فضاء حر

ثوار بالصدفة

يمنات

شهد اليمن خلال العقدين الأخيرين (وتحديداً منذ انتهاء حرب صيف 1994) انقساماً للنخبة الحاكمة، وتفككها إلى ثلاث مجموعات، وعلى الرغم من النزاعات المستحكمة بين هذه المجموعات، واختلافها حول أنصبتها من الثروة والسلطة، لاسيما عقارات الجنوب ومؤسساته العامة (تحت مبرر الخصخصة)، وثرواته الطبيعية، ومواقع النفوذ فيه، فضلاً عن الثروة النفطية المحدودة في محافظة مأرب.

فجميعها كانت متفقة على ضرورة الحفاظ على النظام الذي أسسته خلال العقدين الماضيين، لذلك، التزمت بميثاق شرف ضمني، لإدارة النزاع بما يحول دون تحوله إلى حرب شاملة، قد تؤدي إلى سقوط النخبة الحاكمة بكل مكوناتها، والتحكم بقنوات الوصول إلى السلطة ومواقع صناعة القرار، بما يضمن استمرار ميل ميزان توزيع القوة (بمعنى السلطة هنا) لصالح النخب التقليدية الحاكمة، وتحديد ممثلي الطبقات والفئات الاجتماعية الحديثة (الانتجلنسيا، البرجوازية الوطنية، والطبقة المتوسطة الحديثة) في مواقع السلطة كماً وكيفاً، بحيث لا يسمح لهذه الطبقات والفئات باختيار ممثليها الحقيقيين في السلطة اختياراً حراً وديمقراطياً، وإنما يتم اختيار متحدثين باسمها، أو في أحسن الأحوال ممثلين مزيفين لها، يمثلونها شكلياً ولا يمثلون مشروعها للتحول الديمقراطي وبناء الدولة المدنية الحديثة.

وعندما اندلعت ثورة الشعب اليمني في فبراير 2011 أحست النخبة التقليدية الحاكمة بكل مكوناتها، أنها سوف تفقد كل مصالحها، لاسيما أن الشعب رفع شعار إسقاط النظام بكل مكوناته: الرئيس الفاسد المفسد، وكل النخب الفاسدة من شيوخ قبائل وقادة عسكريين ووزراء ودبلوماسيين ومشرعين، وبعد أن تيقنت بعض جماعات النخبة التقليدية الحاكمة بأن النظام لا محالة ساقط، هرب بعض أفرادها إلى ساحات الحرية وميادين التغيير، وتقمصوا أثواب الثوار. لكنهم ثوار من نوع خاص، أو ثوار بالصدفة، ثوريتهم مشتقة من الثأر لا من الثورة، وجدوا أنفسهم مضطرين للانخراط في صفوف الثورة، لإنقاذ أنفسهم والحفاظ على مصالحهم، والثأر من خصومهم في السلطة، فراح بعض هؤلاء يحلفون الايمان الغلاظ من على منصات ساحات الحرية وميادين التغيير بأنهم لن يسرقوا الثورة، وأنهم سوف يعملون جاهدين على تحقيق أهدافها، وسيكونون سنداً وأنصاراً للثورة، وحماة للثوار، والحقيقة أن هذه الأيمان كانت كاليمين الدستورية التي أداها علي عبد الله صالح في أبريل 1978، والأيمان الدستورية اللاحقة، وللأسف الشديد، انخدع بعض الثوار بهذه الأكاذيب والحيل، واضطر ثوار آخرون لتصديقها رغم أيمانهم الراسخ بأن الثعالب لا يمكن أن تتحول إلى أسود بأي حال من الأحوال.

أثبتت تجربة العامين الماضيين أن ثورية هؤلاء الأدعياء كانت ثأراً وانتقاماً من علي عبد الله صالح، ولم تكن ثورة على النظام، فهم أشد إخلاصاً لمؤسساته وتشريعاته من علي عبد الله صالح، وقد استطاعوا أن يضمنوا المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني بشخوصهم أو بممثلين عنهم، بل من سخرية القدر أنهم هم الذين سيختارون الثوار الذين يشاركون في المؤتمر، فالثوار الحقيقيين، وأقصد هنا المرأة اليمنية (حرائر اليمن) وشباب الثورة هم الفئة الوحيدة التي وضعت لها آلية ديمقراطية شكلية تقوم شكلاً على تكافؤ الفرص، فعليهم الترشح وتقديم وثائق تثبت أنهم مناضلين، ثم بعد ذلك سوف تقوم النخب التقليدية باختيار الذين سوف يشاركون في المؤتمر، ولا نعلم وفق أي معايير سوف تتم عملية الاختيار، أما الذين يدعون أنهم يمثلون الشعب اليمني، فهم ثابتون ومحددون بالاسم، ولا يخضعون لأي عملية تنافس.

 

على ضوء ما تقدم، وعلى ضوء التجارب الثورية التي شهدتها اليمن خلال ما يقرب من سبعة عقود، نخلص إلى استحالة تحقيق الأهداف الحقيقية لأي ثورة في اليمن، إذا لم تتزامن مع الثورة السياسية أو تسبقها ثورة اجتماعية، وإذا لم تسبق الثورة بمكونيها السياسي والاجتماعي ثورة على المستوى الإقليمي، تسقط الحكومات التي تتدخل في الشئون اليمنية، والتي أجهضت كل المحاولات الثورية اليمنية.

عن: الاشتراكي نت

زر الذهاب إلى الأعلى