فضاء حر

التمديد لهادي من أجل بلادي!!

يمنات

قريباً..وقريباً جداً سنسمع عن هذا المانشيت الهائل العريض شعاراً للمرحلة القادمة, وسيخط بأحرف من ذهب وستلصق اللوحات الدعائية الضخمة مزينة الطرقات واعمدة النور , وسيهلل الوطن ويكبّر , وتغرد الأحزاب بالأناشيد الحماسية والأغاني الوطنية , وستنتشر اليافطات الذهبية مموهة بالخط العريض وبمختلف الألوان وبأحرف من نور على اغلب المواقع الإخبارية و الصحف والنشرات الإعلاميه , وفي القريب العاجل ..ستنشط الأقلام المأجورة والأصوات الداعية الى التمديد للرئيس هادي عنواناً لفترة انتقالية قادمة قد تستمر لعامين إضافيين من عمر الوطن المنسي , وستصدع الرؤوس وتصّم الآذان وتختلق الأعذار والأسباب , وستصفق الايادي بحماس شديد, وستولول حكومة الوفاق باكية على اعتاب نهاية المرحلة الإنتقالية من عامها الأول الحزين , وهي تشارف عامها الثاني البائس والحكومة محلك سر, حين تكتشف ان موسم الحصاد شارف على نهايته في ارض جدباء قاحلة لا ماء يسقيها ولا مطر ولم تؤت أُكلها و ثمارها الموعودة.


حينها سنكون أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما واحلاهما مر, إما هادي وإما التخويف ببعبع الزعيم او احد ابناءه ومقربيه , ولأن الحلم الثوري دائما حظه عاثر وكسيح , واصبح اضحوكة الثورات والأمم سيقبل بها على مضض مكرهاً, وسنمضي ويمضي المركب الى الغرق بمن هم فوقه جميعا, وسنخرج من نظام ديكتاتوري دام ل 33 عاما الى نظام مستسنخ وليد ومهجن منه لفترات متلاحقة -ربما لضعف الفترة- ليوافق المتغيرات الدولية والإقليمية ويلبي طموحات الجوار والخارج.


الدول الراعية لشاة المبادرة الخليجية وبعد طول انتظار وترقب صمتت دهراً ونطقت كفراً ,وتسوق الشاة العرجاء الى زريبة التآمر مجدداً, راعي الشاة يحمي الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها ذئاب, تطالعنا طفشات اخبارية عاجلة وتسريبات اعلامية من هنا وهناك , عن رغبة عارمة وتوافق مبدأي لدى الدول الراعية للمبادرة وهي تسنها كقانون جائر و تصوغها ك -دستور الهي و وحي ما انزل الله به من سلطان – في وضع مشروع تمديد وراثي جديد ومكتسب للرئيس هادي لمدة عامين اضافيين بعد نهاية الفتره الانتقالية الاولى في عام 2014 , جهود حثيثة يبذلها سفراء تلك الدول مع جميع الأطراف السياسية اليمنية المتحالفة دون سواها , وفي حال صدوره واقراره والتوقيع عليه مجددا وموافقة امريكا عليه سيعرج الى مجلس الأمن لإصدار قرار أممي من الأمم المتحدة بهذا الشأن , جميع القوى الحاكمة تدعو دعوات مبطنة وخفيّة الى القبول به كضربة وقائية واستباقية لعاصفة الأحداث التي قد تسحب البساط من تحت اقدامها وتنزع الكرسي العائم على بحر من اوهام السلطة الذي طال انتظاره طويلاً , لما تعتبر من مبادرة انقاذية حقيقية لها لعدة اسباب واقعية :


1-عدم تحقق وانجاز جميع نصوص المبادرة الخليجية واثبات فشلها الذريع في التوافق السياسي والحكومي اولا.

2-عدم تحقيق النص والمادة الأهم  المتمثلة في اعادة هيكلة الجيش ضمن اسس وثوابت طنية.

3-فشلها الذريع في تهيئة اجواء الحوار والوفاق الوطني بين الفرقاء السياسيين.

4-استمرار تدخلات العائلة في شؤون الدولة ومظاهر التمرد والعصيان العسكري الدائمة.

5- الأهم تفويت الفرصة على القوى الثورية والمستقلة المعارضة من اتخاذ اجراءات عملية مناهضة , واللجوء الى اقرار الخيار والحسم الثوري في المرحلة القادمة  كخيار أخير لإسقاط النظام كلياً.


تناست حكومة الوفاق وهي تتأبط عكازالمبادرة الكسيحة وتعرج بها متنقلة نحو مشروع التمديد لهادي,انها تعبّر وتعترف عن فشلها واخفاقها الحكومي في تسيير وادارة شؤون البلاد, وان تم ذلك فعلا فهي تعلن صراحة عن احتضارها الرسمي , وتوّقع على شهادة الوفاه , وان تم القبول بها مع تحييد الخيارات الشعبية الأخرى, فستعتبر امتدادا متوازيا للمؤامرة الأمريكية الخليجية التي تقود الوطن الى المجهول والهلاك , وتنسج مستقبلا غامضا ينتظر اليمن لا تدري ابعاده ومآلاته , وكما تمت المبادرة الخليجية في أجواء احتفالية ودّية ضمن مسرحية هزلية دون رضا الأغلبية , وحيث تمت الانتخابات بالإكراه عن طريق اتباع سياسة العقاب الجماعي , وكما تمر المرحلة الانتقالية الآن بكثير من العجز والترهل.


