فضاء حر

الحزب الاشتراكي ومغامرة الانزلاق إلى المجهول الحلقة “2”

يمنات

إذا كان الأمين العام للحزب الاشتراكي قد شرح الأسباب التي استند إليها الحزب في تبنيه لنص المادة 3 من الدستور الحالي وعلى النحو الذي أسلفناه في الحلقة الأولي. وأيا كان موقفنا من ذلك فالذي يبدو جليا أن الحزب قد حدد موقفه ذلك علي أساس من الافتراضات المفرطة في بساطتها والنظر إلي الكم الهائل من المشكلات المعقدة والمتراكمة من زاوية السياسة – فقط – بمعطياتها اللحظية الراهنة والمنفلتة عن بقية المحددات التاريخية متغافل عن كون هذه التعقيدات الراهنة بالرغم من محركها السياسي هي تعقيدات سياسية – اقتصادية – ثقافية- اجتماعية ووووو…الخ، ذات عمق أيديولوجي تاريخي وهي مجتمعة قد أوصلتنا إلي مرحلة التصدع الكامل لبنية المجتمع واغتراب المواطن عن هويته الوطنية وقيمته الروحية..

ومثل هذه الحالة المتقدمة من الإحباط والفشل المتراكم لا تعالج عن طريق التصالح مع محددات الواقع الذي أنتجها ومع القوي المتخلقة من رحمه، والتي تحاول اليوم فرض نفسها في سياق إنتاج ذلك الواقع الذي أتت منه في المستقبل من جديد..

يبدو الحزب الاشتراكي بموقفه ذلك وكما لو انه كان المسئول تاريخيا عن إنتاج هذه المشكلات والتعقيدات وان تلك المسئولية هي التي فرضت عليه الإقدام الآن علي إعادة النظر في منطلقاته الإيديولوجية الناظمة لمشروع الدولة المدنية ومن ثم تغيير أدواته المعرفية في ميدان العمل السياسي .. مع انه في الحقيقة لم يكن في تاريخ تجربته السياسية سببا لتلك المشكلات.. بل كان كمشروع سياسي ضحية لتلك القوي التي أنتجت مشكلاتنا الكبيرة والتي كان يفترض بها اليوم أن تقوم بإعاده النظر في أدواتها ورؤاها وتجربتها ومن ثم تبديل موقفها لصالح الرؤي الحداثية التي تستلهم روح العصر وليس العكس.

علي أية حال.. انه ومهما حاول قياديوا الحزب الاشتراكي الدفاع عن موقفهم ومهما بدت وجهات نظرهم علي قدر كبير من الموضوعية وقربها من محاكاة الواقع إلا ان هناك جملة من المعطيات والمحددات الراهنة تحول دون توافر الحد الأدنى من معايير الاطمئنان وموضوعية القراءة التي انطلق منها وتؤكد أن موقفه هذا. جاء منفلتا عن مخرجات التطور التاريخي لتجربته السياسية ويمكن أن نشير إلى أهم تلك المعطيات والمحددات في الأتي:

أولا: إن الحزب الاشتراكي طيلة عقد ونيف من تحالفه مع حزب الإصلاح الديني لم يعمل عبر أدوات التحالف المتاحة على تنمية وعي الخطاب الديني لذلك الحليف والحد من مظاهر غوغائيته السياسية كشرط مسبق لصالح تكيفه الايجابي معه مستقبلا في منظومة الحياة الاجتماعية وإزالة قشور الذهنية الإستعدائية لتجربة الحزب التاريخية .. فلم يتم سحب دعاوي التكفير عن قياداته وفتاوي الحرب على مقدرات دولته في الجنوب .. بل على العكس استفاد حزب الإصلاح من تحالفه مع الاشتراكي سوا محليا أو دوليا في سياق إثبات حداثيته وتقدميته وقابليته للتعايش مع مكونات اليسار. في حين ظل عبر أدواته الاجتماعية ومخرجات خطابه الديني ونشاطه السياسي يدمر وينسف الذاكرة السياسية والتاريخية للحزب الاشتراكي ويصفيها ذهنيا واجتماعيا وبشكل ممنهج لاسيما في المناطق الجنوبية..

