فضاء حر

الوهم الثمين

بوفاة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر كان من المفترض أن تصل العلاقة بين إخوان اليمن والسعودية أدنى مستوياتها، فقد كان بمكانته الاجتماعية آخر الأسباب المنطقية للتمسك بهذه العلاقة وآخر مبررات دعمها.. إلاّ أن تحول الحرب في صعدة إلى ورقة رائجة في بورصة الصراع الإقليمي أعاد فتح الأبواب أمام هذه العلاقة مجدداً ليندفع الإصلاح باستثمارها وعلى نحو غير مسبوق.

شهدت العلاقة ربيعها في عقد السبعينيات والثمانينيات بسبب التوجه السلفي لإخوان اليمن ودورهم في الحرب الأهلية والتصدي لتمدد اليسار في الشطر الشمالي، وتولت المملكة دعم مشائخ الإخوان والمؤسسة العسكرية التي يهيمون على واجهتها: الفرقة الأولى مدرع والمخابرات و(الأمن الوطني).

سقوط الاتحاد السوفييتي وإخفاق الإخوان في الحيلولة دون قيام الوحدة اليمنية وتنامي التيار السلفي الأقرب والأكثر تبعية للمؤسسة الدينية السعودية ثم توقيع معاهدة الحدود والحرب على الإرهاب لاحقاً ووجود قيادات إخوانية كبيرة على قائمة المطلوبين كل ذلك كان من المفترض أن يقوض العلاقة لصالح التيار السلفي، لكن العلاقات الشخصية لمشائخ الإخوان وقادته العسكريين والطبيعة الخاصة لعلاقة الشيخ الأحمر بالمملكة حال دون الانهيار، وما استغرقه السلفيون من الدعم السعودي عوضه الإخوان بالاستثمار في شراكة السلطة وغنائم الجنوب.

بعد انتصار حزب الله في تموز 2006م وتراجع الدور السعودي في لبنان لصالح سوريا وإيران تحول التنافس على لبنان إلى صراع إقليمي ذي طابع طائفي دفع بالمملكة إلى تمويل الحرب على صعدة ودعم القوات الحكومية ممثلة بالفرقة الأولى التي يقودها اللواء علي محسن ليعود بذلك ربيع العلاقة مجدداً ولكن باسم الحرب على الرافضة والمدّ الشيعي.

لقد بدا الإخوان بالفرقة ومليشياتهم القبلية أكثر جدوى لدى المملكة من التيار السلفي الذي بدا غير مستعد للمواجهة المسلحة واعتزل الحرب في بداية الأمر مكتفياً بإصدار الكتب والمطويات في مواجهة قوة الحوثيين التي تنامت لدرجة عجزت معها الترسانة العسكرية للدولتين عن الانتصار عليها.

تلقف الإصلاح هاجس المملكة ووظفوا ترسانتهم الإعلامية لتغذيته وتقديم أنفسهم للمملكة كرهان أمثل في صراعها الإقليمي، مستثمرة ذلك في استعادة الشراكة في السلطة والإغضاء عن استثمار هذه الشراكة في تعويض خسائر الحرب في الأزمة ليأكل الإصلاح هذه المرة بيد السلطة الرسمية وبيد الحليف الشعبي والمذهبي ومن جهتين: المملكة والحكومة وتوظيف هذا الانتعاش في العلاقة مع المملكة كورقة ضغط لتحقيق مكاسب أكثر في صراعات الإصلاح مع أطراف العملية السياسية في الداخل.

اليوم لا تخلو كل وسائل إعلام الإصلاح والفرقة من مواجهة مصطنعة أو معركة وهمية أو استعداد مسلح أو تصريح سياسي يحاول الإصلاح من خلاله أن يصور نفسه في الخندق الأمامي لصراع المملكة الإقليمي فهم يواجهون الشباب في الساحات لأنهم مخترقون من إيران والمليشيا التي تقلق الأمن والسكينة العامة في تعز، تواجه التمدد الإيراني في تعز وقتل المتظاهرين من الحراك في عدن للحيلولة دون الهيمنة الإيرانية على باب المندب، والمؤتمر حليف للحوثيين، والبيض عميل لإيران، والقرار الرئاسي بإنشاء تحضيرية الحوار يخدم إيران.

يبيع الإصلاح هذه الأيام الكثير من الوهم والكثير من الكلام مقابل مال المملكة والاستقواء بها على فرقاء العمل السياسي، فإذا كانت المملكة قد دفعت مقابل ذلك فكم ستستمر في شراء الريح!!.

 

 

*صحيفة اليمن اليوم

زر الذهاب إلى الأعلى