مواقف وأنشطة

أخونة التعليم في اليمن (الجذور – النتائج – الحلول)

يمنات – خاص 

المقدمة:

تحتل العملية التعليمية مركز الصدارة في اهتمامات قادة الدول ورؤساء الحكومات والمهتمين بالشأن التعليمي على مستوى العالم أجمع, باعتبار العملية التعليمية التربوية حجر الزاوية في مختلف جوانب النهضة التقدمية ورافداً لا ينضب معين قدراته وإمكانياته التي تحتاجها الأمم والشعوب, وبناءً على هذه الحقيقة سخرت تلك الدول كل جهودها وإمكانياتها في مجال النهوض التعليمي وأولته كل الاهتمام وأبعدته عن كل ما ينحرف بأهدافه الوطنية النهضوية الى معترك الصراع أو حتى التنافس السياسي, أكان ذلك على مستوى الكادر أو المنهج كون الكادر التعليمي ثروة وطنية يحرم الاستئثار بها و المنهج خط انطلاق صاعد يحمل معه الأمة الى آفاق الرقي والتقدم.. وبناءً على ما سبق يبرز سؤال ملح يتطلب إجابة واقعية ومتجردة من كل مؤثر أيا كان يتمثل في: هل العملية التعليمية  في اليمن تسير وفق سياسة ذات اهداف وطنية تتحقق من خلالها آمال وتطلعات الشعب في التنمية والبناء في كافة المجالات؟ أم أن العملية التعليمية خضعت بكادرها ومناهجا في الماضي والحاضر لتطلعات المذاهب والأحزاب وتوجهات السلطة الرامية الى تسخير كل شيء في سبيل البقاء حاكمة بأمرها مهما كان الثمن؟ والاجابة على هذا السؤال ستتضح من خلال طرح إشكالية الواقع التعليمي في اليمن والتي تتحدد أبرز مظاهرها في الآتي:

 الجذور الأولى للاختلالات التربوية التعليمية:

بدأت جذور الاختلال في العملية التربوية التعليمية إبان الصراع السياسي بين السلطة والمعارضة اليسارية ممثلة بالجبهة الوطنية الديمقراطية التي خاضت كفاحاً مسلحاً ضد سلطة صالح في اوائل الثمانينات في عدد من مناطق محافظتي تعز وإب وامتدادها سياسياً الى كل من ذمار وريمة وعتمة ومأرب والبيضاء وخولان وعمران وعدد من مناطق محافظة صنعاء, وتحت وطأة التهديد الفعلي الذي تتعرض له سلطة صالح عسكرياً وسياسياً تمكن الإخوان من عقد تحالف مع السلطة  ظاهره مواجهة المد العسكري والسياسي  للجبهة الوطنية وباطنه مواجهة المد الفكري التقدمي لجمهورية اليمن الديمقراطية من خلال إنشاء عدد كبير من المعاهد العلمية ذات التوجه الإخواني والقائمة منهجها على تكثيف منهجي العقيدة الإسلامية واللغة العربية.. الأمر الذي مكن الإخوان من التغلغل في المؤسسة التربوية عبر المواجهة الأيديولوجية وفي المؤسستين الدفاعية والأمنية من خلال اشتراك مليشيات الإخوان في المواجهة العسكرية استطاعت من خلاله أن تلعب دوراً محورياً في سياسة وتوجهات النظام قبل الوحدة وبعدها خصوصاً  في مجال السياسة التربوية- التعليمية مكن التنظيم (تنظيم الإخوان المسلمين) من الدفع بعدد من كوادره الى سُدة أهم مواقع ومفاصل الإدارة التربوية التعليمية المنوط بها رسم سياسة التعليم الإدارية والتنفيذية فضلاً عن الدفع بحشود كبيرة من خريجي المعاهد العلمية للعمل في الميدان كمعلمين في مختلف مدراس الجمهورية وبكافة مستوياتها ناهيك عن تمكنهم كمرحلة أولى من تكثيف منهجي التربية الإسلامية واللغة العربية على حساب المقررات العلمية والعلوم الإنسانية (فلسفة- منطق- علم الاجتماع- علم النفس), وكذلك اللغة الانجليزية الأمر الذي بدأ معه مستوى التحصيل يتوارى بفعل اهمال هذه المقررات والتركيز على مقررات التربية الإسلامية واللغة العربية .

