فضاء حر

هادي والتلويح بعصا المبادرة الخليجية.

 

يمنات

لعلّ أكثر ما يميّز الحكام والأنظمة العربية قاطبة,أن كل نظام وليد يأتي ليصب جام غضبه وجلّ لعنته على من سبقه, وكأن لسان حاله يقول ’’نحن خير خلف لشر سلف’’, متناسياً القاعدة الشرعية العامة ’’إذكروا محاسن موتاكم’’ , خطاب الرئيس هادي الأخير في الإجتماع الإستثنائي الطارئ لمجلس الوزراء وان كان فيه الكثير من المرونة والتنازل الى صوت الشارع الغاضب لتهدئته, الا انه لم يخف الكثير من الحملة الشرسة على نظام علي عبدالله صالح , الذي كان يعتبرأحد أركانه وأعمدته , بل واستمر في كنفه لمدة 17 عشر عاماً , ولكي يسوق المبررات والأدلة والبراهين على نجاح حكومة الوفاق, وكما هي العادة قام بنسف خمسين عاماً من عمر الوطن, ولا يدري انه وبتهجمه الشديد يعلن صراحة إتهامه لنظام علي صالح بالحروب والكوارث ما ظهر منها وما بطن, و تناسى أن الطغمة الحاكمة المتناحرة عبر عقود والوجوه الماثلة أمامه هم وراء كل تلك الحروب والأزمات العاصفة.


وكأن السيد هادي -حسب وصفه- للمرحلة السابقه أتي من كوكب آخر, ولم يدرك وهو يسرد القائمة السوداء الطويلة للتجاوزات والإنتهاكات الصارخة والأوضاع المأساوية التي وصل اليها الوطن , حسب وصفه من التقطعات في طرقات العاصمة وبانها مقسمة الى ثلاثة اقسام , وبين كل المدن والمحافظات و هلمّ جرّا من التقطعات والأعمال التخريبية والإجرامية, لم يتبادر الى ذهنه الفتي انه كان واحدا من اركان النظام السابق وتحت عباءته, ومازال حتى اللحظة الراهنة متوشحا برداءه وسائرا على دربه و نهجه وسياساته, لعلّ الإتصال والعتاب القاسي الذي جاءه من القصر بعد خطابة الناري الجهوري مباشرة وهو يلوح بيده مهددا ومتوعدا من يعرقل سير تنفيذ عملية التسوية السياسية والمبادرة الخليجية بأن ستحل عليه اللعنة الحكومية والعقاب الشديد والمحاكمة العاجلة, حسب أحد المقربين من حرس اللواء الأول جمهوري, أن هادي رد معتذراً ومهدئاً من روعه وغضبه بوصفه (أن الخطاب مجرد للإستهلاك السياسي والمحلي ليس إلا , ولم يقصده في ذلك لا من قريب ولا من بعيد), ربما يقصد الثورة الشبابية !!


لعلّ خطاب هادي هذه المرة كان بمثابة جرعة ثقيلة و طويلة الأمد من المهدئات والمسكنات لحكومة الوفاق, التي بدأت تترنح و ترتعد الفرائص شاحبة وهي تجر أذيال الهزيمة والعار وترى نتائج الإخفاق والفشل تحيطها من كل جانب, وهي تتمعن النظر في سواد الأمور التي تخنق مسيرتها وتهدد بقائها, ولكن معالم الإرتياح كانت بادية على بعض الوجوه المترنحة على طاولة الإجتماع , وان بدت ابتسامة ساخرة من وزير -اظنه وزير التخطيط – وهو يتأمل صديقه الوزير المخضرم , ولسان حاله يقول باقون .. باقون رغم الأنوف والرؤوس, وبقدر ما حملتنبرة الرئيس هادي الكثير من التهديد والوعيد, الا اجمالياً كان الخطاب غير متزناً وغير واضح المعالم والرؤية فاقدا للثقة والحكمة, ويوضح مدى التخبط الكبير, و تمحور في ثلاثة محاور رئيسية:


أولاً ..تم التطرق فيه الى الماضي وتداعيات الثورة الشبابية والأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد.

 ثانياً.. تم إعادة مسودة المبادرة الخليجية والإسطوانة المشروخة من ألياتها التنفيذية والعملية.

