فضاء حر

ريشة ولحن ولحية

 

لم يعد في هذه المدينة – منذ امد بعيد – ما يستوجب غضب السماء .. اليباب واليباس والقحط يسير على ما يرام ؛ الفوضى مستتبه ورصاص الموت المجاني تصيب اهدافها بدقة وسواطير الذبح اكثر شرعية من شفرات الحلاقة..

المدينة متصالحة مع السماء تماما لأنها شاحبة وتعيسة وناكصة تماما وتلك صفات يحبها الله كما يؤكد " مجمع ابي رنجلة " الضليع في الفقه والتأويل والفتوى!.

كما اشرعت المنازل نوافذها للهواء والضوء ، وخفقت القلوب منتشية واغتسلت القبضات من اثر البارود بماء الورد؛ تصبح المدينة نهبا للجراد والقمل وطوفان جماعات الاسلام السياسي وحوافز " حماة الفضيلة  والثورة وبيضة الدين " التي لا تفقص سوى الجوارح والرِّمَمِيات .

حمل صديقي الفنان التشكيلي مفيد اليوسفي " سامانه " على حين غفلة من آلهة القبح والنشاز فقلت لنفسي : لقد تأبطت شرا وقديما قيل : الريشة نائمة لعن الله من ايقضها… في غضون ايام احتشد حوله سرب فنانات وفنانين من فئات عمرية مختلفة وشرعوا يقترفون خطيئة اسمها " تعز.. الوان الحياة". كانت المدينة مكتفية بالأبيض والأسود فأثاروا شبق أزقتها واسوارها وحجارتها للتعَرِّي تحت مساكب الضوء ومشيئة اقواس قزح.

راحوا يستمطرون ضريح " هاشم علي" وعلى ايقاع قعقعة علب اللون وهفهفة الريشات النشوانة كـ " لحية الباهوت" خرجت كائنات هاشم من الأجداث سراعا لتأخذ مكانها على جدران المدينة فأثارت حفيضة نباشي القبور وحوانيت الحنوط والأكفان وعكرت صفو مهرجان القتل اليومي الذي دشَّنه" يزيد " بهدف توفير تسلية مجانية لرعايا ينهشهم السام!.

عثر" ابو رنجلة" في اسم رائد التشكيليين اليمنيين الراحل " هاشم علي" اخيرا على دليل قاطع بأن تعز " قد تحوثت" … انهم ولا ريب هاشميون علويون وفوق رؤوس قطيع المؤمنين بربانيته وقف خطيبا :" لقد ساءت هؤلاء نجاحات إخوانكم المجاهدين في تطهير تراب افغانستان ومالي وليبيا من دنس الأضرحة والمزارات وتماثيل بوذا الوثنية فأرادوا تعويض خسائرهم بتخليد رسومها هنا على هذا التراب الطاهر.. لكن هيهات " وحتى يكون منصفا في خصومته دعا رأس الفتنة مفيد اليوسفي إلى مناظرة على رؤوس كائنات " هاشم علي " الكادحة المتعرِّقة الطيبة والبسيطة … إنه عداء " سلاسة ابي رنجلة" العريق والمتأصل مع كل ما له رأس وذات!.

لسنوات طويلة ظل جدار سور مبنى الإتصالات بتعز متكأ حميما لأهرامات القمامة ولم يكن يستفز جمهرة المؤمنين مشهده النشاز. غير ان " الوان الحياة" اصابت عيونهم بالرمد ومزقت شبكياتها.

كتب " يمني معتدل " : " لو ان فريق المشروع المجني عليه سخروا مواهبهم في أمور نافعة ودشنوا مشروعهم تحت شعار " اذكر الله ياغافل أو سوريا وداغستان تستغيث…" وكتب ( يساري متطرِّف) :" انها محاولة خبيثة لكسر اصطفاف شباب الحزب حول امينهم العام بعد عملية الاغتيال الفاشلة التي تعرَّض لها".

وحده" شيخ مشائخ الثورة وسيفها المسلول وقاهر طواحين الهواء".. وحده يدرك كم هي الريشه والقلم وحنجرة الفنان وأصابع البيانو مخيفة وتحيله صفرا.. وحده يدرك ان القطعان المرابطة في ثكناته كعفاريت سليمان…. القطعان التي تعبر فوق جثة المعلم الشهيد " رزاز خالد ناجي " وتلال الضحايا المذبوحين على شرف فحولة الشيخ القاهر لتغتال كائنات الضوء والماء هي – هذه القطعان – وفقط السلالة التي ينبغي ان تتكاثر وتفقس لتكتض المدينة بنسلها والخصاء والعقم لسواها!.

في بريد شوقي هائل

انها فرصة مواتية جدا لإفتتاح كلية للفنون الجميلة في تعز كرد عملي على غربان الوهابية وطيور الظلام وكتكريم للأنامل التي تحرث صخر الواقع لينبجس الضوء شفيفا ورائقا في مدينة يقطع ابناؤها مئات الأميال ليلتحقوا بتخصيص تفتقر اليه " الحالمة…".

صحيفة " اليمن اليوم"

زر الذهاب إلى الأعلى