أخونة وأمننة العملية التعليمية:

لقد كان لتحالف الإخوان مع النظام لمواجهة المد السياسي والعسكري للجبهة الوطنية الديمقراطية أثر كبير على مسار العملية التربوية التعليمية التي خضعت بفعله لعملية محاصصة وتقاسم تَقاسم فيها الحليفان مواقع الإدارة التربوية والتعليمية من خلال الدفع بعدد من ضباط الأمن وقياديين إخوانيين الى كل مفاصل الإدارة والأداء في مختلف محافظات الجمهورية عمل فيها الحليفان على إقصاء عدد من الكوادر المناهضة لسياسة السلطة والمخالفة لفكر الإخوان الأمر الذي بدأ معه الضعف يدب في مستوى الأداء الذي أثر بدوره على مستوى التحصيل وبدأت تتحول معه المؤسسات التعليمية الى ساحات صراع سياسي وملاحقات أمنية..

وتنفيذاً لخطة ذات أهداف مستقبلية بعيدة المدى دفع الإخوان بزخم كبير من خريجي المعاهد العلمية للالتحاق بكلية التربية تمهيداً  لإكمال السيطرة مستقبلاً على مجمل العملية التعليمية الأمر الذي وضعها بين فكي كماشة يتجلى ذلك من خلال ما مورس ويمارس ضدها من تدمير منظم وموجه أكان ذلك في مرحلة التحالف أم مرحلة فك الشراكة منذ ما قبل ثورة 11 فبراير 2011م الشبابية السلمية وحتى الآن.. ومن أبرز مظاهر هذا التدمير ما يلي:

أ‌-       تدمير المنهج التعليمي التربوي:

يمثل المنهج التعليمي أساس السياسة العامة للدولة ومرآة توجهها التي من خلالها تستطيع رسم سياستها وتحديد متطلباتها وإمكانيات تنفيذها وتوزيع مخرجاتها على مختلف مجالات التنمية, ولكون المنهج التعليمي يُبنى على أساس شمولية المعرفة العلمية والثقافية لم تشأ السلطة أن تتسع آفاق المعرفة لدى الطلاب في حرص منها على استقرار حكمها الاستبدادي الذي ستزعزعه حركة العلم والثقافة بما تنتجه من وعي تجاه ضرورة توفير حرية عامة وحقوق مشروعة من اهمها التسليم بحق الشعب في اختيار حكامه وأسلوب نظامه وطريقة ممارسته لشؤون حياته.. وبالمقابل لم يشأ (الإخوان المسلمين) أن تتسع آفاق المعرفة في مجالات الثقافة الإنسانية كالفكر والفلسفة والمنطق وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم التي تؤصل لفهم حقيقي للدين وتستنبط منه أحكاماً وتفسيرات صحيحة لمشكلات الحياة تتفق مع ثقافة العصر ومتطلباته ولا تتصادم مع انجازاته ومخترعاته الأمر الذي يهدد نفوذهم ويقلص فرص تحقيق أهدافهم في قصر المعرفة على علوم الدين واللغة العربية التي يعتبرون أنفسهم فرسانها في استبسال للإبقاء على عصا الدين بيدهم لقمع كل مخالف لآرائهم وتكفير كل مقاوم لأهدافهم.. وبناء على هذه الأهداف والمرامي لكل من السلطة وتنظيم الإخوان إبان تحالفهم المرحلي الذي تأسس في أوائل الثمانينات عمل الطرفان على تدمير المنهج التعليمي تدميراً منظماً من خلال:

1.      إعداد منهج جديد لمختلف مستويات التعليم الأساسي والعام كثفت فيه جرعات التربية الإسلامية واللغة العربية مع التركيز على إيراد أمثلة وموضوعات تخدم التوجه الإخواني وترسخ مفاهيمهم وتأويلاتهم في أذهان التلاميذ وبالتالي ايراد سير وموضوعات تتحدث عن أدوار ومواقف شخصيات إخوانية يجب على الأمة الاعتزاز بها والسير على نهجها كسيد قطب وحسن البناء وغيرهما, كل ذلك بتسهيل من السلطة التي لم تكن تدرك مخاطر هذا التوجه التدميري, وبقي بُعد تفكيرها متوقفاً عند كيفية القضاء على أعدائها السياسيين ممثلين بالجبهة الوطنية الديمقراطية في حرص منها على سلامتها وبقائها على سدة الحكم.