 ثالثا.. تم وضع رؤية مستقبلية لفتح ورشة عمل (حوار مفتوح) قد يستمر الى ستة اشهر من نهاية نوفمبرالعام الجاري الى نهاية مايو السنة القادمة, وحينما لوّح بيديه مهددا المعرقلين لتنفيذ المبادرة الخليجية دون ان يذكر الأسباب والأسماء, ولكن هذه الإشاره يفهمها الكثيرون من السياسيين , ويوقنون انها رسالة واضحة ومحددة الى فئات بعينها .. اولاً الى شباب الساحات والتيارات المستقلة الرافضة للحوار دون تنفيذ شروط الهيكلة واطلاق سراح المعتقلين والإعتذار الرسمي للجنوب وصعده وتعويض اسر الشهدآء وغيرها من المطالب المشروعة , وثانياً .. كانت بمثابة رساله صارمة موجهة الى معارضة الخارج و قادة تيار الإنفصال وبقية مكونات الحراك الجنوبي بضرورة الإشتراك في الحوار الوطني.


وتحدث عن انجازات عملاقة وعظيمة لم نرها أبدا , فهل انتفض الشعب -كل الشعب- اليمني من اقصاه الى اقصاه حتى يطلب الأمان ..فاين الأمان المفقود إذن ؟, ومالتهديد بمزاعم الحرب الأهليه إلا ضربا من الجنون السياسي وضعف الرؤية, فما كانت لتقم حربا أهليه بين ابناء الوطن الواحد , الا في عقول اصحابها ومخططيها و منفذيها , العقليه التآمرية هي من تصور الكوارث والحروب والأزمات , وتختلق المصائب والفتن, ومن تقوم بتخويف الشعب لمجرد أوهام وخيالات ليس لها أساس من الواقع, خوفا على مصالحها والحفاظ على تواجدها, فالجميع يعرف ويوقن انه خلال مواجهات الحصبة الدامية كانت  الثورة الشبابية السلمية في معزل ومأمن وعلى الحياد دائماً, ولم تقحم نفسها في حرب لاناقة لها فيها ولا جمل, وحين حدثت المناوشات الحربية في نهم و ارحب تصدت لها القبائل لإيقاف غطرسة الحرس الجمهوري واعتداءاتها بكل قوة واستبسال, وحين ضربت الوية الحرس الجمهوري الحالمة تعز وقفت الوية الجيش الموالية للثورة لها بالمرصاد, فتسوية وتصفية الحسابات والخلافات المسلحة بين اركان النظام والحكم القبلي لم تجر ولن تجر الوطن الى الحرب الأهلية.


الحقيقة أن شعبا مسالماً قام بثورة سلمية أذهلت العالم, ما كان لها ان تقوم وتستمر في مواجهة الجبروت والطغيان بصدور عارية الا لأنها انتهجت خيار السلمية وفقط , وان كانت هناك بوادر حرب أهليه فعلا فهي كانت ستدور بين اقطاب النظام وانصاره في دائرة ضيقة قد لاتتعدى الحصبة وارحب واماكن النفوذ لكليهما, اذن الشئ الوحيد الذي لم يفهمه السيد هادي والعصبة المحيطة به ان الشعب لم يخرج ليجد الطرقات آمنة نظيفة بدون تقطعات ومتارس, فالمتارس والتقطعات هم من أوجودها ومن وضعوها وهم من رفعوها لاحقاً بعد إنفراج الأزمة السياسية بين الفرقاء, ولم تحقق حكومة الوفاق الكثير من الإنجازات كما يزعم , وان كانت نوعا ما طفيفة في مجال النظافة, في حين مازالت الكهرباء والأساسيات الضرورية والبنية التحتية تكاد تكون مفقودة تماما.