ولكن يبدو ان مظاهر التمديد الرئاسي المزمعة قريبا ستكون عملية قيصرية -اباحية مشروعة- عاجلة لتوليد نظام جديد خارج من رحم النظام السابق, مناقضة بذلك الدستور والقانون اليمني, ومتقلدة حذاء الغير و تسعى جاهدة لتفصيله على مقاسات معينة لا تصلح لشعب شبّ عن الطوق وينادي بالحرية والعدالة , وفي حال انعدام التصويت والترشيح الإنتخابي سيتم فرضها قهراً بصورة انقاذية فورية, وستكون هزيلة جدا , وستختلق الذرائع بهذا الشأن لتمريرها كما تم تمرير جميع المخططات السابقة , وهذا ما يفسره البطء الشديد في اتخاذ قرارات رئاسية حاسمة من الرئيس هادي, والتردد القاتل في عملية الإنتقال السياسي , والفتور النسبي عبر (تقسيط الهيكلة) للجيش وحسم امر اقالة بقايا العائلة, هادي الذي يعتبر امتدادا حيويا للنظام السابق وابنا شرعيا له وحامي حماه وضمن نسيجة المتكامل والمتشعب في جميع مرافق الدولة , لا يريد صراحة اقالة العائلة , ولا يريد سحب البساط القيادي من تحت الوية الحرس الجمهوري والأمن المركزي, فلم نسمع السفير الأمريكي- المتحدث الرسمي باسم حكومة الوفاق- يعلنها بكل وضوح عن رغبة دولية لإقالة احمد على او على محسن وبقية آل الأحمر من مقاليد الأجهزة الأمنية والعسكرية , كلما نسمعه منذ ولادة المرحلة الانتقالية المتعثرة عبارة عن سيل من الغموض والتلاعب الجارف في طرح القضايا الوطنية , وعادة ما نسمع عن تمرد , وكل طرف يكيل التهم للطرف الآخر وتأتي ردود افعال مجلس الأمن غامضة ومكملة عبر اصدار قرارات توبيخيه معاتبة عابرة بمعاقبة (المتمرين على قرارات هادي) فمنهم المتمردين ياترى؟ , ولماذا لم يتم الاعلان عنهم صراحة بالاسم والكشوفات والأدلة الموثقة , ولماذا لم يتم حتى اللحظة اتخاذ اجراءات قوية وحاسمة ضدهم ومعاقبتهم؟ – ببساطة- لأن امريكا والغرب لا تريد هيكلة ولا ازالة ولا اقالة لقيادات الجيش, الخليج والسعودية بدورهما تريدان تمديد الفترة الإنتقالية لاربع سنوات اخريات وربما لعشر وعشرين وثلاثين وهلمّ جرّا , لكي تخنق انفاس الشعب و تحافظ على النظام كاملا كماهو قائما بكل رموزه واركانه , وحتى تجد الفرصة المناسبة والوقت الكافي لتفريخ بؤر سياسية موالية جديدة تنسجم مع مطامعها وتنفذ اجندتها واهدافها.


وإن كانت هيكلة الجيش تعتبر من الأمور الضرورية والمسلّمات التي لا تنازل عنها , الا انها كانت ذريعة اساسية وعرض مغري لتمرير هادي وتنصيبه رئيسا والقبول به وانتهى دورها , لذا فإن هادي وبايعاز من حليفه السابق سيصيغون رؤية مستقبلية موّحدة للمرحلة القادمة تؤدي الى التفويض والتمديد الرئاسي وضرب الخصوم التقليديين , الاحزاب المتسلّقة بدورها ستجد في التمديد الخيار الامثل والأنسب للهروب الى الأمام من تبعات اللوم و فشل المرحلة الانتقالية الاولية , وافساح المجال امام مرحلة انتقالية جديدة , تلتقط فيها الانفاس وتنفض عن نفسها غبار المرحلة الاولى وتداعياتها وتتمتع بسلطة كاملة , وستقدم نفسها للقوى المناهضة بانها عاجزة ومعذورة -لا حول ولا قوة لها- امام تسلط و تدخلات العائلة المستمرة , هكذا اكتملت الحبكة الدرامية والسيناريو القادم وتم تلميع رتوشه وتقديم ديباجته بطريقة سينمائيه بديعة, واصبح جاهزا للعرض , وان كان سيسبقه موجة اعلامية ودعائية كبيرة لجس نبض الشارع , وكما جرت العادة للقبول به لاحقاً.