2.      في مرحلة ثانية تم تقليص جرعة المواد العلمية وتعقيد بناء منهجها بحيث أصبحت موادها عبارة عن كم من الأسئلة يطلب من الطالب الإجابة عليها قبل تلقيه معلوماتها ومهاراتها من خلال المدرس الذي يكتفي بكتابة اسم الموضوع على لوحة الفصل وإلقاء الموضوع بشكل مبسط جداً لا يمكن الطلاب من الإجابة على سؤال واحد وفي أسلوب يولد النفور لدى الطلاب من المواد العلمية وتعويض الدرجات عبر حفظ مقررات التربية الإسلامية واللغة العربية التي تلقى بدورها اهتماماً من حيث الالقاء لمعلوماتها ومناقشتها باستفاضة مع الطلاب من قبل المدرسين الذين ينتمي معظمهم للإخوان أو من أنصارهم.

3.      استبعاد مادة التربية الوطنية التي تركز على عملية بناء الولاء الوطني وتجسيد هدف الانتماء للوطن في نفوس الطلاب من خلال إيراد سير شخصيات وطنية ثورية قاومت الظلم والاستبداد ونادت بالحرية والاستقلال ومقاومة كل جبروت للسلطة أو كهنوت في الدين, في عمل هدفت منه السلطة الى طمس رموز النضال من الذاكرة  الوطنية في الوقت الذي وضعت فيه صورة الزعيم في أول صفحة من صفحات معظم كتب المنهج وخصوصاً في صفوف مرحلة التعليم الأساسي كرمز أوحد.

4.      حرص السلطة وحلفائها الإخوان على أن يبنى المنهج لمختلف مراحل التعليم بناء غير مواكب لمتطلبات العصر العلمية بهدف خلق جيل لا يفقه سوى طاعة الجبروت وتمثل وعظ الكهنوت.

5.      تفكيك الروابط المعرفية بين أجزاء المنهج. حيث غابت- مثلاً- في منهج اللغة العربية للثانوية موضوعات كانت تُعرّف بشعر هوميروس وأدب شكسبير وتشيخوف وحتى بعض الشعراء والأدباء العرب كأدونيس وكمال أبو ديب ونازك الملائكة وسلمى الصباح والمقالح وغيرهم لكونهم عند السلطة شعراء وأدباء تنوير ولدى الإخوان ملاحدة وشوعيين.

ب‌-     تغييب دور التوجيه التربوي:-

لأن التوجيه التربوي جهاز محوري وهام في منظومة العملية التعليمية يقوم في تكوينه على مدماك التمكن من المادة وأساليب وطرق تدريسها وادراك أهداف ومضامين كل درس فيها ولأن الرعيل الأول في قوامه كان في معظمه من أولئك الذين غرسوا في نفوس طلابهم في السبعينيات وبداية الثمانينات دافع التحصيل العلمي والانتماء للوطن والتضحية في سبيله ورفض الظلم واعتقال التفكير وعليه تم تدمير دور التوجيه من خلال: 

1.      تقليص عدد الزيارات التوجيهية الميدانية التي تهدف الى تقويم الخلل في الأداء والتعريف بجوانب القصور فيه والتأكيد على الانضباط في الحضور والزمن المحدد لسير العملية التعليمية ومن ثم رفع التقارير عن مجمل ايجابيات وسلبيات سير الأداء خلال عام دراسي كامل تقوم الوزارة بدراستها وتحليلها عبر مختصين تمهيداً لتلافي سلبياتها وتطوير ايجابياتها في العام المقبل.