لم يدر هادي أن سياسة العقاب الجماعي والتخويف والبطش وصراع العمالقة الكبار هي من جعلت الشعب يرضخ رغما عنه دون قناعات وطنية ويخرج للتصويت له والقبول بالمبادرة الخليجية , ف (الفراغ الدستوري) الذي تحدث عنه كان ومازال قائما منذ وجود النظام السابق, فمتى كانت اليمن في ظل هذه الأنظمة المستبدة وحكم القبيلة محكومة بالدستور والقانون, ومتى كانت القوانين و الدساتير تسيّر عجلة البلاد ورهن إشارتها, فلو كان هناك دستوراً يحترم وقانوناً يطاع لما انتجت المبادرة الخليجية وتم فرضها على اليمن كدستور إلهي وقرآن منزل, التحدي الأكبر الذي يواجه الجميع الآن هي الساحات الثورية التي بدأت تنتفض بين جدرانها مجدداً , وتهدد عرش ووجود حكومة الوفاق , فهناك توجه شعبي كبير الى محراب الثورة مجددا , وهذا ما تم طرحه سابقا ونادينا اليه مرارا منذ نشأة المبادرة الخليجية والإنتخابات الرئاسية, فلن يكتب لها النجاح لأنها ببساطة لا تلبي تطلعات وطموح الشعب اليمني , فلن تفرض ارادة او مشيئة تسيّر ثورة شعبية عظمي تنادي بإسقاط النظام ومحاكمة رموزه واركانه عن جميع الجرائم والحقوق المنتهكة, فهنا العدالة الإلهية وحدها – وليس الإنتقالية- وأرادة الشعب هي من تتخذ القرار وتضع الرؤية وتحقق العدالة والوجود.


فالشباب لم يكونوا أبدا معرقلين لمسيرة الوفاق الوطني , وان كانت شروطهم واضحة وصريحة وتم انتخاب هادي -من قبل البعض- على اساسها  من اسقاط بقايا نظام العائلة الحاكمة والمحاكمة والقصاص العادل, فلن يتم هناك حوار أو إتفاق دون تهيئة الأجواء المناسبة والملائمة له , لينتج عنها حوارا عادلاً متكافئاً, لا تفرض فيه أجندة القوة والسلاح لفرض الأراء وتوفير الحصانات والضمانات الكافية لطرف ما دون الآخر ليخرج منتصرا بإرادته, مالفت الإنتباه حقيقة في الإجتماع الإستثانئ لمجلس الوزرءا وجود باسندوة متململاً بعد كثرة التكهنات والإرهاصات عن المطالبه يتغييره أو تقديم استقالته, ولكن ربما اللقاء الودي العابر والحديث خلف الكواليس أثمر وتمخض عنه مصالحة عامة ظهرت بوادرها على الملأ , افضت الى بقاء باسندوة في منصبه, والتراجع عن التعديل الوزاري الأخير ورفض التمديد لفترة إنتقالية لاحقة, وهذا ما عبّر عنه صراحة باسندوة بعد نهاية الإجتماع والدعوة مجددا الى تنفيذ المبادرة الخليجية, بعد أن كان حتى الأمس القريب وخلال اقل من اسبوعين تتغير مواقفه تباعا بطريقة دراماتيكية متقلبة فاضحة, فمرة ينادي بالعودة الى الخيار الثوري , ومرة ينادي بفشل التسوية السياسية ويهدد بالإستقالة , ومرة اخرى يرحب بالمبادرة باعتبارها المفتاح السحري لحل جميع أزمات ومشاكل الوطن!!


أحاديث مبهمة ومواقف غامضة وتبدّل المواقف والأدوار, التي تدور رحاها في دهاليز الحكم وخلف الكواليس, توضح أن هناك مخطط ما يفوق قدرة مجلس الوزراء ورئيس الدولة , ويجب على الجميع المضي فيه والإنصياع له والتضامن معه, والموضوع الأبرز في خطاب هادي انه بطريقة جافة وغير مسئولة يعلن تنازله عن السلطة والسيادة الوطنية ونقلها الى مربع دول الجوار والخارج, وهذا ما نبّه اليه وذكره تكرارا ومرارا من أن المحيط الإقليمي والدولي هو من يشرف مباشرة على تنفيذ المبادرة الخليجية وألياتها التنفيذية ويراقب سيرها , ومن يخطط ويضع الصيغ النهائية للحوار الوطني القادم ,لغة التهديد والوعيد والعصبية الزائدة وان كانت واضحة وهو يغطي العجز الواضح بالضرب على الطاوله وبشدة لأكثر من مرة, توضح ان الحكومة بمن فيها رئيس الدولة جميعاً في موقف لايحسدون عليه.   


زر الذهاب إلى الأعلى