجنيد ما يقارب 600 شاب من شباب الحزب الاشتراكي الفاعلين الذين كنا نعمل معهم في ساحة التغيير وحدها، ولا أدري كم من المستقلين وبقية الأحزاب الأخرى، جميعهم عسكروا في الفرقة، وعارضنا ذلك بشدة حينها؛ لكن دون جدوى, وأصبحنا بعد ذلك قلة سهل على "الإصلاح" كسر عودها والسيطرة على الساحة وعلى كل شيء بالكامل.
هذا التآمر، الذي أصاب الثورة منذ البداية، جعل من مشايخ القبائل الذين ضاقت بهم الأرض في بداية الثورة، يعودون للواجهة مجدداً، بثقة، بعد أن كان قد تمرد عليهم حتى "رعيتهم" وانخرطوا في صفوف الثورة، يطالبون بالمواطنة المتساوية.


وهذا ما شجع "الشايف" في جلسة البرلمان، لا على أن يسيء إلى باسندوة فقط، وإنما لشعبين بأكملهما، بتاريخهما الحضاري والثقافي، هما الشعب اليمني، وشعب الصومال، معتمداً في ذلك أن زملاءه المشايخ المحسوبين على الثورة سيكونون في صفه وليس في صف باسندوة؛ لأنهم جميعا مشايخ، يتفقون على أن الرجل مجرد صومالي، واليمنيين مجرد رعية، وأي شيء يهدد سلطتهم سيكونون له بالمرصاد.
وهنا أطرح تساؤلا: لو كانت الثورة نجحت، هل كان "الشايف" سيتمادى على باسندوة، وسيربي صخر الوجيه؟!
أعتقد أنه ما كان ليجرؤ، مع أني أتفق معه أن وزير المالية (الوجيه) فعلاً يحتاج إلى تربية؛ لكن ليس كما رباه يحيى الراعي، ولا كتربية رئيس الوزراء السابق "حسن مكي"!


المصدر: الأولى 

زر الذهاب إلى الأعلى