2.      بعد التخلص من عدد كبير من أولئك الموجهين الأكفاء بإحالة بعضهم الى التقاعد أو تحويلهم الى العمل الإداري بل وإعادة بعضهم الى مجال التدريس تم خرق معايير الترقية من مدرس الى موجه قسم (تعليم اساسي) وموجه مادة (تعليم عام) والقائمة على التخصص واستكمال المدرس فترة التدريس المقررة, الخضوع لاختبار تحريري في التخصص وطرق التدريس ومن ثم خضوعه لمقابلة شخصية تقيم تماسكه النفسي و قدراته على التصرف السليم واتخاذ القرار المناسب في الموقف والوقت المناسبين.. ليتم بعدها- وبعيداً عن كل تلك المعايير- الترشيح الى درجة التوجيه وفقاً للرغبة و بأعداد كبيرة في مختلف محافظات الجمهورية معظمهم من حملة الدبلوم العالي (ثلاث سنوات  بعد الثانوية) في إجراء لتنفيذ ثلاث عمليات في آن.. اخلاء الميدان من كثير من المدرسين غير المحسوبين على تحالف السلطة والإخوان, وملء الفراغ بأعضاء وأنصار التحالف, ومن ثم ضرب جهاز التوجيه في مقتل من خلال موجهين لا يفقهون في العملية شيئاً مع اطلاق العنان لهم في حرية القيام بالزيارات من عدمها والعمل بنظام البديل بمقابل, الأمر الذي أوصل جهاز التوجيه برمته الى حالة الموت السريري في غرف لا تتعدى مساحاتها 4م×4م في الوزارة ومكاتبها في المحافظات.

ج- إشكالية الأداء التعليمي في الميدان:-

من سيئ الى أسوأ سارت وتسير العملية التعليمية والتربوية داخل أروقة الدرس في كل مدراس الجمهورية منذ اوائل الثمانينات وحتى الآن تنفذ سياسة تدميرها عناصر تجلس على كراسي القرار التعليمي ومسؤولة عن رسم سياستها وتنفيذ مفردات خططها وبرامجها تقف خلفها قوى سخرت كل خيرات الوطن وحتى عقيدته لتنفيذ مشروع يقوم على أساس خلق جيل خال من أبسط مفاهيم المعرفة وقواعد التكفير, خامل, اتكالي يقتنع بالفتات من حقوقه, ومصادم للمعرفة الإنسانية, مستجيب للخرافات, يساق الى المحافل للتصفيق والى المراكز للتصويت بتوجيه مسبق يقوم على وجوب طاعة ولي الأمر وتصديق فتوى العالم وإن كان ضالاً دون تفكير أو نقاش, لأنه أصبح مسلوب الإدارة  محجوب الرؤية, قليل الحيلة, عديم الهدف وانتاجاً لهذا الجيل تم إعداد مشروع تدميري لعملية سير الأداء التعليمي تتجلى أبرز مظاهرة في الآتي:

1.      تعثر وصول المناهج رغم- رداءتها- الى أيدي الطلاب في بداية العام الدراسي وخصوصاً منهج المواد العلمية واللغة الانجليزية وتوفره بكميات كبيرة للبيع بمبالغ باهظة على أرصفة الشوارع كما هو الحال في رصيف ميدان التحرير في العاصمة صنعاء.

2.      اهمال عملية تسجيل حضور الطلاب واعتماد مبدأ فرض عقوبة تقوم على دفع ما يصلح زجاجاً مكسوراً في الفصل أو شراء علبة رنج  او عدد من المساحات… الخ ما سهل عملية الغياب وتوفير الغرامة من المصروف اليومي الذي يدفعه ولي الأمر لإبنه مسروراً كون ابنه ذاهباً الى المدرسة للتحصيل العلمي.

3.      تغييب النشاط المدرسي المصاحب للعملية التعليمية امعاناً في افساد العملية التعليمية والقضاء على مستوى التحصيل, إدراكاً من راسمي سياسة تدمير التعليم أن الأنشطة المدرسية تعزز الدافع نحو التعليم وتكشف الميول والاتجاهات والقدرات لدى الطلاب في مجالات الخطابة والشعر والموسيقى والرسم والاختراع واصدار النشرات الثقافية والعلمية واللوحات الحائطية طمراً للمواهب وبذرائع بعضها كهنوتية متخلفة تقوم على مبدأ التحريم للموسيقى باعتبارها لهواً والرسم تجسيداً الأمر الذي أوقف ظهور مبدعين في شتى مجالات الفن والإبداع والاختراع, والأدهى من ذلك خلو كل مدارس الجمهورية من معامل علمية يقوم فيها الطالب بتطبيق المعارف النظرية  عملياً ترسيخاً للمعلومات وتطويراً للمهارات.

4.      تسهيل عملية الغش في الامتحانات ما خلق اهمالاً في التحصيل لدى الطلاب ركوناً الى النجاح نهاية العام مقابل دفع مبلغ عن كل مادة دراسية وبالذات في محافظتي تعز وعدن كمحافظتين كانتا نموذجيتين في جانب الاهتمام بالمعرفة ورافدتين للعملية التعليمية على مستوى الوطن.