وستنشط تباعا له الخلايا النائمة عبر المطبخ الاعلامي ليتم الإخراج والإنتاج لاضافة المزيد من الدراما الحية والصاخبة وافتعال الازمات مع خليط من الموسيقى والانغام المتناسقة والفواصل الحزينة وتعليق الفشل -كماهي العادة- بسبب تدخلات العائلة الأسطورية , وهم بذلك يحفرون قبر تابوت الوفاق الوطني , ويكملون تسوية خندقه وتجهيز انعاشه حتى تحين مراسم الدفن والعزاء, ان لم تقم في وقت مبكر قبل انتهاء المرحلة الانتقالية الاولى قبل التمديد المزمع .


فالركود السياسي الذي اصاب الساحة اليمنية, والتلاعب بمصير الوطن, وتعليق الأمور سائبة ومايلة دون تحكم وحلول ناجعة ستجر الى ويلات وخيمة ونهاية لا تحمد عقباها , ربما شعر بذلك باسندوه متأخرا في لحظة صحوة ضمير مباغتة عن انسداد الافق السياسي وسارع الى المطالبه بالحسم و التهديد بالعودة الى رحاب الثورة المنهكة , الا ان قوى عديدة لا يروق لها قطع اليد الممتدة الى السعودية , فسارعت الى الترويج للتمديد , حينها وبعد مرور اربع سنوات من مرحلة الانتقالية التي تعد الاطول عالميا في تأريخ الشعوب المتحضرة , سيطالها معول الهدم والتآمر من كل جانب , وتفضي الى نهاية النظام الحالي كليا , التسويف والتاجيل والتعطيل لن يخدم الحكومة مستقبلا -كما تتوهم- بقدر ما يضرها ويكسر شوكتها , حينها سيكون الأخوة الأعداء علي محسن و الرئيس السابق -ربما- في عداد الموتى او على فراش المرض, وسيكون الأبناء والمقربون قد قاموا بتأسيس امبراطورية استثماريه عملاقة من اموال الشعب المنهوبة, او تم ترقيتهم  وازاحتهم الى اماكن قيادية اخرى في الداخل او الخارج , وبذا سيفلتون من العقاب فالشعوب وذاكرة التأريخ لا تنسى ولا ترحم أبدا, وسيغلق الملف ويضاف الى مؤرشفات الوطن المنسيّة الغامضة وتقيد الأحداث الدامية ضد مجهول وبلا عقاب, وان تحققت فعلا وتم القبول بها دون اتخاذ اجراءات حازمة وحاسمة من قبل الاطياف الثورية والقوى المستقلة ستحكم على الثورة الشعبية بالفشل والإحتضار الكلي , وقد تجاري حينها -كعادة وراثية مستعصية ومرض مزمن- ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الى ظلت ترواح مكانها في صمود واستبسال لمدة سبع سنوات حتى تحقق النصر الأكيد وتم الاعتراف بها دولياً.


التنويم المغناطيسي الجزئي الذي تنتهجة دول الخليج ضد اليمن عبر التركيز على المبادرة والدوران في فلكها , يجعلها في مأمن من نار الاحداث التي قد تطالها بين فترة واخرى, وخنق الثورة سياسيا عبر جرع مبادرات ومهدئات في الانعاش السريري -الذي قد يطول لسنين- قد يؤدي مؤخرا الى موت الثورة شعبيا , وحينها ستحتفل ابراج الخليج وتنعتق من مخاطر الذئب الشرس المشاكس الذي يؤذي امنها القومي ويهدد بقائها ويتحرش بها من البوابة الخلفية , السعودية وعبر اذرعها الطويلة في اليمن لاترى مانعا من التمديد لهادي , فالتمديد يجعل النار لوقت اطول ممكن تحت الرماد , وتأمن من  عواقب انتصار ثورة شعبية عظمي تآمر عليها الداخل والخارج لذبحها , وحينها ستنفك السعودية من كابوس الربيع العربي الذي اثقل احلامها ومنامها لعامين كاملين , لذا وهي تتدخل في الجوار الملتهب -سوريا والبحرين واليمن- لإطالة امد الصراع كمصارع هائج  يدور في حلبة مغلقة يخشى الكدمات التي قد تطوله من كل جانب.


لذا خيار التمديد لهادي هو الحل الافضل لجميع القوى المتحالفه داخليا وخارجيا , ومثلما كان هادي يمثل نقطة التقاء لجميع المصالح  والأشخاص اصبح التمديد له امرا استراتيجيا ومصيريا يهم الجميع , او هكذا القراءة الاولية للأحداث تأبي الأقدار إلا أن تجعل من هادي اشبه ما يكون بدمية تتقاذفها الأيدي ليلهو ويلعب بها الصغار في الحديقة الخلفية للخليج , بينما تسرح وتمرح البارجات في اعماق البحار وتحلق الطائرات في الأجواء اليمنية , ويعاني المواطن اليمني من فقدان اساسيات الحياة الضرورية , وربما عامين مرّا فقط ليسا كافيين لتخدير وتنويم شعب باكمله , لذا دعت الحاجة الى استباق الثورة الوليدة التي ترتجف وتهتز من تحت الارض  تنتظر لحظة الإنفجار لتعلن ميلاد بركان قادم , فكان لابدّ في نظر هؤلاء ان يتم التمديد .. والتمديد , ولكن يبقى السؤال الأهم.. إلى متى ؟!  

زر الذهاب إلى الأعلى