ومثل هكذا واقع يؤكد إن موقف الحزب الأخير لم يأت في سياق التطور التاريخي لتجربته في العملية السياسية السابقة لعام 2011م .. وإنما جاء منفلتا عن ذلك ونتاجا لموقف لحظي محكوم بمعطيات مؤقتة خلع اعتبارات الماضي لصالح مستقبل لم تتضح ملامحه بعد و لولا ثقتنا العميقة بأمينه العام ومن معه من القياديين لكانت أخذتنا الظنون إلي تأويلات خبيثة ومحرجة.

ثانيا: إن الحزب في بقية بنود رؤيته لم يؤسس لانبثاق معايير ومحددات تساعد مستقبلا في تحرير الخطاب الديني واستخدامه من قبل حامله التاريخي كأداة استقوى في تصفية الخصومات السياسية .. فمدخلات عملية التحول القائمة تكشف أن المكونات الدينية ومنظومة تحالفاتها هي المتحكم الأساسي والطرف الأقوي بين كل اللاعبين السياسيين وهي أكثر المكونات امتلاكا لأدوات إدارة المجتمع وتشكيل وعيه والمرشحة للسيطرة مستقبلا إلي حد ما.

ثالثا: إن النص الذي ورد في رؤية الحزب الاشتراكي قد أشار إلى كون الشريعة الاسلامية مصدر جميع التشريعات بعبارة منفلتة مغلفة بعمومية خطيرة دون أن يتكفل ذلك النص بوضع معيار يفصل بين الشريعة كنصوص ومبادئ وبين الفهم البشري لتلك النصوص والإفرازات التاريخية لذلك الفهم التي تجسدت في الواقع التاريخي الإسلامي منذ وفاة الرسول الأعظم حتى يومنا هذا، مع أن قيادة الحزب تدرك خطورة هذا التعميم جيدا، حيث أن مخرجات التجربة التاريخية الاسلامية من أراء بشرية وممارسات سلطوية وأحكام اجتهادية وأجندات مذهبية أصبحت وفق تراكمها المؤطر في ذهنية العقل العربي جزء لا يتجزأ من الشريعة.

فكل الدماء التي أريقت على مر التاريخ الإسلامي والاستبداد السياسي الذي قهر الشعوب ونهب مقدرات الأمة كلها تمت تحت غطا ديني واستنادا إلي الشريعة الاسلامية، ولكن أي شريعة هي تلك؟؟؟؟؟؟..

إن منابر الإسلام السياسي اليوم تشرعن لتدمير سوريا باسم الجهاد في سبيل الله وتوفر أرضية للعدو الصهيوني لممارسة العدوان وتصدر فتاوي تجيش بها الشباب الضال وتزج به في حرب قذرة في سوريا ومن هؤلاء الشباب يمنيين ذهبوا بموجب فتاوي صدرت من شخصيات دينيه متحزبة…الخ…..؟؟

إذن ما هي الشريعة الاسلامية التي ذهب إليها الحزب الاشتراكي ؟؟؟؟ الم يكن الأولي قبل تبني الحزب لهذا الموقف أن يعمل أولا عبر أدواته المعرفية والسياسية وبالتعاون مع كل المكونات السياسية والنخب الفكرية على بلورة أرضية (معرفية-سياسية) تحدد لنا ملامح وجغرافية الشريعة المقصودة .. أو على الأقل التأسيس لمعطيات ومعايير عمومية تجعل الجميع في المستقبل يقفوا على مسافة واحدة من الشريعة دون أفضلية تاريخية لأحد على الآخر في هذا السياق، حتى على الأقل ليضمن الحزب لنفسه أن تنازله هذا سيحقق له نتائج مستقبلية في بلورة رؤاه.

لقد فقد الحزب الاشتراكي برؤيته الأخيرة الأرضية الصلبة التي كان يجر الآخرين إليها ومن ثم يزلزلهم فوقها بمنطقه السياسي وأطروحاته التقدمية حتى في لحظات وهنه التاريخي ألا وهي أرضية الدولة المدنية وانتقل بنفسه سوا بوعي أو بدون وعي إلي أرضية صراع مغايرة ودائرة مواجهة مختلفة لا يملك فيها أدوات إدارة المواجهة ولا مقومات أو مكنات تحقيق طموحه، كون المكونات الدينية تمتلك أدوات المواجهة وإمكانات التفوق داخل هذه الدائرة الجديدة القديمة التي زج الحزب بنفسه داخلها .. فعلا إن مستقبل الحزب مجهول بعد اليوم؟؟؟

صنعاء 10 مايو 2013م

 

لقراءة الحلقة الأولى

http://mcl.kxq.mybluehost.meart23231.html

زر الذهاب إلى الأعلى