5.      تحويل الطلاب الى ما يشبه تجمعات جماهيرية يتم تسييرهم لحضور فعالية سياسية حزبية أو سلطوية لحمل الصور والتصفيق والهتاف بحياة الزعيم مشيدين بمنجزاته تضليلاً للرأي العام.

6.      اعتماد مبدأ الاتفاق بين إدارة المدرسة والمدرس يكون فيه على المدرس دفع مبلغ من راتبه مقابل غيابه للعمل خارج وظيفته الرسمية الأمر الذي أثقل كاهل الميزانية بمليارات الريالات دون مردود مقابل في الواقع يؤكد ذلك تصريح وزير التربية والتعليم الحالي حول احتواء كشوفات الراتب على 39 الف مدرس غير عامل في الميدان, وهذا العدد غير واقعي لأن العدد بالتأكد أكبر من ذلك بكثير نظراً لحالة التردي والفوضى العارمة في العملية التعليمية إلا أن تصريح الوزير يصب في مجرى قوة الحكم القاضي بفساد القائمين على التعليم السلف منهم والخلف وبالتالي عدم جدوى العملية التعليمية بمساريها السابق واللاحق اللذين لم يتغير فيهما سوى شخوص الوزراء ونوابهم.

7.      أهدار حق المدرسين الأكفاء في التسويات والحوافز والترقية الى درجة أعلى وهي التي يجب أن تتم آلياً وفقا للتقارير المرفوعة الى الوزارة التي كان يقوم بها جهاز التوجيه ونظراً لغياب دور التوجيه وعدم كفاءته – إن وجد نادراً- يضطر المدرس الى ترك عمله والذهاب للمتابعة في وزارات التربية والخدمة  والمالية ما يترتب عليه زيادة في انحطاط مستوى تحصيل الطلاب والخصم من راتب المدرس كفرصة لا تعوض بذريعة الغياب وعدم ادائه لواجبه.

8.      عدم عقد دورات تنشيطية وتأهيلية للمدرسين والإداريين في مجالات أساليب وطرق التدريس والإدارة المدرسية ما حول العملية التعليمية الى فوضى يتعارك فيها كل من الإدارة والمدرس والطالب وولي الأمر بسبب كثرة الأخطاء الناجمة عن ضعف الفهم بأساليب الإدارة وطرق التدريس.

9.      إهدار قيمة المدرس من خلال عدم الانتصاف لحقه في حالة ما إذا أعتدى عليه طالب أو ولي أمره ما جعله يرجح مبدأ السلامة في تجنب شر الطالب أو والده من خلال تركه لجانب التربية القائمة على أساليب تقويم السلوك.

10.    غياب الوسائل التعليمة المعينة والمرسخة للمعلومات في أذهان الطلاب رغم ما يرصد لها من ميزانية ضخمة من قبل الحكومة وكذلك ما تحصل عليه الوزارة من دعم من قبل المنظمات المانحة حيث وصلت الميزانية الخاصة بالوسائل عام 2009م الى أكثر من مليار ريال.

11.    أما ثالثة الاثافي فتتمثل في اعتماد معيار (ابن المنطقة أولى بالتوظيف) بعيداً عن الكفاءة والخبرة الأمر الذي أوغل كثيراً في تدمير العملية التعليمية حيث صار خريج الثانوية وكيل مدرسة أو مديراً لها أو مديراً للمركز التعليمي.

د- تجيير الدور النقابي سياساً :-

زيادة في الوهم وامعاناً في الاحتواء عمل التحالف السابق ذكره على احتواء الدور النقابي من خلال تقسيمه الى نقابتين هما نقابة المعلمين ونقابة المهن التعليمية حيث قام كل منهما بدعم عناصر تتبعه سياساً للوصول الى قيادة النقابتين ليتحول الدور النقابي الى تصارع سياسي  أجندته خدمة الحزب من خلال الاستقطاب داخل الساحة التعليمية والتوعية بأهداف ورؤى  الحزب وكسب الأصوات لمرشحيه في مختلف عمليات الانتخاب والتصويت بدلاً من متابعة حقوق المعلمين والعمل على تحقيق استقرارهم المعيشي والنفسي ليقوموا بأدائهم في جو من الاطمئنان يتضاعف بفعله الجهد ويتجلى الإبداع.

النتائج:

مما لا شك فيه أن مجموع الاختلالات التي تم تناولها- وهي غيض من فيض- الناجمة عن تدني مستوى التأهيل في مختلف القدرات والمهارات التي يتطلبها نجاح فاعلية العملية التعليمية والتربوية, وكذلك ممارسات مجالات الاستهداف المدروسة والمخططة والمنظمة الموجهة نحو بنية العقل المعرفية في شتى مجالات العلوم الانسانية التي تمكن المخرجات من قدرات الانفتاح على العصر وتطوراته المتسارعة والتعامل معها بإيجابية وفاعلية وقدرة على المواكبة والتي تعمل مناهج التربية والتعليم على استيعابها بالضرورة- لاشك أن تلك الاختلالات والممارسات التدميرية لمجمل العملية التعليمية التربوية كانت نتائجها كارثية على المجتمع برمته, وفي شتى مجالات حياته العملية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية ومن أبرز تلك النتائج ما يلي:-

1.      تدني مستوى التحصيل العلمي لدى مخرجات التعليم العام كنتيجة حتمية لتدني مستوى التحصيل  في التعليم الأساسي الأمر الذي يترتب عليه بالضرورة لجوء بعض هذه المخرجات الى كليات جامعية نظرية كالشريعة والآداب وتخصصات أدبية في كلية التربية وكليات التعليم الجامعي التجاري والتخرج منها بتقدير مقبول لا يمكن تلك المخرجات من تقديم أي نفع في أي من مجالات العمل المختلفة.

2.      ندرة المخرجات في التخصصات العلمية التي تتطلبها العملية التنموية .

3.      تراكم مخرجات التخصصات الأدبية وعدم قدرة الدولة على استيعابها نظراً لحالة الاختناق الوظيفي الذي تعاني منه.

4.      عزوف كثير من مخرجات التعليم  العام عن مواصلة التعليم الجامعي لعدم ثقتها بقدرتها  على التخرج بما يؤهلها  للعمل في مجال التخصص ما يدفع بها الى العمل في مجالات العمل الحر.

5.      إهدار قدرات إبداعية خلاقة كانت قادرة على الاسهام في النهوض بالوطن لو أُحسن تعليمها واكتشفت قدراتها.

6.      نهب المال العام بذريعة متطلبات التعليم المختلفة.

7.      قتل الثقة بالنفس لدى جيل كان أمل النهوض بالوطن الى مصاف التقدم والرقي.

8.      قتل الطموح لدى مخرجات التعليم وخلق بدلاً عنه حالة اليأس واللامبالاة.

9.      تجميد مستوى المعرفة عند حدي القراءة والكتابة.

10.    قتل الشعور بالانتماء الى الوطن والشعب وتراجعه نحو الانتماء الى المنطقة والقبيلة لعدم اشتمال المنهج على ما يعزز الشعور بالانتماء الى الوطن وضرورة الإسهام في تقدمه والتضحية في سبيله.

11.    تحول الشباب من مخرجات التعليم الى مجرد أفراد في مليشيات هذا الشيخ أو ذاك أو عساكر في بعض الوحدات العسكرية والأمنية بطموح توقف انطلاقه عند مجرد الانتماء الى تلك المليشيات أو الوحدات.

12.    إجهاض الدور النقابي من خلال انشاء نقابتين إحداهما تتبع المؤتمر الشعبي العام والأخرى تتبع حزب الإصلاح ما حول الدور النقابي من مهتم بالشأن التربوي ومدافع عن حقوق منتسبيه الى منافح عن مصالح الحزب ومراميه المتوخاة داخل المجتمع التربوي.

الــحلـــول:

وللخروج من هذا المأزق التجهيلي الذي وضعت فيه البلاد بفعل سياسة تعليمية لا ترتكز على أسس النهوض المعرفي الرامي الى تحقيق خلق وتنمية واكتشاف قدرات علمية وإبداعية تؤسس لمستقبل وطني مزدهر في شتى مجالات الحياة التي ينشدها الشعب المسحوق بفعل طغيان وتخلف القوى المتحكمة بمصيره والناهبة لخيراته والمعثرة بجهلها لتقدمه واستقراره وسعيها الدؤوب لإنجاز كل ما يحد من تطلعاته وهدم كل ما يؤسس لتقدمه.. فإنه لابد من سلوك سبيل الخلاص من خلال الآتي:-

1.      إيقاف كل إجراء أو توجه يرمي الى بناء منهج تعليمي لأي مستوى تعليمي حتى يتم تشكيل هيئة وطنية مستقلة تكون مهمتها بناء المنهج التعليمي التربوي بناءً وطنياً يستوعب أسس المعارف العلمية والإنسانية التي تستدعيها متطلبات التنمية بمختلف جوانبها على أن تحتل فيها قيمة الولاء الوطني والوحدة الاجتماعية ومصلحة الوطن العليا اهتماما متقدماً في سلم اهتمامات اللجنة التي يجب أن تشكل من خبراء مختصين في مجالات بناء وإعداد المنهج على ان يكونوا من ذوي الاستقلال التام عن الولاءات لغير الوطن والشعب.

2.      إيقاف قرارات التعيين لمختلف المواقع التربوية في الوزارة ومكاتبها في المحافظات وكذلك المؤسسات التابعة لها وإيقاف حركة التنقلات من والى أي موقع مهما كانت أسبابها.

3.      إيقاف عملية التوظيف الجديد وإيقاف مرتبات من تم توظيفهم نظراً لأن توظيفهم تم في مخالفة للقانون وبلا ضرورة تتطلبها العملية التعليمية  التي تعج كشوفات وزارتها بجيش عرمرم من الموظفين الإداريين والمدرسين الذين أغلبهم لا يقوم بواجبه ومتغيب عن أداء عمله بحسب تصريحات الوزير الذي يوقع قرارات التعيين والتوظيف رغم ادراكه عدم ضرورة ما يوقع عليه.

4.      إحياء دور التوجيه التربوي من خلال استعادة دوره الحيوي في العملية التعليمية والتربوية عبر:

•        إعادة بناء جهاز التوجيه التربوي من ذوي التخصص والكفاءة والخبرة في  مجالات التوجيه.

•        بناء معيارية أكاديمية حقيقية لتشخيص وتحديد الكفاءة التي يجب أن يكون عليها الموجه.

•        إعادة من تم تصعيدهم الى درجة موجه ممن لا تتوفر فيهم شروط التصعيد وذلك للعمل في الميدان كمدرسين وفقاً لقدراتهم وكفاءاتهم .. ذلك لأن تصعيدهم تم بناءً على توجه حزبي أو مقابل دفع رشاوى كمؤهل أوحد ووحيد.

5.      إعادة بناء الإدارة العامة للوسائل أو هيكلتها إن توفرت فيها الكفاءات بحيث تتمكن من إحياء دورها من خلال إنتاج وسائل تحقق أهداف المنهج والقدرات التي يرمي الى بنائها والخبرات التي يتوخى تحقيقها.

6.      استدعاء كل الخبرات والقدرات التربوية والتعليمية التي تم التخلص منها للاستفادة منها في جانب انعاش العملية التعليمية عبر إنشاء مركز بحوث تربوي حقيقي تسخر من خلاله قدراتهم وتجاربهم في جوانب تشخيص الخلل وتحديد أماكن الضعف واقتراح الحلول المناسبة, على أن تحدد له ميزانية تضم كل تلك الأموال المهدورة بلا جدوى والتي يتسلمها منقطعون ويستحوذ عليها محتالون تحت ذريعة مشاريع تربوية وهمية وسفريات لا طائل منها ودورات واجتماعات ووسائل مواصلات ما أنزال الله بها من سلطان.

7.      تجريم أعمال الغش في الامتحانات من خلال اصدار تشريعات صارمة تحدد فيها عقوبة طرفي الغش- الطالب- من يقوم بتوفير إجابة الاسئلة والمراقب واللجنة وإدارة المدرسة ومدير عام التعليم واللجنة الفرعية للامتحانات في المحافظة ومساءلة الوزير أيضاً وفقاً للقانون.

8.      اعتماد مبدأ الثواب والعقاب في مجمل مفاصل الأداء التعليمي الإداري والميداني واعتماد كذلك مبدأ الحافز التشجيعي لكل عناصر العملية وكذلك الطلاب.

9.      إحياء دور المشاركة المجتمعية في العملية التعليمية من خلال اشعار ولاة الأمور بحقيقة كل من:

•        انضباط الطالب.

•        مشاركته الإيجابية من عدمها.

•        سلوكه.

•        قدراته ومستوى تحصيله.

•        استعداده النفسي.

•        ميوله.

•        علاقاته بأفراد مجتمعه المدرسي من أجل تحقيق مستوى من التعاون الإيجابي بين القائمين بالعملية التعليمية والمجتمع.

10.    تجريم اختراق المنهج التعليمي التربوي سياسياً باعتبار أي عمل من هذا القبيل خيانة وطنية تهدد وحدة المجتمع الثقافية والاجتماعية وانحرافاً بأهدافه الوطنية الى غايات حزبية وفئوية ضيقة تخلق حالات من التصادم الثقافي يفضي بالضرورة الى تصادم مجتمعي.

11.    تجريم الضغوطات الممارسة على المعلمين والطلاب لحضور فعاليات سياسية حزبية أو التصويت لصالح حزب في أي من العمليات الانتخابية واتخاذ الإجراءات القانونية في حق من يمارسها.

12.    إنهاء حالة الانقسام النقابي التربوي من خلال حل النقابات الحالية وتشكيل لجنة تحضيرية للإعداد لانتخاب هيئة نقابية مستقلة بعيداً عن الانحياز السياسي ومنحازة كليا الى كل ما يحقق النهوض بالعملية التعليمية وتحقيق متطلباتها وتوفير الاستقرار النفسي والمعيشي للتربويين وحقهم في الترقية وفقاً للقانون.

13.    تطوير الإعلام التربوي وتصحيح مساره من خلال هيئة اعلامية تربوية تنأى به عن الاختراق السياسي بحيث يصير إعلاماً تربوياً خالصاً يواكب كل جديد في مجال التعليم على أن تخصص فيه مساحة للندوات والحوارات والمؤتمرات التربوية تطرح من خلالها مشكلات التعليم وتناقش فيها خطط تطويره وأساليب أدائه, وهو ما لن يتم إلا بإعلاميين تربويين متخصصين مستقلين مختارين بعناية وفق معيارية تحددها متطلبات وغايات الإعلام التربوي الهادف المنصوص عليها في خطة إعلامية تربوية تعدها لجنة إعلامية وطنية مستقلة.

الخاتمة

كل ما سبق طرحه من خلل فظيع وتدمير مريع في كل مفاصل العملية التربوية التعليمية يشبه الى حد ما صورة عدسة كاميرا استطاعت أن تلتقط سطح الدمار وعجزت عن تحديد حجم الركام, التقطت صورة مصدر التعفن وعجزت عن التقاط رائحته المنتشرة في كل مكاتب وأروقه الوزارة وفروعها والمؤسسات التابعة والمرتبطة بها.. التقطت شكل الجرح وعجزت عن سبر غوره العميق.. إنها صورة عامة تم فيها التقاط الظاهر كدلالة على الواجهات والزوايا المظلمة والمخفية التي تمثل القبح الأفظع في مجمل العملية التربوية التعليمية التي تشكل إما أساساً للبناء الكامل أو وسيلة للدمار الشامل..

إن هذه الورقة التشخيصية لبعض العلل المزمنة والطارئة في جسد العملية التربوية التعليمية وهي تختتم جهدها المتواضع جداً تناشد الضمائر الحية في الحقل التربوي العمل على انقاذ هذه العملية الحيوية من خلال رصد كل جزئيات الخلل وكشف كل الزوايا المظلمة بأضواء الضمير الوطني الحريص على الوطن وتقدمه وتماسك مجتمعه, كما تناشد كل الوطنيين في الأحزاب والهيئات والمنظمات الحقوقية والإنسانية وكل أبناء الوطن الى الانتفاض من اجل تخليص الواقع التعليمي من الفساد وحالتي التدمير والعبث باعتبار ما جرى ويجري كارثة حقيقية استهدفت وعي المجتمع وسر نهوضه وتقدمه تحقيقاً لأهداف سياسية ومآرب مادية تشكل مجتمعة الشر المحدق بالوطن والشعب الذي يدرك كل فرد فيه أنه لا عاصم له منه إن ظل سابحاً في لا مبالاته أو غارقاً في سباته..  

شاهد الفيديو هنا

زر الذهاب إلى الأعلى